في حسابات البعد الإنساني للحصار الذي أطبقت به السعودية والإمارات والبحرين على قطر، كان أكبر المتضررين العلائلات والأسر التي شتتها القرارات الجائرة من دول الحصار لتقطع صلة الرحم التي أوصى بها رب العالمين، حيث أكدت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان إن ما لايقل عن 13314 شخصا قد تضرروا بشكل مباشر من الحصار الذي تفرضه ثلاث دول خليجية “السعودية الإمارات والبحرين” على دولة قطر.
وأوضحت اللجنة في تقرير أصدرته اليوم أن الانتهاكات التي طالت هؤلاء المتضررين تشمل انتهاك شمل مئات الأسر وانتهاك حق التنقل والتعليم والصحة والعمل وحرية الرأي والإقامة والتملك إضافة إلى الحرمان من ممارسة الشعائر الدينية والتحريض على العنف والكراهية.
واستعرض التقرير وهو الثاني من نوعه منذ بداية الأزمة الشكاوى التي تلقتها اللجنة إثر الانتهاكات التي لحقت بمواطني دولة قطر جراء الحصار ومنعهم من دخول أراضي الدول الثلاث التي أجبرت أيضا مواطنيها على الخروج من دولة قطر في غضون أسبوعين.
ووصف التقرير الإجراءات التصعيدية التي اتخذتها دول الحصار الثلاث في الخامس من شهر يونيو الماضي بأنها “حادة وصادمة” حيث شملت إغلاق المجال البحري والبري والجوي ليس فقط في وجه التجارة والبضائع بل طالت أيضا المواطن الخليجي في سابقة لم تشهدها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من قبل ضاربة بذلك عرض الحائط بجميع المبادئ والمعايير الحقوقية والإنسانية وتبعاتها القانونية.
وأشار التقرير إلى توارد مئات الشكاوى إلى اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان سواء عبر البريد الإلكتروني أو عبر الهاتف أو زيارات مباشرة إلى مقر اللجنة مبينا أنه حسب البيانات التي تحصلت عليها اللجنة الوطنية فإن ما لا يقل عن11387 مواطنا من دول الحصار الثلاث يقيم في دولة قطر بينما يقيم قرابة 1927 مواطنا قطريا في تلك الدول تضرروا جميعهم في نواح وقطاعات مختلفة وبشكل متفاوت وصل في بعض الحالات إلى أن تقوم بعض دول الحصار بالفصل بين الأم وأولادها.
كما أشار التقرير إلى أن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ثمنت الخطوة التي اتخذتها دول الحصار الخليجية الثلاث بمراعاة الحالات الإنسانية للأسر المشتركة السعودية والبحرينية والإماراتية والقطرية واعتبرتها خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها طالبت الدول الثلاث بتوضيح آليات التنفيذ أولا وضرورة أن تشمل جميع النواحي الحقوقية والقانونية.
ونبه التقرير إلى أنه في بعض الحالات تعرض الشخص الواحد لأكثر من نوع من الانتهاكات واستعرض في نفس الوقت شهادتين أو أكثر من الضحايا عن كل صنف من أصناف الانتهاكات كما أورد جدولا تم خلاله توزيع الشكاوى حسب نوعها والبلد المتسبب بها.
وشدد على أن كل ما تم توثيقه يبقى في الحد الأدنى خاصة أن كثيرا ممن تعرضوا للانتهاكات لا يعلمون بوجود آليات تقديم الشكاوى كما أن لدى كثير منهم خوف حقيقي من اتخاذ إجراءات انتقامية بحقهم من قبل سلطات بلدانهم في حال الاتصال أو تقديم شكوى إضافة إلى وقوع انتهاكات بحق أطفال ممن هم دون سن الـ 18 عاما وبالتالي فهم لايمتلكون هوية مما يعني أن الإحصائيات الواردة في التقرير لا تشمل عددا كبيرا منهم.
ونوه التقرير بأن الحكومة القطرية لم تقم بأي إجراء بحق مواطني دول الحصار الثلاث ولم تتلق اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أية شكوى في هذا الخصوص.
وأشار إلى أن حكومات كل من السعودية والإمارات والبحرين انتهكت عبر قراراتها عدة قواعد وقوانين رئيسة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والتي باتت من أبسط وأساسيات ركائز حقوق الإنسان وتتمتع لبساطتها واتساع نطاق تصديقها وتطبيقها بصفة العرف الدولي.
وأكد أن الدول الثلاث انتهكت على نحو صارخ عدة مواد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواد أخرى في كل من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة 4 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري إضافة إلى مواد في كل من الميثاق العربي لحقوق الإنسان وإعلان حقوق الإنسان لمجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتفاقية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون وبالتالي تتحمل تلك الدول مسؤولية حماية وحفظ حقوق ومصالح الأفراد المقيمين على أراضيها.
وطالب التقرير المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لرفع الحصار وبذل كل الجهود الممكنة لتخفيف تداعياته على المتضررين منه من سكان دولة قطر ومن مواطني الدول الثلاث التي قامت به.. كما أوصى الأمم المتحدة والمفوضية السامية لحقوق الإنسان بضرورة اتخاذ خطوات سريعة لإرغام الدول التي أصدرت قرارات جائرة بالتراجع عنها.
وشدد على ضرورة قيام المفوضية السامية لحقوق الإنسان بإعداد تقارير وبيانات توثّق مختلف أنواع الانتهاكات التي طالت أعدادا هائلة وبشكل خاص فيما يتعلق بتشرّد العائلات بما في ذلك تداعياتها المرعبة على النساء والأطفال إثر تفكك الأسر ومطالبة الدول باحترام الحريات الأساسية للقائمين على أراضيها.
وحث التقرير مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة على اتخاذ جميع الإجراءات الممكنة في سبيل رفع الحصار وما نجم عنه من انتهاكات والمطالبة بتعويض كافة الأضرار التي لحقت بجميع الأفراد.. وأوصى المقررين الخواص في مجلس حقوق الإنسان بتوثيق استمارات في مختلف أنواع الانتهاكات التي حدثت ومراسلة الحكومات المعنية في هذا الصدد على وجه السرعة وأكد أن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان على استعداد تام لتزويد المقررين وجميع الجهات بكامل البيانات التي لديها.
كما أكد التقرير على وجوب قيام الأمانة العامة لمجلس التعاون وخاصة هيئة تسوية المنازعات التابعة للمجلس الأعلى بالتحرك بالسرعة القصوى وبذل كافة الجهود لإقناع حكومات الدول للبدء بتسوية أوضاع العوائل والمواطنين الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والثقافية.
ووجه التقرير دعوة إلى كل من السعودية والإمارات والبحرين بضرورة مراعاة خصوصية المجتمعات الخليجية وعدم اتخاذ قرارات تساعد في قطع أوصال الأسر والمجتمعات والتراجع عنها في أسرع وقت ممكن.. وطالب هذه الدول باحترام حقوق الإنسان الأساسية في التنقل والملكية والعمل والإقامة والتعبير عن الرأي المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والميثاق العربي المشترك لحقوق الإنسان.
وأشار إلى ضرورة تحييد الملف السياسي عن التأثير على الأوضاع الإنسانية والاجتماعية وعدم استخدامه كورقة ضغط وذلك لمخالفته القانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وتضمن التقرير تصريحا للدكتور علي بن صميخ المري رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان قال فيه “لقد أصبحت معاناة جزء كبير من شعوب بلدان الخليج العربي بادية للعيان عبر تقارير اللجنة الوطنية والتقارير والتصريحات الدولية والقصص عبر وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي”.. معربا عن أمله أن تقوم دول الحصار بعد كل هذا بتغيير نهجها وأن تأخذ بعين الاعتبار حقوق ومصالح الشعوب الخليجية.