ليس أجمل من أن نزور بلدانًا تحضن في ثنايا أروقتها كل معالم الجمال الطبيعي والسعادة الإنسانية. وغالبًا نفكّر في تمضية إجازة في مدينة أو بلد بعيد حيث نرغب في محو تفاصيل الكآبة التي تعكّر يومياتنا.
فما رأيك في تمضية إجازة في أحد هذه البلدان التي دخلت ضمن لائحة البلدان العشرة الأوائل الأكثر سعادة في العالم لعام 2016 بحسب «شبكة حلول التنمية المستدامة» التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، فتعيشين أيامًا من الرخاء لا حدود له سوى الزمن الأرضي الذي يوقظك من أجمل لحظاته، ربما لتخزّني في ذاكرتك صورًا انفلتت من قبضته.
1-الدنمارك
ليست هذه المرة الأولى التي يحتل فيها الدنمارك المرتبة الأولى في قائمة البلدان الأكثر سعادة في العالم. يقدّم هذا البلد لمواطنيه الخدمات العامة المجانية، مثل الرعاية الصحية والتعليم، فضلاً عن أنه بلد فخور بالحياة الاجتماعية والتعاضد المجتمعي. ولعلّ عاصمته كوبنهاغن المستلقية على بحر البلطيق تعطيك لمحة عما يمكن أن تكون الإجازة في هذا البلد، لتدخلك في تجربة سعادة دنماركية.
سعادة التسوّق…
يعتبر حي نايهافن Nyhavn في كوبنهاغن حيًا راقيًا يحضن عددًا من البوتيكات ومقاهي الرصيف التي يستمتع روّادها بأمواج بحر البلطيق وهي تتلاعب بالمراكب واليخوت، ويشاهدون مجسّم الحورية الحسناء الواقف على صخرة عند مدخل المرفأ تنتظر أميرها القادم من اليابسة.
وتُعَدّ هذه الحورية الصغيرة رمز كوبنهاغن، وقد صنع المجسّم النحّات الدنماركي إدوارد أريكسن بناء على طلب كارل جاكوبسون، تكريمًا للأديب هانس كريستيان أندرسن الذي نالت قصصه الخاصة بالأطفال شهرة عالمية. والمفارقة أن هذا التمثال سُرق مرارًا، وفي كل مرة يعاد إلى الصخرة الواقف عليها.
فيما تعيشين في متنزّه تيفولي في عالم افتراضي حيث كل شيء جميل وهادئ، فكل ركن فيه يأخذك إلى مدينة خيالية. هنا سحر الشرق الأقصى بألوانه وزخرفاته التي تجسدت في حديقة يابانية مستلقية على بحيرة اصطناعية، يجاورها برج لهيكل صيني، ومسرح حكاياته مستوحاة من سحر الصين. أما في ليغو لاند فلا بد من أن تشعري بأنك «أليس في بلاد العجائب»، هل تخيّلت يومًا أن تتحوّلي عملاقة تتجوّل بين أروقة مدينة من الآجر! هذا ما يحصل لك في متنزّه ليغو لاند، الذي شيّد بـ45 مليون قطعة من الآجر شكّلت مدنًا ومعالم تاريخية من كل أنحاء العالم ابتكرتها بدقة أيدي فنانين شغوفين.
2-سويسرا
تؤكّد بعض الدراسات الطبية أن تناول الشوكولا يمنح شعورًا بالسعادة. فكيف إذا أمضيت إجازتك في بلاد الشوكولاتة! ما من شك في أن سويسرا التي تغفو في أحضان جبال الألب ارتبطت بأسلوب الحياة الفاخرة وسرية المصارف والساعات الجميلة ورياضة التزلج والبحيرات… ففي سويسرا كل شيء يسير على الالتزام بدقائق الزمن وثوانيه، فتبدو الساعات المعلّقة في كل ركن من محطّات قطارات مدنها ومطاراتها صورة لمقولة «سباق مع الزمن». إنه الوقت، إنه الوقت. ولكنه يبدو سباقًا إلى السعادة.
ومن المعروف أن سويسرا بلد منحدرات التزلج الرائعة، والأكثر شعبية بين هواة التزلج ومحترفيه حول العالم. وسويسرا توفّر أيضًا نمط حياة صحيًا لمواطنيها، فهي البلد الذي يضم أدنى معدلات البدانة في أوروبا.
فسكان هذا البلد لديهم نشاطات ترفيهية في كل الفصول، التزلج في جبال الألب والتزحلق على الجليد شتاءً، وفي الربيع تعتبر رياضة «ديرت مانستر بايك» Dirt Monster Bike من أجمل المغامرات التي يقومون بها، وهي عبارة عن ركوب Scooter ذات حجم كبير، تنطلقين بها نحو الغابة غير آبهة بخطر الانزلاق ولا بالمنحدرات القوية، فالشعور بالنسمات الباردة لجبال الألب المتمازجة برائحة التراب الرطب والغوص في غابة يخترق ضياء الشمس كثافة أشجارها، متعة من نوع آخر تولّد فيك التحدي والقدرة على التحكم في مسارك مهما كان المنحدر خطيرًا. فيما رياضتا الكاياك والتجديف في البحيرة والأنهر هما الأحب إلى قلب السويسريين.
3-آيسلندا
فوجئ كثير من الناس عندما نالت آيسلندا المرتبة الثالثة في قائمة البلدان الأكثر سعادة في العالم، بعد الركود الاقتصادي الذي واجهته عام 2008.
ووفقًا للتقرير الصادر عن إحدى الدراسات، فإن وقوف آيسلندا على شفا الإفلاس، جعل سكانها متضامنين من أجل إعادة الانعاش الاقتصادي للجزيرة. فلمَ لا تسافرين إليها، وتعرفين سر التفاؤل الذي يخيم على هذا البلد، وتعيشين إجازة مغمورة بالتفاؤل في أقصى الكرة الأرضية.
فآيسلندا موطن لبعض من أجمل المناظر الطبيعية التي يمكن أن ترينها مرّة واحدة في حياتك وتحفر في ذاكرتك ما حييتِ.
ومدينة ريكيافيك عاصمة البلاد فيها الكثير مما يجعلك مشغولة. فهي تضم مجموعة واسعة من معارض الفن والتصوير الفوتوغرافي والمتاحف، والكثير من المحال التجارية المتخصصة والمقاهي والحانات… كلما سنحت لك الفرصة، افعلي كما يفعل الآيسلنديون واغطسي في إحدى البرك العلاجية الطبيعية الساخنة، خصوصًا في يوم بارد.
ولعل البحيرة الزرقاء تدخلك في عوالم تناقض الكيمياء: البرودة والسخونة، الجمال المهيب والشعور بالاسترخاء في آن.
تخيلي أنك تسبحين في مياه حرارتها تصل إلى 37 درجة مئوية، فيما يزنّرك البرد من كل الجهات نهارًا وليلاً، تتحدّينه بكل ثقة. تشتهر البحيرة بالمياه الدافئة الغنية بالمعادن مثل السيليكا والكبريت، وهي بحيرة علاجية للذين يعانون الأمراض الجلدية.
إذًا، ستنعمين بالراحة والاسترخاء، والبرد والدفء في آن. في آيسلندا كل التناقضات الجميلة: شمس في عز الليل، وعتمة في عز النهار، وجبال بركانية تحت طبقة الجليد، ومتنزّهات طبيعية تحضن روائع النبات. وإذا كنت محظوظة فستخوضين مغامرة مشاهدة ظاهرة الأنوار الشمالية المعروفة أيضًا بالأورورا Aurora.
4-النروج
هل تتخيّلين أن النروج في المرتبة الرابعة في قائمة البلدان الأكثر سعادة في العالم لعام 2016؟ نعم، فقد صنف واحدًا من أفضل بلدان العالم لطبيعته الرائعة حيث الأخضر المتدحرج على المنحدرات من أعلى القمم نحو البحيرات.
بالفعل جمال الطبيعة وروائعها على مد النظر، لا شيء يعكّر صفوها ونقاءها، فإن هذا الجمال الطبيعي أقرب إلى الافتراض الذي تصنعه مخيّلة السينما، التأمل فيه يحرق الوقت وساعات السفر الطويلة، كل شيء يجعلك تعشقين الطبيعة، فلا عجب في أن تصادفي أثناء تجوالك بين مناطق النروج صيّادي أسماك السلمون، بعضهم يخيّم لأيام معدودة كي يستمتع بهواية الصيد من النهر أو البحيرات.
يمكنك خوض هذه التجربة النروجية والتخييم في أي مكان ترغبين، إذا كنت من هواة الطبيعة، في حين يجعلك المشي لمسافات طويلة من خلال المضايق الرائعة تختزنين في ذاكرتك صورًا تمنحك الطاقة الإيجابية، في كل مرة شعرت ببعض الضيق.
5-فنلندا
اسمحي لهمومك بالتبخر في جلسة ساونا فنلندية، فهذا البلد سكانه سعداء إلى درجة تشعرين معها بأنهم يعيشون في فردوس أرضي.
فكل تفصيل في هذا البلد الذي زرته قبل سنتين يبعث على السعادة، رغم أنه يغرق في العتمة ستة أشهر، بينما تغمره الشمس في الأشهر الستة الباقية من السنة في أشهر الصيف.
ويكفي أن تعرفي أن شماله يحوي منطقة لابلاند التي تقع ضمن الدائرة القطبية وتحضن أحلام الطفولة حيث قرية سانتا كلوز، ورغم أننا ندرك أنه أسطورة ابتُكرت قبل قرون، فإن مجرد إدراكنا لوجود قرية واقعية يبعث على الفرح مهما كان عمرنا.
أما هلسينكي العاصمة فهي مدينة يحلو التجوال فيها سيرًا على الأقدام أو على الدراجة الهوائية. واستعمال «الواي فاي» في هلسينكي متوافر مجانًا للمقيمين والسياح على حد سواء، ولا يحتاج السائح إلى تسجيل هاتفه أو كلمة سر لفتح «الواي فاي» بل يكفي البحث عن هلسينكي Helsinki City Open WLAN من خلال الشبكة المتوافرة، حتى تبدئي في استخدام «الواي فاي»، وبالتالي تجعلي أصدقاءك مرافقين افتراضيين لرحلتك الفنلندية، وقد يساعدونك في التسوّق، في منطقة الأزياء Design District التي هي مقصد هواة الموضة على اختلاف أنواعها وتقع في قلب العاصمة.
يتفرّع منها 25 شارعًا، وأكثر من 200 متجر من ضمنها متاجر المجوهرات، والمحال التجارية العتيقة، ومحال الأزياء والمتاحف والمعارض الفنية والمطاعم والفنادق وصالات العرض. وبعد التسوّق، لا تتردّدي في الحصول على حمام سونا، الذي يعتبر تقليدًا لا يستغني عنه الفنلنديون، وهو لا يقتصر على الفنادق، وإنما يكاد يكون موجودًا في كل بيت.
6-كندا
كندا ثاني أكبر بلد في العالم من حيث المساحة، وهو يمتد شمالاً إلى الدائرة القطبية الشمالية. هناك الكثير لاكتشافه في هذا البلد الرحب والمتنوع ثقافيًا، والذي اجتمعت تحت فضائه الرحب أحلام الشعوب فتحققت بسخاء، فلا عجب في أن يكون سكانه سعداء.
ولعلّ مقاطعة أونتاريو الأغنى في كندا هي المكان الذي يحلم به كل سائح للانطلاق نحو اكتشاف الوجه الآخر للبلاد. فهذه الولاية القابعة بين كوزموبوليتانية تورونتو وديناميكيتها، والجمال الساكن لبحيرات متنزّه ألغونكين، وهدير مياه شلالات نياغارا تختصر كل السحر الكندي.
واسم أونتاريو جاء من كلمة أميركية- هندية، وتعني النبع، وهو اسم يتطابق مع مقاطعة تنتشر على حدودها الجنوبية البحيرات التي ترتوي من شلالات نياغارا المهيبة.
وفي الشمال الغربي على طول الطريق السريع ترانس- كندا القديم، يمكنك تعلم فن التزحلق على المزلاجات التي تجرّها الكلاب خلال الشتاء.
أما إذا كنت تفضلين المشي على القدمين، فسفوح جبال روكي الكندية في حديقة بانف الوطنية تنتظرك لمغامرة تسلق رائعة أو مجرد المشي، فهنا العديد من المتنزّهات الوطنية في كندا.
7-هولندا
تشير التقارير العالمية الى أن الهولنديين يتمتعون بأعلى معدّلات النشاط البدني في العالم. وتعتبر العاصمة أمستردام واحدة من أكثر المدن الصديقة للدراجات في العالم.
وما عليك سوى استئجار دراجة هوائية ومشاركة سكان المدينة وسيلة النقل الأكثر شعبية في هولندا وممارسة بعض التمارين الرياضية.
الناس في أمستردام يستمتعون بمدينتهم إلى أقصى الحدود، ورغم البرد يركبون الدراجات ويتنقلون عليها غير مكترثين لأحوال الطقس الذي يخترق الأنفاس أحيانًا شتاء… فعلاقتهم بالهواء وأروقته تشبه طواحين الهواء التي تشتهر بها هولندا… فهذه المدينة التي تخترقها قناة مائية علّقت فوقها الجسور لتحتفل بالحياة أينما جلت.
هنا على الجسر تقف مجموعة عازفين يتناوبون على إبهار المارة بموسيقاهم، هذا يبدع في العزف على الساكسوفون فيما ينشط زميله بأنامله على الأكورديون بثقة. أما الأسواق فتزدحم بالمتسوقين، وما عليك سوى ركن دراجتك وخوض مغامرة التسوّق بأسلوب الهولنديين، وتصيبك عدوى السعادة المنتشرة في العاصمة الهولندية.
8-نيوزيلندا
ليس أجمل من أن تعبري القارات جوًا لتستلقي على شاطئ يغمره دفء الشمس، وتسبحي مع الدلافين، وتُبحري بالقرب من البطريق وتراقبي الحيتان وهي تخترق مياهًا فيروزية، وتتسلّقي قممًا جليدية وبركانية منبثقة وسط المحيط الهادئ، تتلألأ وسطها بحيرات كريستالية، وتغتسلي بمياه حارّة في ينابيع تفجّرت من أحشاء الأرض البركانية، وتعيشي مغامرات استكشافية في غابات تحضن أشجاراً نادرة… كل هذا كفيل بأن يجعل نيوزيلندا أحد البلدان الأكثر سعادة في العالم.
هناك العديد من المعالم السياحية الجميلة التي تدخل السعادة إلى نفوس السكان المحليين. فهذا الفردوس الطبيعي، مستويات التلوث فيه منخفضة جدًا، وهو من أكثر الجزر تنوعاً بيولوجياً في العالم. يفخر النيوزيلنديون بالبيئة المحلية النقية.
لا تفوّتي فرصة زيارة البركان، مواقع الماوري القديمة، والحفر في تونغاريرو والحدائق الوطنية Whanaguni، والأماكن التي صورت فيها مشاهد «لورد أوف ذا رينغز».
9-أوستراليا
أوستراليا هي سادس أكبر بلدان العالم من حيث المساحة. لماذا هذا البلد شعبه سعيد؟ إذا بحثنا في الأسباب نجدها كثيرة، لكن أهمها أن مستويات التلوث فيه منخفضة جدًا، فيما التزام المجتمع المدني وطيد.
والتي لم تزر أوستراليا فاتها الكثير من الأجواء المرحة، التي تطغى على مدنها وشواطئها. فسيدني مدينة تضج بالحركة ومفعمة بالحيوية، أينما جلت فيها تجدين الوجوه البشوشة.
ودارلينغ هاربور من الأماكن التي يقصدها الناس، لذا فهو مزدحم حتى ساعات متأخرة من الليل، تنتشر المطاعم على طوله وينتظر الروّاد أدوارهم، أما المدرّجات المحاذية للبحر فيفضّل بعض الناس الجلوس عليها وتأمل دار الأوبرا الشهيرة عالميًا، وفي بعض المساحات الفارغة يفترش فنانون هواة، الأرض ليقدّموا عروضهم إما الموسيقية أو البهلوانية، كل بحسب هوايته.
وعلى عكس كل المدن، ناطحات سيدني فيها حميمية غريبة تحضن كل شيء كأنها مجموعة مردة عصرية تصر على احتضان كل ما يخصّ المدينة، فالأبنية التاريخية ذات النمط الفيكتوري تنتشر ببهاء، وليس من تحدٍ بينهما بل مصالحة وانسجام.
كل هذا يجعل من سيدني مدينة تشغل الحواس الخمس لتدخلها في تفاصيل الزمن وتبقى متنبهة إلى أن هناك في الشطر الآخر من الكرة الأرضية بلداً عرف أسرار السعادة فبثّها في مدنه التي لا يذوي شبابها مهما تقادم الزمن.
10-السويد
منذ إصدار لائحة البلدان الأكثر سعادة في العالم عام 2012 من جانب منظمة الأمم المتحدة، والسويد تحتل الصدارة من بين دول الشمال الأوروبي الأكثر سعادة في العالم.
لتختبري ما الذي يجعل هذا البلد من بين البلدان الأكثر سعادة في العالم، عليك فقط زيارة أحد المقاهي في أي مدينة تزورينها. ففي استوكهولم العاصمة تصادفك المقاهي، أينما جلت، إذ إن السويد هي أكثر دول أوروبا استيرادًا للبن.
واستراحة فنجان القهوة تقليد رسمي يعرف بـ«فيكا» وترجمتها «وقت الراحة»، فلا عجب في أن تجدي المقاهي خلال النهار تضج بالرواد ومعظمهم من الموظّفين.
وعندما تغيب الشمس تلتحف المدينة بستارة مسائية ساحرة مزركشة بالأنوار التي تبدأ بالتراقص كأنها تتحدّى ظلمة الليل. فتنشغل المسارح بزوّارها وتفوح من المطاعم روائح الطعام اللذيذة وتصدر من الملاهي الليلية الموسيقى التي يحصل بين أنواعها تنافس، فتبدو الموسيقى الكلاسيكية كأنها تغازل موسيقى التكنو.
كل شيء في استوكهولم ينطق جمالاً ينداح كحركة المياه التي تطفو عليها، والرحلة الجوية إليها قد تستغرق ساعات طويلة، لكنها مدينة تستحق زيارتها والتعرف إلى الوجه الآخر لمدن أوروبية تفاجئنا بأسرارها التي لا تنتهي، فكيف إذا كانت عاصمة لبلد سعيد!