من جانب آخر، نشر موقع معهد “تشاتام هاوس” مقالاً للباحثة جين كينينمونت، قالت فيه إنه أيا كانت وجهة النظر، فإن الأمير الشاب يقف في وجه النموذج التقليدي للحكومة السعودية على عدد من الجبهات في وقت واحد. لقد تغيرت السياسة الخارجية بشكل كبير مثل الحرب في اليمن — وهي الحرب الأولى التي قادتها السعودية منذ تأسيس الدولة — والانضمام لحلف مع الإمارات والبحرين ومصر لمقاطعة قطر. وعلاوة على ذلك، فإن صعوده المفاجئ إلى ولاية العهد في حزيران/ يونيو كسر التقاليد في سلالة بن عبد العزيز حيث السلطة منذ فترة طويلة تكون بين كبار السن الأخوة- ولأول مرة يمر العرش من الأب إلى الابن.وتضيف جين أنه في حين أن سياسة بن سلمان تغير المملكة العربية السعودية بطرق عديدة، فإن أحد التغييرات الغائبة هو الإصلاح السياسي. ومع ذلك، لا يمكن إهمال هذا إلى الأبد، لأن كل التغييرات الأخرى هي تغيير للعقد الاجتماعي الذي أقامته المملكة على مدى عقود.
وتقول الباحثة إنه نظرا لاهتمامات الشباب السعودي، فقد ارتبطت بشكل وثيق مع رؤية عام 2030، مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية للحد من الاعتماد المستدام للبلاد على النفط وخلق المزيد من فرص العمل في القطاع الخاص، ورغم التدهور في الظروف الاجتماعية في البلاد تم إنشاء وكالة حكومية جديدة للترفيه جلبت حفلات البوب إلى المملكة العربية السعودية.
واستنادا إلى سلسلة كاملة من سياسات التنويع الاقتصادي التي طورتها المملكة العربية السعودية على مر السنين، تعتزم رؤية 2030 تطوير المملكة العربية السعودية كمركز للأعمال والتجارة واللوجستيات والسياحة. كما تخطط لبيع حصة في أرامكو السعودية، أكبر شركة نفط في العالم، واستخدامها لإنشاء صندوق ثروة سيادية. والفكرة هي أن القطاع الخاص المزدهر سيحل محل الدور التقليدي للقطاع العام في توفير فرص العمل وتفعيل النمو.
وهذا أمر ضروري، لأن اتجاهات أسعار النفط تجعل من الواضح أن الحكومة لا تستطيع تحمل استمرار توسيع الإنفاق العام إلى أجل غير مسمى. والمشكلة هي أن جذب الاستثمارات الخاصة أمر صعب أيضاً عندما تكون أسعار النفط منخفضة، حيث لا يزال المستثمرون يحكمون على توقعات النمو في المملكة العربية السعودية على أساس أسعار النفط. وهكذا.
وتقول الباحثة إن الآثار السلبية للتقشف المالي قد شعر بها السعوديون على الفور، في حين أن فوائدها الموعودة لم تتحقق بعد. وفي خطوة دراماتيكية، قطعت الحكومة نظاماً معقداً من الفوائد في القطاع العام، الذي يستخدم ضعف عدد السعوديين كما يفعل القطاع الخاص، مما أدى إلى خفض أجور العديد من الناس بنسبة 20 بالمئة.
وتضيف أنه من غير المستغرب، أن يشتكي الناس. ولتخفيف المشاعر العامة، عكف الملك سلمان، والد الأمير الشاب، على إصلاح تلك التخفيضات في نيسان/ أبريل، وقال إن الجميع سيحصلون على ستة أشهر من المزايا للتعويض.
رد فعل متوقع
وتقول الباحثة إن هذا التحول أظهر صعوبة تغيير السياسة الاقتصادية في بلد تم فيه تشكيل العقد الاجتماعي على مدى عقود من خلال قدرة الحكومة على صرف الإيرادات دون الحاجة إلى فرض ضريبة الدخل. ولكن هذه قصة قديمة، تكررت عدة مرات في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى. وكان من الممكن أن تتنبأ القيادة الجديدة بالردة العنيفة، وأن تستعد لها على نحو أفضل، من خلال إدخال التغييرات بشكل تدريجي، وتوصيلها إلى الجمهور بشكل أفضل، والعمل على إنشاء شبكات أمان اجتماعي قبل البدء في برنامج التقشف. وبالنظر إلى المستقبل، فمن المتوقع أن تكون الوظائف هي التحدي التالي.
وتضيف أن خفض الإنفاق الحكومي، وخصخصة الشركات الحكومية، سيؤدي إلى فقدان الوظائف. وسيستغرق القطاع الخاص سنوات لكي يعوض الوظائف المفقودة في القطاع العام. وتشكل مخاطر تزايد عدم المساواة والاستبعاد الاجتماعي عددا من المخاطر في نظام سياسي يقوم على توفير الدولة المنافع. وتبرز الحاجة إلى معالجة الآثار المترتبة على العقد الاجتماعي الجديد.
وترى كينينمونت أن نظام بن سلمان يؤدي إلى إحداث تغيير في السياسة الاقتصادية وقطاع الأعمال والسياسة الخارجية والمعايير الاجتماعية وطريقة تقاسم السلطة داخل الأسرة الحاكمة. وهذا يعني التغيير في كل مجال تقريبا، باستثناء الإصلاح السياسي. وتوضح أنه في حين فتح الملك عبد الله المجال أمام انتخابات بلدية وعين النساء في مجلس الشورى الاستشاري للمرة الأولى، فإن القيادة الجديدة لم تضع أي مقترحات لإصلاحات سياسية. وأنهم لا يشعرون بأي ضغط للقيام بذلك. وتضيف أن التداعيات العنيفة للانتفاضات العربية أدت إلى ردع معظم السعوديين عن أي فعل سياسي وإبقائهم في منازلهم. وقد ألقي القبض على بعضهم؛ ويخشى الكثيرون ببساطة أن يؤدي التغيير السياسي السريع إلى جعلهم أسوأ.
التحدي من الجهاديين
وتقول الباحثة إن الخطر الوحيد على النظام السعودي هو المتطرفون — تنظيم داعش والقاعدة — الذين جندوا الآلاف من السعوديين. وفي حين أن الولايات المتحدة كانت تدعو إلى الإصلاح السياسي في المملكة العربية السعودية، فإن القليل في الغرب لديهم الرغبة في القيام بذلك في الوقت الحاضر. إن القادة السعوديين سيقولون ببساطة إن الإصلاحات السياسية على النمط الغربي — مثل إدخال عنصر منتخب إلى مجلس الشورى — ستكون غير ملائمة، أو ستمكن المتطرفين.
© AFP 2017/ FAYEZ NURELDINE
محمد بن سلمان
وترى جين أن هذا هو بالتحديد ما يفرض ضرورة تمكين محمد بن سلمان للسعوديين من تطوير المزيد من الأفكار المحلية للتنمية السياسية والإصلاح، وتوفير بدائل للنماذج المستوردة، والنماذج المتطرفة. وتضيف أنه بعد كل شيء، تشير التغييرات المختلفة التي يتصورها بن سلمان إلى مستقبل لم يعد فيه المواطنون السعوديون يضمنون وظيفة، ولم يعد من المؤكد الاعتماد على الولايات المتحدة لتوفير الأمن، في حين أن رجال الدين والأمراء الأقوياء قد زال تأكدهم من مكانتهم. وكل ذلك من شأنه أن يعرقل العقد الاجتماعي الضمني للبلد، مع ما يترتب عليه من آثار سياسية كبيرة.
وتختم الباحثه مقالها بأن المعارضة في المملكة العربية السعودية لن تهدأ إلى الأبد، وينبغي أن لا يفوت بن سلمان الفرصة للمضي قدماً في الإصلاح السياسي.