رب ضارة نافعة”.. بتلك العبارة يمكن اختصار هذه الدراسة المفاجئة التي قام بها بعض الاختصاصيين حول “بكتيريا” السالمونيللا الشهيرة.
فقد أعلن خبراء طبيون أن البكتيريا التي تسبب التسمم الغذائي يمكن أن تستخدم لقتل السرطان. ووفقا لما نشرته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، فقد تم تطوير نموذج معدل وراثيا من السالمونيلا التي تستطيع مهاجمة الخلايا السرطانية دون أن تمس الخلايا السليمة.
وتعد السالمونيلا أحد الأسباب الرئيسية للتسمم الغذائي حول العالم، إلا أن أحدث مثال على التطورات في مجال جديد لعلاج السرطان يسمى “العلاج بالبكتيريا” نجح في توظيفها بشكل إيجابي. وقد أثبتت التجارب على الفئران، التي تستخدم لها نسخة معدلة من السالمونيلا، أنها قللت من حجم الخلايا السرطانية، وفقا لما تم إعلانه خلال الاجتماع السنوي للرابطة الأميركية للنهوض بالعلم الذي عقد مؤخرا في بوسطن.
الخلايا السرطانية فقط
وأسفرت التعديلات التي أدخلت على حشرة السالمونيلا أنها أوقفت هجومها وتخللها للخلايا السليمة، وبدلا من ذلك فإنها تستهدف الخلايا السرطانية.
وقد تمت هندستها أيضا لإنشاء “الأعلام” التي يتم التعرف عليها من قبل النظام المناعي، بحيث يقود النظام المناعي للجسم لاستهداف الأورام السرطانية.
وعندما حقنت السالمونيلا المعدلة في مجرى دم الفئران المصابة بسرطان القولون، تقلصت الأورام التي تعرضت للبكتيريا.
هندسة وراثية
ونشرت عملية التطوير التي يقودها جين هاي زنغ وزملاؤه، من جامعة تشونام في كوريا الجنوبية، في مجلة الرابطة الأميركية للعلوم. وقال دكتور زنغ “إن البكتيريا التي تمت هندستها قد أحدثت استجابة مناعية فعالة مضادة للأورام، وأسفرت عن علاج الأورام بنجاح في مختلف النماذج من الفئران، دون أن يكون هناك أي دليل على السمية”.
سبق علمي
وأشاد باحثون بريطانيون بهذا السبق العلمي، حيث قال كيفن هارينغتون، أستاذ علاجات السرطان البيولوجية في معهد أبحاث السرطان في لندن: “لقد كان من المعروف منذ بعض الوقت أن بعض أنواع البكتيريا، بما في ذلك سلالات السالمونيلا، قادرة على النمو في الأورام ولكن ليس في الأنسجة الطبيعية.
وتابع: “مع ذلك، وحتى الآن، فإن محاولات استخدام البكتيريا كعلاجات مضادة للسرطان لم تحقق إلا نجاحا محدودا، سواء في المختبر أو في العيادة. ولكن العمل الحالي للدكتور زنغ وزملاؤه يمثل نهجا جديدا رائعا لاستخدام البكتيريا.
وأوضح قائلاً “بدلا من مطالبة البكتيريا لقتل الخلايا السرطانية مباشرة، فإن الباحثين استخدموا الهندسة الوراثية للسالمونيلا بحيث تعبر عن جين من وحدة بكتيريا مختلفة، وهذا ما يدفع نظام المناعة إلى شن هجوم على الورم.
وقال: “تظهر النتائج أن هذا النهج فعال ضد مجموعة واسعة من أنواع الأورام مع أقل القليل، أو انعدام وجود أية سمية في الفئران”.
رد فعل مناعي
وأضافـت مسؤولة المعلومات العلمية لأبحاث السرطان في المملكة المتحدة، دكتور كاثرين بيكويررث: “في هذه الدراسة قام الباحثون بحقن البكتيريا في الفئران بحيث تم توصيلها إلى الورم عن طريق الدم، محدثة رد فعل مناعي.
وقالت: “إن البكتيريا تتواءم مثل قطع ألعاب التركيب الــ(ليغو) على سطح الخلايا المناعية. ويبدأ هذا سلسلة من ردود الفعل داخل الخلايا المناعية، ما يسبب لها إفراز الجزيئات التي يمكن أن تقتل السرطان.
واستطردت دكتور بيكويررث قائلة: “هذه الدراسة، التي أجريت على الفئران، تبين أن البكتيريا يمكن أن تستخدم لتحريك الجهاز المناعي لمهاجمة الخلايا السرطانية. والخطوات التالية هي معرفة ما إذا كان هذا الأسلوب آمنا، وإذا ما كان يمكن أن يستخدم لمساعدة المرضى.
وأضافت بيكويررث: “نحن نقوم بتمويل بحوث مشابهة باستخدام الفيروسات لمساعدة النظام المناعي على التعرف على الخلايا السرطانية باعتبارها تهديدا، لذلك يمكن تدميرها، وتمهيد الطريق لأساليب جديدة لعلاج هذا المرض”.
مصانع علاجية
أما بروفيسور بول دايسون، من جامعة سوانسي، الذي يدرس أيضاً استخدام السالمونيلا في مكافحة السرطان، فقال إن إحدى المزايا هي أن “السالمونيلا عبارة عن مصانع لإنتاج الجزيئات العلاجية. وأضاف دايسون: “طالما استمر الورم، فإن من المحتمل أن تستمر البكتيريا في إنتاج العوامل العلاجية”.
وأضاف “لذا فإننا نعتقد أن هناك شوطا كبيرا ينبغي أن نقطعه في متابعة البحث في هذا النوع من العلاج. وتشير الأدلة إلى أنه لا يوجد إلا عدد قليل من الآثار الجانبية، إن لم تكن منعدمة”.