واشنطن – وكالات – بزنس كلاس:
أجرت مجلة «بوليتكو» الأميركية مقابلة حصرية وموسعة مع سعادة الدكتور خالد بن محمد العطية نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون الدفاع، معتبرة أن حصار قطر يمثل كابوساً جيوسياسياً لأميركا في ظل حالة الالتهاب والاضطراب التي تعيشها المنطقة.
وقال العطية، في المقابلة: إن الأزمة الخليجية لم تنتهِ بعد، داعياً الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى التدخل؛ لأن الدعم الأميركي لقطر ولحل الأزمة يمكن أن يكون «أقوى من ذلك». محذراً في الوقت ذاته من أن مجلس التعاون الخليجي -وهو المنظمة الأمنية الرئيسية في الخليج- يمكن أن يتداعى ما لم يتم إيجاد حل للأزمة.
ورغم تنويع قطر لتحالفاتها مع تركيا وإيران وروسيا، أكد العطية -بوضوح- أن مستقبل قطر مرتبط بالتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، التي لها قاعدة عسكرية كبيرة بالقرب من الدوحة تضم 11 ألف جندي أميركي، وسط اقتراحات قطرية بجعل الحضور العسكري الأميركي أمراً «مستداماً».
وعن سبب اعتقاد الإمارات والسعودية -بداية الحصار- في نجاحهم في ضم واشنطن لصفهم بسبب تغريدات ترمب وعلاقات الدولتين مع جارد كوشنر صهر ترمب، أكد العطية أن دول الحصار لم تأخذ في حسبانها أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات مثل البيت الأبيض والخارجية والدفاع، وأن كل هذه المؤسسات تتشاور فيما بينها وتدير الدولة باعتبارها مؤسسة واحدة.
وقال سعادته: إن الإمارت والسعودية صُدمتا عندما تبيّن لهما أن القصة لم تنتهِ عند تغريدات ترمب؛ لأنهما وجدتا أن أميركا لا تسير بالطريقة التي اعتقدوا بها. وأكد العطية أن دول الحصار كانت قريبة من القيام بعمل عسكري ضد قطر؛ لكنها توقفت لأسباب، أولها أنها رأت رد فعل الشعب القطري وولائه للدولة والحكومة، وأيضا من بين الأسباب المرونة التي يتمتع بها الشعب القطري ونيته التضحية إن لم يعش حراً.
ودعا سعادته، الرئيس الأميركي إلى التدخل في الأزمة وحلها، قائلاً: إن اللقاءات مع المسؤولين الأميركيين دللت على أن واشنطن تتفهم جيداً أن الحصار وتبعاته له أثر سيئ على عمليات مكافحة الإرهاب، خاصة أن المنطقة تواجه عدواً غريباً غير تقليدي يحتاج إلى تكاتف جهود الجميع.
قطر مستقلة
ووصف العطية، الحوار الاستراتيجي بين واشنطن والدوحة بأنه الأول من نوعه، وأنه تأكيد على العلاقة الاستراتيجية بين الدولتين؛ إذ شمل الحوار عدة جوانب منها الدفاع والاستثمار والاقتصاد ومكافحة الإرهاب.
وحول النتائج المباشرة للتعاون الأميركي- القطري، أوضح سعادته أن عمليات مكافحة الإرهاب تتطلب تبادلاً للمعلومات، وبالأهم في الموقف الحالي مع انقطاع الاتصالات بين قطر وجيرانها. مشيراً إلى أن قطر كانت معتمدة بشكل كبير على الإمارات والسعودية في واردات الأدوية والأغذية وغيرها، لكنها الآن بعد 8 أشهر باتت مستقلة كلية عن الدول التي قررت خوض حرب معها.
ولدى سؤاله عن وجود قنوات اتصال مع دول الحصار لحل الأزمة، أكد العطية أن قطر دعت إلى الحوار باعتباره الحل الوحيد للأزمة، مشيراً إلى أن بلاده منفتحة دوماً، وأن أي شيء يمكن أن يُطرح على طاولة الحوار دون استثناء. مضيفاً أن الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن تقبله قطر هو فرض شروط مسبقة، وأن الدوحة تشجع جهود أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، وكذا مساعي الولايات المتحدة.
وأشار العطية إلى أن ترمب يعمل في الواقع على حل الأزمة وجلب جميع الأطراف للجلوس على مائدة التفاوض، بالتوازي مع وساطة الكويت، مشدداً على ضرورة وجود الولايات المتحدة شاهداً على مخرجات الحوار، وأنها أفضل من يكون ضامناً لذلك.
وبشأن الوحدة الخليجية، قال العطية: إن من قرر بث الفُرقة بين دول المجلس إما قصير النظر، أو أنه قرر -وبشكل واضح- فض مجلس التعاون الخليجي؛ لأن نتيجة حصار قطر كانت شديدة الوضوح.
وأضاف أن الدوحة تحاول إبقاء مجلس التعاون وحدة متماسكة، لكنه أكد أيضاً أن مصير مجلس التعاون سيكون مجهولاً إذا ما واصلت دول الحصار الدفع في مسار القطيعة.
وبشأن دوافع الأزمة الخليجية، أكد العطية أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ليس وحده المسؤول عن حصار قطر؛ بل هي ثلاث دول قررت ليلاً خداع قطر والتخطيط لحصارها.
وحول تنويع قطر شراكاتها العسكرية مع دول مثل روسيا وإيران وتركيا، قال العطية إنه قبل 5 من يونيو الماضي كانت منطقة الخليج من أكثر مناطق العالم استقراراً وأبرزها ازدهاراً، وكذلك فإن علاقات قطر مع الولايات المتحدة تاريخية؛ لذلك ليس من منهج قطر الدبلوماسي تغيير حلفائها وأصدقائها، بل إن قطر تتمسك بحلفائها والأمثلة كثيرة، وليس أقلها دعوة قطر لاستضافة القوات الأميركية التي طُلب منها مغادرة السعودية عام 2002 والترحيب بها وتقديم كل الوسائل لإتمام مهامها.
يتابع العطية: «لذلك، فليس من السهل على قطر -بالنظر إلى تلك العلاقات التاريخية- أن تغيّر من تحالفاتها»، واستكمل قائلاً: «إن التقارب مع إيران كان إجبارياً، فقد قطعت دول الحصار المنافذ البرية والبحرية مع قطر في شهر الصيام شهر رمضان»، مشيراً إلى أن إيران كانت البوابة الوحيدة لدخول ما استلزم من أدوية وأغذية.
نقطة أخرى لفت إليها العطية، وهي أن قطر وإيران مرتبطتان جغرافياً، لكن في النهاية فإن قطر تتعامل مع كل الدول بحدود. وحول شراء قطر لأنظمة «أس-400» من روسيا، أكد العطية أن معظم الأسلحة القطرية أميركية؛ لكنه أكد على سيادة دولة قطر وحقها في اختيار ما يناسب أمنها، غير أن ذلك لا يعني الابتعاد عن أميركا باعتبارها شريكاً استراتيجياً وحليفاً.
وأشار إلى أن قطر تحاول بناء علاقات عادية ومتوازنة مع جيرانها ومع دول العالم، وهو المنطلق الذي دعت منه قطر دائماً لحل الخلاف مع إيران بالحوار، مشيراً إلى أن استعمال القوة بات منهجاً قديماً يمكن أن يُدخل المنطقة في فوضى إذا حدث.
وحول رسالة العطية والوفد المرافق له لواشنطن، أكد وزير الدفاع أن قطر تعمل على إحلال الاستقرار في المنطقة، وأشار إلى أن وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين يتحليان بالحكمة، وأنه ليس من مصلحة أية دولة أن تدخل المنطقة في حرب.
وأكد نائب رئيس مجلس الوزراء أن التعاون بين الولايات المتحدة وقطر لا يقتصر على الجوانب العسكرية فقط، بل يمتد ليشمل قطاعات أخرى مثل التعليم، مشيراً إلى وجود 6 جامعات أميركية تقريباً هناك، منها «كارينجي ميلون» و»تكساس أيه&أم» و»نورثويسترن».
ولفت العطية إلى الجوانب الاقتصادية أيضاً والاستثمارات؛ إذ تعدّ قطر من أكبر مستثمري الشرق الأوسط في الولايات المتحدة؛ لذلك فإن العلاقة بين واشنطن والدوحة في كل الاتجاهات.
وحول مخاوف من الأزمة الخليجية، عبّر العطية عن قلقه من احتمال تفسّخ النسيج الاجتماعي لدول الخليج التي تعدّ بمثابة عائلة واحدة، ضارباً مثالاً بذلك بأنه من غير المقبول أن يتم التفريق بين أم وابنها ذي الـ 6 أشهر في مطار أبوظبي.. فقط لأنها قطرية وهو إماراتي.
وختم العطية حواره بالقول بأن الأزمة الخليجية هي نزاع عائلي في واحدة من أكثر مناطق العالم أهمية، داعياً الرئيس الأميركي إلى التعجيل بحل الأزمة قدر الممكن.