وكالات – بزنس كلاس:
طلبت الدكتورة كاثرين ماكيرنان، في معهد أونتاريو للدراسات في مجال التعليم، من طلابها السعوديين آخر وأصعب واجب دراسي، سألتهم عن تجربتهم في كندا وعما سيفتقدونه عندما يعودون.
كتب أحد طلابها: «لا أحد يهتم بملابسك أو مظهرك، ولا علاقاتك أو دينك “بينما كتب طالب آخر: «تعلمت هنا قبول الآخرين دون الحكم عليهم استناداً إلى مظهرهم أو خلفياتهم أو هويتهم أو دينهم، ولكن استناداً إلى كيفية معاملتنا واحترامنا لبعضنا البعض».ماكيرنان جمعت طلابها الـ 24 مع 100 طالب سعودي آخر في حفل لتوديعهم قبل أيام من مغادرتهم تورنتو.
كان الطلاب مسجلين في دورة تسمى “بناء القيادة من أجل التغيير”، التي تصفها ماكيرنان بأنها مستوحاة من زعيم حقوق الإنسان والسياسي في جنوب إفريقيا نيلسون مانديلا، الذي اشتهر بشعاره أن التعليم أقوى سلاح يمكن لشخص ما استخدامه لتغيير العالم. وعن المنهاج تقول: إن «نظام التعليم في كندا واحد من أكثر النظم احتراماً في العالم، فهو مثال على نهج تعاوني وكلي أكثر مقارنة بالنهج السعودي»، الذي تصفه بأنه يستند إلى الكتب المدرسية مرفقا بحفظ المعلومات عن ظهر قلب.
في مدخل بناية بمدينة لندن في مقاطعة أونتاريو، وبعيداً عن مقاعد دراسة المعهد، تتكدس كنبات ومراتب أسرّة والمصعد مشغول دائماً، كان هناك تجمع بسيط لبعض المهتمين بالأثاث الذي سيبقى في كندا بينما يعود أصحابه من حيث أتوا، إلى السعودية. يقول عمر لـ «عربي بوست» — تم استبدال اسمه الحقيقي بناءً على طلبه —: «الكل حزين، عيونهم تقول كل الكلام، لكننا لا نستطيع أن نتحدث كي لا يشمت الشامتون».
يعرض عمر كل ممتلكات شقته الصغيرة للبيع، حتى الشيشة والمعسّل الذي اشتراه بقيمة 25 دولاراً لربع الكيلو الواحد. يقول: “كلفتني هذه الشيشة مبالغ طائلة أثناء إقامتي في كندا، لكنها أقل الخسائر مقارنة بسنوات تعليمي التي تقف الآن على المحك”. عمر تلقى خبر وجوب مغادرته كندا خلال أسابيع بصدمة بالغة. وصل إلى كندا منذ 3 سنوات، ويعيش في شقة صغيرة شبابية المعالم بامتياز، حتى معاطف الشتاء الثقيلة عرضها للبيع والأحذية الشتوية والقفازات وأكواب النسكافيه ومصباح المكتب، حيث كان يدرس ويبحث ويكتب. ملاعق الطبخ الخشبية، التي كان يستخدمها لطبخ أرز البرياني، ثمن كل منها 10 دولارات حين اشتراها، يعرضها الآن للبيع مقابل دولار واحد. ويعرض على الراغبين أخذها مجاناً مع شراء مقتنيات أكبر كالطاولة والتلفاز وجهاز بلاي ستيشن 4 المعروض للبيع بـ 200 دولار فقط. عرض مقتنياته على صفحات الجاليات العربية على فيسبوك وإنستغرام، اضطر إلى أن يتخلى عن رقمه الكندي توفيراً للمال، ويطلب الآن من متابعي الصفحات التواصل معه على فيسبوك بأسرع وقت ممكن.. سألته هل هناك سيارات للبيع، فأجاب نعم، هناك الكثير، ووجهني إلى موقع مُخصص للطلاب السعوديين في تورنتو. فالمبتعثون لا يحصلون على قروض سيارات، لذا اشتروا سياراتهم نقداً والآن ينظرون إلى سياراتهم وهي مركونة في المرآب تبحث عن من يشتريها نقداً وبلا ضمانات.. عن أحوال الطلاب قال: الكل مصدوم ومتوتر وقلق من الآتي. بعض أصدقائه سيكملون دراستهم في السعودية، وعن اختصاصه قال: “لست مثلهم، أكيد سأسافر إلى دول أخرى إن شاء الله”.
وأضاف أن الخطوة الأولى التي تلقوها من سفارتهم هي ضرورة العودة إلى بلادهم كي يتم إعادة توزيع بعثاتهم إما لأميركا أو بريطانيا أو أستراليا. ولعل المشكلة الكبرى تقع لدى طلاب الطب البشري والاختصاصات العلمية، حيث يواجه الطلاب الاعتراف بفصولهم والمواد التي استثمروا فيها سنوات عمرهم، وأموال الدولة، ولم تكتمل بعد. صفحات الطلاب على فيسبوك وإنستغرام، والتي كانت يوماً ما وجهة لمساعدة المبتعثين في العثور على كل ما يحتاجونه من مساكن إلى أبسط مستلزمات الحياة أيضاً أصابها التحول المفاجئ، وبعدما كانت مملوءة بالوصفات الخليجية والأطباق السعودية الشهيرة أصبحت منصات للبيع بأبخس الأثمان، دراجات هوائية وألعاب أطفال وماكينات القهوة الأميركية. إعلانات عن سيارات قيمتها عشرات آلاف الدولارات معروضة للبيع الآن بأقل من 5 آلاف دولار، والسبب “دواعي الانتقال”، كما يذكر تحتها جميعاً..
رنا — طلبت أيضاً تغيير اسمها — قالت إنها كانت على وشك الانتهاء من تخصصها باللغات، وقالت لـ«عربي بوست» إنها تحضر نفسها للعودة إلى السعودية، وأنها تشعر بالحزن على مفارقة كندا مع زوجها وأولادها بعدما استقروا هنا لسنوات وانخرط أولادها في مناهج التعليم الكندية التي تختلف كثيراً عن تلك التي في السعودية، يدرك الطلاب السعوديون أن لا خيار أمامهم إلا الانصياع للتعليمات الصادرة من الرياض، والمخرج الوحيد لبقاء من بات صعباً عليه العودة هو التقدم بطلب لجوء؛ وهو قرار سياسي بامتياز ثمنه عدم العودة إلى السعودية، إذا ما اختاروا الحماية من الدولة الكندية وفضلوا الحياة في مدن وشوارع كندا عن تلك المختلفة كلياً في الرياض وجدة وغيرها.
تقول مكيرنان: إن تلاميذها، خاصة النساء، «تحولوا» على مدار العام الذي درّستهم فيه. وفي نهاية حفل الوداع الذي نظمته لطلابها أعربت عن أمنيتها بأن يأخذوا الدروس التي تعلموها في كندا إلى وطنهم عندما يصبحون مُربين ومعلمين. وتقول: “تعرضوا للاضطهاد ثقافياً، والحرية التي اختبروها هنا لا تشبه شيئاً اختبروه سابقاً».
الجدير بالذكر، أن “تنسيقية لمتابعة شؤون الطلبة السعوديين في كندا” طالبت بعدم المس بالطلبة بإبعادهم عن تداعيات الخلاف السياسي وقالت إن القرارات الأخيرة بمقاطعة كندا من شأنها أن تعصف بمستقبل الطلاب والمهنيين السعوديين في كندا. وقالت التنسيقية إنها تشكلت “بهدف حماية حقوقنا ومكتسباتنا التعليمية في ظل تصاعد الخلاف السياسي مع كندا”. وطالبت “بضرورة المراجعة الفورية لقرار حكومتنا الذي سيكون له مضاعفات سلبية كثيرة من شأنها العصف بمستقبلنا العلمي والمهني والأكاديمي”.
وكانت السفارة الكندية في الرياض أعربت عن «قلقها الشديد» حيال موجة جديدة من الاعتقالات طالت ناشطين في مجال حقوق الإنسان في المملكة، وبينهم الناشطة سمر بدوي. وقالت في تغريدة الجمعة الماضية على «تويتر» «نحث السلطات السعودية على الإفراج عنهم وعن جميع ناشطي حقوق الإنسان المسالمين فورا».