بعد أن استولت شبكة Netflix على عروض التلفاز في وقت ذِروتها، أصبح اليوم لديها هدف سينمائي ترمي إليه بطريقتها الخاصة، حيث يمثل فيلم War Machine الذي أنتجته الشبكة أخيراً، وصورت أجزاء منه في أبو ظبي بالإمارات، معركةً مثيرةً تقتحم فيه الشبكة عالم الأفلام الطويلة، والذي يؤدي دور البطولة فيه الممثل الأميركي براد بِيت في دور جنرال عسكري، وهو من إخراج ديفيد ميشود.
يمتاز الفيلم بعدة ميزات منها اسمه “آلة الحرب/ War Machine”، فهو يجمع بين قوة النجم براد بِيت ومصداقية المُخرج المستقل ديفيد ميشوي، مُخرجِ Animal Kingdom.
والعمل عبارة عن كوميديا سوداء تسخر من الحرب التي دارت رحاها في أفغانستان، بعد سنوات من أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، حيث شنّت قوات الناتو “حرباً لن تكسبها أبداً”، حسب ما جاء على لسان إحدى شخصيات العمل في الكليب الدعائي.
شخصية ماكماهون التي يؤديها بيت وتواجد في أبوظبي عام 2015 لتصويرها دون إعلان مسبق أو لقاءات إعلامية، مستوحاة من الشخصية الحقيقية للقائد العسكري الأميركي ستانلي مكريستال، شغل منصب القائد العام للقوات الأميركية والدولية لمدة لم تتجاوز العام بين 2009 و2010.
قصة الفيلم مأخوذة عن كتاب The Operator للمؤلف مايكل هاستنغ، الذي وصفه النقاد بأنه نقل دقيق حول توّرط الأميركيين والمجتمع الدولي في أفغانستان، حوّله بيت إلى فيلم كوميدي يتهكم على جهل السياسيين، وضحالة معرفتهم بما يدور حولهم.
وبالاستثمار الذي أنفقته Netflix على العمل، الذي يقدر بـ60 مليون دولار أميركي، فإن هذا الفيلم الطويل يعتبر أكبر ميزانية للشبكة حتى اليوم.
والأهم من ذلك كله أن التوقعات لنجاحه كبيرة أيضاً، حسب تقرير نشر على The Guardian جاء فيه “هذا الفيلم قد يُحدث نَقلة في عالم السينما لم تحدث من قبل”.
وفي ذلك يقول المخرج ميشود: “كنا نعرف في وقتٍ مبكر أننا كنا نعمل على نوع من الأفلام لن تستطيع أن تتولى إنتاجَها وصناعتَها الاستوديوهات السينمائية”.
لذا فقد “توجَّهنا” وبراد بشركة الإنتاج Plan B التي يمتلكها إلى Netflix، وفي عام 2015 وقعنا على عقود التسويق معها من أجل “القدرة على صناعة أفلام غير تقليدية ومحفوفة بالمخاطر، مع الموارد اللازمة لأدائها بالشكل الصحيح”.
ومن المقرر أن يُعرض فيلم War Machine في دور عرض الولايات المتحدة وبريطانيا، مما يؤهله لخوض منافسة الأوسكار.
ولكن العرض على الشبكة سيكون في الـ26 من مايو/أيار من عام 2017، على أجهزة الحاسوب المحمولة وفي غرف المعيشة أمام قاعدة المشتركين العريضة للشبكة، التي تصل إلى 100 مليون مشترك.
ولن يُقاس النجاح التجاري للفيلم من خلال حصيلة شباك التذاكر، ولكن من خلال محصلة أعداد المشتركين الجديدة.
وربما يسود الاعتقاد بأن أي فيلم مع بيت يُمكن أن يجلب الكثير من المال تحت أي ظروف، ولكن ميشود يرى أن أداء بيت لدور الجنرال جلين ماك ماهون (شخصية خيالية مأخوذة من ماك كريستال) يُعد من أنماط الأدوار الأكبر بكثير من الشاشة الكبيرة”.
ويرى كذلك أن الممثلين يفضلون العمل في هذه البيئة الإبداعية، إذ سيكشف الفيلم عن أداء غير متوقع من بن كينغسلي، الذي يلعب دور الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، وتيلدا سوينتون التي تلعب دور مسؤولة ألمانية خرقاء، بالإضافة إلى كتيبة كاملة من المواهب المستقبلية، ومن بينهم البريطاني ويل بولتر، ولاكيت ستانفيلد من مسلسل أتلانتا الكوميدي، وهوبر ابن سين بين.
“هناك أمر ممتع للغاية يتعلق بالعمل مع ممثلين من هذه الفئة العمرية. لقد تخطوا مرحلة الشباب، ولكن ما زال لديهم تعطش للمزيد. ما زال هناك أمر مثير يتعلق بأنهم يودون تولي الأمر برُمته” حسب ميشود.
التقرير الذي أفردته The Guardian لتحليل التجربة الجدية لم يغفل الإشادة بتوفر الكثير من العناية والوقت والموهبة، ناهيك عن المال في فيلم War Machin، ولكنه طرح تساؤلاً مهماً هو لب الموضوع: “هل سيتمكن الجمهور من الحُكم على براعة المؤلف من خلال هذه اللوحة الصغيرة؟ وهل لن يشعر ميشود بالندم، خاصة أن الغالبية العُظمى من جمهور فيلم War Machine لن يُشاهدوه على الشاشة الكبيرة؟
وعن هذا أجاب ميشود “لا أُمانع على الإطلاق لأن التلفزيونات كثيرة للغاية هذه الأيام. وأعلم أن رأيي قد يبدو غريباً كوني مخرجاً.. أليس كذلك؟ لكن بأمانة تامة رأيي يعكس بالضبط كيفية مشاهدتي للأفلام هذه الأيام، أحب مُشاهدة الأفلام بالمنزل”.
تجربة الشبكة في مهرجان كان
الجدير بالذكر أن دخول Netflix عالم السينما لم يستقبل بحفاوة من معظم صنّاع الفن السابع، لا سيما أن مهرجان كان السينمائي يصرّ على أنه اعتباراً من العام المقبل، يجب أن تنطلق جميع الأعمال المتنافسة على جائزة السعفة الذهبية / La Palme d’Or” في دور السينما الفرنسية.
وبما أن القانون الفرنسي يفرض مدةَ عرض تصل إلى 36 شهراً بين الإصدار وتاريخ البث، فإن هذا الأمر سيحظر على Netflix المنافسة.
وقوبل عرض فيلم أوكجا في مهرجان كان -وهو من إنتاج Netflix- باستهجان الجمهور، الذين أطلقوا أصواتاً تعبيراً عن عدم ترحيبهم بالعمل بمجرد رؤية شعار الشبكة في مقدمة الفيلم، قبل أن يُضطروا إلى إيقاف العرض بسبب مشاكل تقنية.
فيما أعلن الممثل الأميركي ويل سميث -الذي يلعب دور البطولة في فيلم Bright وهو أحد الأفلام الجديدة التي أنتجتها Netflix والمقرر عرضه في ديسمبر/كانون الأول من عام 2017- عن البداية الطموحة للشبكة في عالم السينما.
وهنا لا بد من ذكر أن هناك بعض المشكلات التي يجب حلها ليصبح فيلم War Machine قابلاً للعرض في دور السينما، وعن هذا يقول ميشود: “لقد قمنا بمزج الصوت تماماً وتمكنّا من كافة الأمور، ياله من أمر رائع. أحب تحويل الفيلم إلى حدث. بالنسبة للمخرج، إن هذا الانتباه المنصب على التفاصيل يتنامى ببطء ويتحول إلى تعريف جديد للأفلام التلفزيونية. فلقد أمضيت عاماً تقريباً في تقطيع ذلك. إنه عمل دقيق يمكنك القيام به عندما تتوافر لديك الموارد اللازمة”.
Netflix اغراءات
وبحسب تقرير الصحيفة، لا يقتصر الأمر فقط على أن Netflix تعمل على إغراء صُناع السينما بمجموعتها المُغرية من الشركات ذات الموارد النقدية الوفيرة والحرية الكاملة، ولكن إذا لم تتدخل الشبكة فلن تُنتج هذه الأفلام من الأساس. ففي فبراير، جرى الإعلان عن أن فيلم مارتن سكورسيزي القادم The Irishman، سيُوزع بواسطة Netflix.
وكان من المقرر توزيع الفيلم بواسطة شركة Paramount التي أصدرت آخر أربعة أفلام لسكورسيزي، ولكن أفادت تقارير بأن استوديوهات هوليوود ترددت عندما قارن المخرج مبلغ 7 ملايين دولار بمبلغ 40 مليون دولار.
The Irishman هو من الأفلام المثيرة، ويجمع روبرت دينيرو وأل باتشينو وجو بيشي في عمل ينتظره الجمهور بفارغ الصبر، ولكن ما زال في إطار الأفلام التي يصفها ميشود بأنها: “أي فيلم من هذا المستوى لا يعتمد على أي امتيازات مسبقة”.
ويتواجد الفيلم الأيرلندي The Irishman ضمن قائمة عرض Netflix المثيرة للإعجاب إلى حد كبير، ولكن بات فيلم War Machine أول صفقة جرى توقيعها والأولى من ناحية الإصدار.