وكالات – بزنس كلاس:
قالت ليزيكو الفرنسية أن قضية خاشقجي تسببت في موجة صادمة مازال لها تداعيات طويلة الأمد، فإذا كان الحلفاء التقليديون للسعودية يحافظون في الوقت الحالي على الدعم الظاهري للرياض ، فإن مستقبل ولي العهد محمد بن سلمان ، الذي يشتبه في تورطه في عملية الاغتيال ، هو منطلق اندلاع أزمة جديدة في الشرق الأوسط.
وأضاف تقرير الصحيفة في عددها أمس ، إن قضية خاشقجي زلزال يهدد بالفعل المشروع السياسي الطموح لولي العهد السعودي محمد بن سلمان ويضرب سلطته بشكل غير مباشر . كما يؤثر على علاقات السعودية مع حلفائها وخصومها سيما وأن المملكة لها وزن جغرافي استراتيجي كبير بوصفها إحدى عمالقة النفط و مستضيفة للأماكن المقدسة .
الصدمة الدبلوماسية
بين التقرير الذي أعده الصحفي يافس بورديون أن قضية خاشقجي تدخلت فيها عدة أطراف دولية ، حيث مارس الكونجرس الأمريكي ضغطا على الإدارة الأمريكية لكشف الحقيقة سيما بعد تسريب أدلة في الصحافة التركية حول مقتل الصحفي السعودي يوم 2 أكتوبر في قنصلية بلاده في اسطنبول ، هذه التهمة الصارخة جعلت إدارة ترامب تدعو إلى إيقاف الغارات السعودية في اليمن. ودفعت القضية إسرائيل متحالفة مع الرياض ضد طهران إلى البحث عن بدائل أخرى في المنطقة. كما تبرز تركيا كطرف رابح من قضية خاشقجي على مستويات عديدة.
فيما يبدو أن الوضع معقد من ناحية أخرى بالنسبة للولايات المتحدة، حيث اعتبر ترامب أن محمد بن سلمان طرف أساسي في الحرب على إيران ، وبعد قضية خاشقجي لم تستطع إدارة ترامب ممارسة الكثير من الضغوط على الرياض لأنها تحتاج إلى تجنب ارتفاع سعر برميل النفط ، حيث تعهدت السعودية بتوفير من 1 إلى 1.5 مليون برميل في اليوم من النفط لتعويض ما لم تتمكن طهران من تصديره بسبب العقوبات الأمريكية التي دخلت حيز التنفيذ منذ يوم 4 نوفمبر. و في كل الحالات لا تريد واشنطن إضعاف التحالف الاستراتيجي الذي يعود إلى اتفاقية كوينسي في عام 1945 ، حيث تقوم الرياض بتأمين سوق النفط العالمية مقابل الحماية العسكرية للمملكة .
السمعة أهم من المصالح
وواصل التقرير : ولكن في هذه الفترة أصبحت السمعة مهمة جدا و أي تشويه يلحق بها يمثل خطرا على الدولة و حكامها ، كما يتضح ذلك من خلال سلسلة مقاطعات المديرين التنفيذيين لأكبر المؤسسات العالمية للمنتدى الاقتصادي الذي نظمه محمد بن سلمان في منتصف أكتوبر الماضي في الرياض ، حيث يبدو أنه من غير المعقول العودة بسرعة إلى “العمل كالمعتاد”. و في هذا الصدد قالت لينا الخطيب من مركز تشاتام هاوس للدراسات “الولاء الظاهر للسعودية يخفي بين حلفائه قلقا حقيقيا بشأن استدامة النظام وكيف سيؤثر سلوكه على المنطقة.”
ولي العهد المنبوذ
أكد التقرير أن ولي العهد السعودي أصبح في الواقع منبوذا بين أولئك الذين كانوا يقاتلون من أجل أن يأخذوا معه صورة شخصية ، وأصبح هناك إعادة نظر في رؤيته وإصلاحاته. ويعتقد السيناتور ليندسي غراهام، المقرب من الرئيس ترامب أن ” محمد بن سلمان هو محرك للدمار”، وأضاف أنه حان الوقت لـ”التمييز بين السعودية وولي العهد محمد بن سلمان “. حيث بدأت التساؤلات حول مصير المملكة إذ ما اعتلى محمد بن سلمان العرش لمدة خمسين سنة و هو الشخصية الدموية و انفعالية ردود فعلها غير متوقعة ، و يتم إرسال رسائل سرية إلى الملك سلمان مفادها : ” تخلص من ابنك ” يقول نبيل ملين الباحث في العلوم السياسة في المركز الوطني للبحوث العلمية والتقنية: “يبذل الغربيون قصارى جهدهم للحفاظ على الوضع الراهن ، لكنهم بدئوا يدركون أن نظام محمد بن سلمان هو في الواقع عبء”.
السعودية رأسا على عقب
اعتبر التقرير أنه إذ نظرنا إلى موقف النظام السعودي يتعين على المرء أن يكون ساخراً بشكل خاص لإيجاد مثل هذه الموجات الصادمة حول مقتل صحفي في منطقة لا يعتبر فيها إعدام المعارضين أمراً استثنائياً. خاصة بالنسبة لنظام محمد بن سلمان الذي لم يكن قلقا حول الجرائم الذي أحدثها نظامه في اليمن، وهو الصراع الذي أنتج أكثر من 55ألف ضحية منذ عام 2015. يمكن القول إن اغتيال خاشقجي “انها أسوأ من الجريمة، أنها خطيئة ، كما قال المؤرخون بعد أن اغتال النظام الثوري في فرنسا عام 1804 دوق إنجين، انها خطيئة ارتكبها محمد بن سلمان الذي اعتقد أنه محمي من ترامب الأمر الذي جعله يقدم على اغتيال صحفي يكتب في إحدى الصحف الأمريكية المرموقة، “واشنطن بوست” في قنصلية بلاده في الخارج .
تركيز القوى
أشار التقرير إلى أن قضية خاشقجي تكشف أيضًا تركيز السلطة الخطير في يد الأمير بعد عملية صعوده السريع و سيطرته على عدد من المناصب المهمة على غرار وزير الدفاع ، نائب رئيس الوزراء ، رئيس مجلس إدارة أرامكو ، شركة النفط الوطنية العملاقة ، حيث كان تجميع السلطة في يد محمد بن سلمان خطوة جديدة تحل محل التوزيع الأفقي المعمول به في نظام حكم عمل منذ عقود على الإجماع والتوازن بين العشائر الملكية. مما جعل محمد بن سلمان يصنع لنفسه العديد من الأعداء داخل الجيش ، المؤسسة الدينية و البيروقراطيين و رجال الأعمال الذين ألقى القبض على 300 منهم قبل عام بسبب حملة الفساد المزعوم .
و ذهب التقرير إلى أن الاستبداد هو طريقة للسيطرة على المنصب ، حيث إن خطة محمد بن سلمان للتحول في البلد ، علاوة على أنها تقوم على تنويع الاقتصاد و تقليص اعتماده على النفط ، تم إفراغها من معناها بظهور الوجه الاستبدادي لمحمد بن سلمان الذي سجل نقاط واضحة في عالم الإرهاب بعد الكشف عن امتلاكه (“فرقة النمر”) التي تضم 50 رجلاً مهمتهم إسكات المعارضين للنظام في كل أنحاء العالم…
واختتم التقرير بتساؤلات مهمة ومصيرية تطرحها جل التقارير الصحفية :
هل يمكن للملك أن يغير ولي العهد لإعادة توازن سلطته؟ من غير المرجح أن يقوم بذلك بالراحة الكافية ، خاصة وأن محمد بن سلمان احكم قبضته على المناصب الرئيسية في أجهزة الأمن واخترق قيادات الحرس الوطني. كما أشار الملك إلى دعمه لابنه من خلال تكليفه بمهمة إصلاح هيئة الاستخبارات بعد قضية خاشقجي. ولا تزال هناك فرضية حدوث انقلاب ، مثل الذي عرفته السعودية عام 1964 ، أو حادثًا مثل إطلاق النار الغريب الذي وقع بالقرب من قصر محمد بن سلمان في أبريل الماضي .