ارتفعت وتيرة الفوضى والانفلات الأمني مؤخراً، في المناطق اليمنية المحررة، وتكررت حوادث الاغتيالات، وسط اتهامات للإمارات التي تفرض سيطرتها على تلك المناطق بافتعال ذلك، خدمة لأجنداتها وأهدافها السياسية.
وامتدت ظاهرة الاغتيالات من مدينة عدن إلى شبوة (شرق اليمن)، حيث نجا قائد عسكري كبير من محاولة اغتيال أثناء مروره في نقطة تفتيش لقوات ما تسمى النخبة الشبوانية المدعومة من الإمارات.
وبحسب مصدر محلي، فان قائد محور عتق قائد اللواء 130 مشاة العميد الركن عزيز ناصر العتيقي، تعرض لإطلاق نار ومحاولة اغتيال من قبل قوات النخبة الشبوانية ما أدى إلى إصابة اثنين من مرافقيه. وأوضح المصدر، أن اشتباكات اندلعت عقب ذلك، فيما تشهد مدينة عتق (عاصمة شبوة) توتر كبير بين القوات الموالية للإمارات والشرعية اليمنية، خاصة أن هذه الحادثة هي الثانية من نوعها في ذات النقطة.
وتجددت حوادث الاغتيالات في عدن التي تشهد حالة من الانفلات الأمني المريع، حيث نجا القيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح وعضو المجلس المحلي بمديرية المعلا، عرفات حزام، من محاولة اغتيال عبر تفخيخ سيارته التي انفجرت قبل خروجه بلحظات، كما أفاد بذلك مصدر خاص لـ “الشرق”.
سيناريو الفوضى
وأكدت مصادر وثيقة الاطلاع لـ “الشرق”، أن حالة الفوضى التي تعم مدينة عدن والمناطق المحررة، هي واحدة من أوراق الضغط التي تستخدمها أبوظبي ضد الشرعية اليمنية بعد رفضها إشراك ممثلين عن ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، في المشاورات السياسية المتوقعة الشهر القادم والتي ترعاها الأمم المتحدة.
وأوضحت، أن هناك ضغوطات أخرى تمارسها الإمارات على الشرعية اليمنية من خلال هذه الفوضى المفتعلة عبر أدواتها ومليشياتها المسلحة في المناطق المحررة، بما في ذلك تصدر الاحتجاجات الشعبية الجارية حاليا ضد الحكومة تنديداً بالاوضاع المعيشية المتردية نظراً لتهاوي أسعار صرف العملة المحلية إلى أدنى مستوياتها.
وفي الأثناء، رصدت إحصائية نشرتها مؤسسة يمنية مستقلة وقوع 26 جريمة في عدن خلال شهر يوليو الماضي، تنوعت بين عمليات اغتيال وجرائم قتل واعتداءات على صحفيين ووسائل إعلام، إضافة إلى رصد هجمات مسلحة على تجمعات نازحين وعمليات اختطاف. وكشفت مؤسسة خليج عدن للإعلام، أن عمليات الاغتيال تصدرت قائمة الجرائم ب 16 عملية، وبنسبة 62% من العدد الإجمالي، وطالت ضباطاً وجنوداً في المؤسستين الأمنية والعسكرية إضافة إلى إمام مسجد و2 عقال حارات، كما تضمنت الإحصائية محاولة اغتيال فاشلة استهدفت صحفي. وهذا هو أعلى رقم شهري في عمليات الاغتيال التي شهدتها عدن منذ تحريرها من سيطرة الحوثيين قبل ثلاثة أعوام.
كما تضمنت الإحصائية رصد 3 جرائم قتل خلال يوليو الماضي، و3 حالات استهداف صحفيين ووسائل إعلام، وحالتين لهجمات مسلحة استهدفت تجمعات نازحين وعملية واحدة لكل من عمليات الاختطاف والاشتباكات المسلحة.
أبوظبي المتهم الأول
ويرى الناشط الحقوقي سيف أحمد، إن ما تشهده عدن من فوضى منظمة يجري برضا تام من الإمارات ومنظومة التحالف على وجه العموم، الهدف منها على ما يبدو التضييق على الحكومة، وإظهارها بمظهر العاجز فضلاً عن استغلال هذا الوضع لتصفية الخصوم. وحول الأطراف المستفيدة من مسلسل الاغتيالات والانفلات الأمني، يقول سيف إنه “في المقام الأول تأتي دولة الإمارات التي تسعى إلى عرقلة جهود الحكومة، ومحاولة خلق كيان مواز بديلاً عنها”.
واستبعد قدرة الحكومة الشرعية على وقف مسلسل الاغتيالات والانفلات الأمني، وهو ما يؤكده صحفيون وناشطون وحقوقيون يمنيون نظراً إلى حالة الاستلاب التي تعيشها الحكومة والارتهان لأجندات التحالف التي تسعى من وراء ذلك إلى السيطرة على ثروات البلد وموانئه وحقوله النفطية الغنية، بحسب تقديرهم.
إنهاء الوجود الإماراتي
وفي حديث لـ”الخليج أونلاين”، يقول الكاتب الصحفي وديع عطا: “لا تفسير لذلك إلا أنها مؤامرة تستهدف عدن المدنية والتعايش، وتحويلها لقرية فاقدة للأمن ولكل أسباب المدنية”. ويوضح عطا في حديثه أن طرفاً يريد إفراغ عدن من عناصر “الإصلاح”، باستهداف رموزها الدينية والدعوية المعروفين بوسطيَّتهم واعتدالهم.
ويضيف: “نعوّل على أبناء عدن أن يستيقظوا وينتبهوا، لوضع حدٍّ لهذا السيناريو الخبيث الذي يستهدف السِّلم الاجتماعي في عدن المدنية والتعايش فيها”.
المحلل السياسي عامر الدميني اعتبر عمليات الاستهداف ونوعية المستهدَفِين “عملية ممنهجة ومقصودة؛ لتمرير مشاريع معيَّنة من الجهة المستفيدة، وتهدف بذلك إلى سحق كل الأصوات التي ترى أنها تشكل حاجز صدٍّ أمام مخططاتها وأجندتها”.
وأكد الدميني في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن الأجهزة الأمنية في عدن لا تستطيع تقديم الحماية للمستهدَفِين، فهي -كما يرى- متواطئة مع القتلة والجناة، ولم تستطع تقديم متورِّط واحد في كل عمليات الاغتيال. الدميني أشار إلى أن موجة التصريحات وعودة ظاهرة الاغتيالات تستهدفان الرئيس هادي، وتسعيان لإثبات أنه “بلا وزن”، ولا قدرة له على تنفيذ توجيهاته أو مشروعه. واعتبر الدميني أن “مسلسل استهداف الخطباء والأئمة لن ينتهي إلا بانتهاء أسبابه، والوجود الإماراتي هو أحد هذه الأسباب، وبقاء التشكيلات الأمنية بمختلف أسمائها، التابعة لأبوظبي وغير الخاضعة لسلطة الحكومة، سبب آخر”. وشدد على أنه “ما دامت هذه المسببات موجودة فستظل ظاهرة الاغتيالات. أما الدور الحكومي، فهو ضعيف، لا يخرج عن التنديد”. وبحسب الدميني، فالإمارات تريد بقاء عدن “منطقة فوضى”؛ ليستمر بقاؤها، في حين تدعم التيار الانفصالي؛ ليتسنى لها إيجاد قوة تمثل مشروعها في السيطرة على عدن باعتبارها منطقة حيوية، وتحويلها إلى “ورقة ابتزاز” للشرعية نفسها، تلوِّح بها من وقت لآخر.