رحلة إلى كوبنهاغن.. حيث للفرح مذاق آخر

 

عندما نقول أوروبا، غالبا ما تخطف كل من باريس ولندن وبرلين الأنظار نحوها، لكن ما يجهله كثيرون أن الدول الاسكندينافية لا تقلّ بهاءً ورونقاً. كوبنهاغن، على سبيل المثال، تشكل نموذجاً لأبهى المدن التي تستحق الاكتشاف والتعرف إليها عن كثب، وذلك لأسباب سيكون من الصعب ذكرها كلّها في هذا التقرير.
تعتبر العاصمة الدانماركية، واحدة من أكثر المدن الكوسموبوليتية في الشمال الأوروبي. مدينة، تتدفق الحياة من كل عروقها وشوارعها، رغم موقعها الجغرافي النائي نسبياً. لعلّ هذا الموقع نفسه، الذي لفّها بمستويات مرتفعة من البرد والصقيع، أغدق عليها في الوقت نفسه الكثير من المزايا التي يصعب ايجادها كلّها في بقعة واحدة. فهذا البرد نفسه، كان سببا لنمط الحياة الدانماركي الحميمي الذي يعرف بـ”هوغاه” أي “Hygge”. والبرد نفسه، يبدو كأنه يشدّ وجه المدينة، فيُبقيها شابة تنبض بالحياة رغم كل ذاك الإرث العريق والتاريخ الملكي المتراكم.
باختصار، تعتبر كوبنهاغن من الوجهات الأصيلة التي لا تتكرر بسهولة، لأنها مدينة لا تشبه إلا ذاتها! كأنها بوتقة تنصهر فيها المتاحف والقصور والتصاميم المميزة وآخر صيحات الموضة والكثير من المطاعم الحائزة نجمات ميشلان، في موازاة رزنامة طويلة للأحداث والمهرجانات الثقافية والحفلات الموسيقية.
على أي حال، نستهل رحلتنا صوب الشمال، بالتوقف عند ذاك المزاج المميّز. فهل تعلمون أن كوبنهاغن اختيرت مرات عدة المدينة الأكثر فرحاً؟ تصنيف غريب، فنحن هنا لا نتحدث عن العمران أو التنظيم المدني أو الاحداث الثقافية أو سواها من المعايير التي يمكن أن تتصف بشيء من الموضوعية، ما إن يحين وقت الاختيار. ذاك التصنيف، مليء بالذاتية إذ انه يطاول هذا المزاج المفعم بالايجابية الذي أجمع كثيرون، سكاناً وسياحاً، عليه. فالحياة هنا أشبه بمهرجان يجيد الناس الاستمتاع بكل تفاصيله ولحظاته، سواء عند ركوب دراجة هوائية او ارتشاف كوب من القهوة مع صديق أو قريب أو حتى عند المشي أو المطالعة او اي تفصيل يومي آخر.
فهل ما زال التردّد يساوركم قبل حجز التذاكر؟ الواقع أن في جعبتنا الكثير من المحطات لنعرضها عن هذه العاصمة المبهرة، لكننا سنحاول إيجازها على نحو يكفل زيارة شاملة وممتعة.

حدائق تيفولي:واحدة من أجمل الحدائق على الاطلاق. زارها كثيرون منهم، هانس كريستيان أندرسن الذي اشتهر برواياته المذهلة في مخاطبتها مخيلات الأطفال، ووالت ديزني الذي وقع في غرامها ومن المرجح أنها كانت سببا لتوسيع مخيلته الخصبة. كما أن كثيرين يقولون إن ديزني نفسه افتتح عالم والت ديزني في كاليفورنيا في العام 1955 وذلك بعد زيارته هذه الحدائق في العام 1951. تتوسط هذه الواحة، العاصمة، علما بأنها تشكل وجهة مثالية للراشدين والاطفال. تأسست في العام 1843، بأمر من الملك كريستيان الثامن الذي أوعز الى المهندس جورج كارستنسين مهمة انشاء متنزّه لأهالي المدينة، ينسيهم صعاب الحياة اليومية ويبعدهم عن هموم السياسة.
أما النتيجة، فكانت عالمًا مبهراً يمتد على مساحة 82,717 مترًا مربعًا، كل ركن فيه يصطحب الزائر الى زاوية كأنها منسوجة من مخيلات الطفال الجميلة.
اللافت أن المتنزه يحاكي بتصاميمه وألوانه وزخرفاته الشرق الاقصى، لذلك فإنه يضم حديقة يابانية الطراز تتكئ على بحيرة صناعية، وفي جوارها برج لهيكل صيني. هنا بإمكان الزائر اختبار العديد  من الالعاب إضافة إلى حضور مسرح ايمائي. أما مساءً فتتلألأ الحديقة بالانوار، لتنقل الزائر إلى اجواء القصص والاساطير!
قصر كريستيانبورغ والآثار تحته: شيّد في وسط المدينة، وهو المبنى الاعلى في العاصمة، إذ يصل ارتفاعه الى 106 أمتار. تحوّل مقراً للسلطات الثلاث في البلاد، التشريعية والتنفيذية والقضائية. شيّد على مراحل ثلاث، مكان قلعة الأسقف أبسالون التي تعود الى العام 1167. حاليا، تجتذب الآثار المتبقية من القلعة، أسفل القصر، الكثير من السياح المهتمين بالنواحي التاريخية. في هذا المكان المظلم، يمكن المرء ان ينتقل الى اجواء الماضي الغامض. أما اذا كنتم تتساءلون عن سر هذه القلعة اسفل القصر، فالجواب يكمن في ذاك الصراع الذي نشب بين الملوك والاساقفة، الذين سيطروا على القلعة ومدينة كوبنهاغن الى حين انتصار الملوك بعد نحو قرنين من النزاعات والحروب.
كريستيانيا:”البلدة الحرة” كما كانت تُعرف. أنشئت في العام 1971 حين قرّرت جماعة من الـ”هيبيز” السيطرة على ثكنة عسكرية مهجورة. في البداية، وصفوا بأنهم طفيليون يحملون أفكارا وقيما “غريبة” لكن أفكارهم نفسها صارت اليوم مفاهيم عالمية تنادي بها المجتمعات المتطورة، منها ضرورة الحفاظ على البيئة وإعادة التدوير، والعودة الى استهلاك الأغذية العضوية. على اي حال، كريستيانيا التي بقيت نحو 37 عاماً مستقلة وعصيّة على السلطات الدنماركية، عادت الى “حضن” الدولة الشرعية والاتحاد الاوروبي قبل اعوام حين وقع سكانها ما يشبه مذكرة التفاهم. أما لماذا ندرج هذه البلدة ضمن المحطات السياحية؟ فالجواب بسيط. تفوح في كل ارجاء هذه البقعة رائحة الفن، تعج بيوتها بالألوان وتزدان بالتفاصيل ورسوم الـ”غرافيتي” المبهجة. وكأن هذه المباني، قد دخلت في سباق معماري، فني، مرتجل. كذلك، انها تحتضن العديد من ورش الحرفيين والمتاجر الصغيرة والمقاهي المميزة، مما يجعل من الزيارة تجربة استثنائية تستحق التوقف عندها، خصوصا انها تقع على ضفة القناة، مما يزيدها جمالاً.

أقنية كوبنهاغن:واحدة من اجمل التجارب السياحية، هي جولة في القارب. قد يعتقد البعض انها تشبه جولات القوارب في امستردام. الفرق واضحن فهنا المياه نظيفة الى درجة يمكن معها رؤية قعر القناة. ينصح بشراء تذاكر مدة ساعة لا اقلّ، وذلك للتمكن من التعرف عن كثب الى ارجاء العاصمة.
متحف هانس كريستيان اندرسن:صحيح انه مخصص للاطفال، فهو يتضمن تجهيزات تشبه تلك المتوافرة في عالم ديزني. إنما من المفيد والجميل التعرف الى اعمال هذا الكاتب الذي ترك ارثاً ادبيا لا يقدر بثمن. ففي النهاية، من الجميل العودة الى عالم الاطفال والتعرف الى كل تلك القصص الجميلة التي يمكن ان يستلهم منها المرء آلاف العبر.
شارع “نوربرو” أي “الجسر الشمالي”: إذا اردتم التعرف عن كثب الى وجه المدينة ونمط حياة السكان فيها، لا بد من التوجه الى الجزء الشمالي منها وتحديدا الى هذا الشارع الذي يعتبر من الاشهر في العاصمة. حي سكني، يعج بالمقاهي والمتاجر والطلاب. يعود تاريخ بنائه الى القرن الثامن عشر. حينذاك كان الهدف منه ان يشكل سدا منيعا في وجه الحرائق. مع الوقت تحوّل واحدا من أهم الشوارع النابضة بالحياة اذ يشكل ملتقى للجميع.
متحف ديفيد زاملينغ:أحد اكبر المتاحف المتخصصة بالفن الاسلامي والشرق اوسطي في شمال اوروبا. متحف للفنون الجميلة والتطبيقية، بني انطلاقا من مجموعة خاصة تعود الى المحامي، رجل الاعمال سي. أل. ديفيد.  يشتمل على مجموعة واسعة من المخطوطات والرسوم التشكيلية واواني السيراميك والمجوهرات والاسلحة التي تعود الى الفترة الممتدة من القرن الثامن الى القرن التاسع عشر ومن بينها، خنجر مرصع بالياقوت وأبخرة مصرية قديمة من الكريستال الصخري. يحتوي المتحف أيضا على أعمال فنية تنتمي الى العصر الذهبي الدنماركي، الى جانب مجموعة صغيرة من الفن الدانماركي الحديث.
قصر روزنبرغ:لا يشذّ عن القاعدة، لذلك فهو بدوره يبدو بهندسته العمارية الرائعة خارجا من الاساطير. شُيّد في القرن التاسع عشر ليكون المقر الصيفي لـ”ملك الشمس” كريستيان الرابع. أما اليوم فهو يضم مجموعة واسعة من القطع الفنية والأثاث الملكي وجواهر التاج الملكي. الجولة في أرجائه تنقل الزائر الى ذاك العالم المخملي للملوك المتعاقبين. فالأجنحة الأربعة والعشرون لا تزال تحتفظ بالأثاث ولوحات البورتريه التي تصوّر ثلاثة قرون من تاريخ الدنمارك الملكي حتى القرن التاسع عشر.أما الطبقة السفلية فتجذب الزوار على نحو لافت، اذ تُعرض فيها جواهر التاج الملكي، تاج كريستيان الرابع، وسيف كريستيان الثالث المرصّع بالأحجار الكريمة، وعددًا من الماسات وأحجار الزمرد التي تعود إلى الملكة الحالية مارغريت الثانية.

السابق
أفضل 10 ناطحات سحاب في العالم
التالي
وجبة ساحرة لا تُنسى.. أفضل مدن الطعام في العالم