الدوحة – بزنس كلاس:
قدم الحصار الجائر ضد دولة قطر فرصة تاريخية للدوحة من أجل تنهض باقتصادها الوطني وتتحول إلى الإنتاج المحلي لتستغني عن الاستيراد وبالتالي عن تحكم الدول التي تورد لها خصوصاً لجهة الأمن الغذائي وصناعة المواد الغذائية. وحسب الواقع وعدد كبير من الخبراء والمختصين في العالم، فقد قطعت قطر شوطاً طويلاً منذ انطلاق الحصار وحولته إلى جملة من الفرص والإنجازات التي باتت وسام على صدر قطر والقطريين.
وسلط تقرير نشره موقع «جي أف ماج» الاقتصادي العالمي الضوء على «ثورة الاستقلال الاقتصادي»، التي شهدتها قطر، بعد فرض الحصار ومحاولات تركيع الدولة اقتصادياً.. مشيراً إلى أن قطر أصبحت أكثر تنوعاً من حيث مواردها المالية، كما تسير بخطى ثابتة نحو الاكتفاء الذاتي، مما جعلها تتحرر اقتصادياً بعيداً عن قيود دول الخليج الأخرى، التي فرضت عليها الحصار.
وارتفع الإنتاج المحلي في قطر في مختلف القطاعات ولعب القطاع الخاص دوراً كبيراً في تحقيق ذلك؛ حيث إن الملف التشريعي ساهم في تشجيع المستثمرين القطريين والأجانب على ضخ المزيد الاستثمارات للاستفادة من المميزات الكبيرة التي باتت تتمتع بها السوق القطرية.
وكان إيجاد خيارات بديلة لاستيراد المواد الغذائية من دول مثل تركيا وإيران والمغرب مقترناً بخيار تعزيز الإنتاج المحلي، ولتحقيق ذلك، قامت قطر بشراء نحو 14 ألف رأس ماشية من ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية جواً، وتتم حالياً تربيتها في مزرعة «بلدنا» بتكلفة إجمالية بلغت 700 مليون يورو، بهدف إنتاج 400 طن من الحليب يومياً، الأمر الذي جعل قطر تستغني عن حاجتها للسعودية.
وجاء إعلان سعادة وزير الطاقة والصناعة، محمد بن صالح السادة، أن أعداد المصانع الجديدة التي دخلت حيز الإنتاج في البلاد، ارتفعت بنسبة 17 بالمائة منذ الحصار، المفروض في يونيو 2017، متوقعاً أن ترتفع تلك النسبة لتصبح 20% خلال الشهرين المقبلين.
وأرجع السادة هذا الارتفاع إلى تضامن القطاع الخاص مع الدولة، ما أدى لتسارع في عملية افتتاح المصانع وإنشائها وإنتاجها ودخول منتجاتها للأسواق المحلية والخارجية.. مؤكداً أن الحكومة تسعى لتقديم دعم لا محدود للقطاع الخاص، خاصة في القطاع الصناعي.
وعلى صعيد مواد البناء، التي كانت تستوردها قطر من الإمارات، رفضت موانئ الإمارات التعامل مباشرة لتسليم تلك البضائع لقطر، وبدلاً من ذلك أقامت قطر سلاسل توريد بديلة لتحصل على تلك البضائع من خلال موانئ سلطنة عمان التي اتخذت موقفاً محايداً من تلك الأزمة.
وباتت قطر أقل اعتماداً على جيرانها في ما يتعلق بالمواد الغذائية الأساسية مثل القمح؛ حيث بات 80% من وارداتها من الحبوب تمر عبر مضيق هرمز، ويعتمد الأمن الغذائي طويل الأجل في قطر على خطوط الاتصال البحرية بدءاً من مراكز التصدير في روسيا في البحر الأسود، هذا بالإضافة إلى استيراد قطر للحبوب أيضاً من دولتين شريكين لها في التجارة هما: أستراليا والهند.
المحلل الاقتصادي أحمد عقل أكد أن استناد قطر إلى شركاء استراتيجيين، مثل تركيا، وكوريا الجنوبية، وعلاقاتها الاستثمارية المميزة مع دول شمال إفريقيا لعبت دوراً كبيراً في حمايتها من أي آثار سلبية ناتجة عن الحصار، وسهل مهمة الاستمرار في خطة التنوع الاقتصادي دون أي تأثيرات.. مشيراً إلى أن هناك قطاعات شهدت نمواً كبيراً يأتي على رأسها قطاع الصناعات الغذائية، بالإضافة إلى مرونتها الفائقة في التعامل مع إجراءات الحصار لمنع تأثر قطاع الغاز.
وأضاف أن هناك قطاعات واعدة في قطر شهدت نمواً كبيراً خلال الفترة الماضية، وفي مقدمتها الصناعات الغذائية؛ حيث اقتربت قطر من تحقيق الاكتفاء الذاتي في القطاع الغذائي وخاصة الألبان والثروة الحيوانية، ومن ثم ستوجه بوصلتها نحو التصدير والأسواق الخارجية، ويعد ذلك أكبر استفادة من الحصار الجائر الذي دخل عامه الأول.
وتابع: رغم التضييق الذي فرضه الحصار على المنافذ البرية والبحرية والجوية، فإن قطر لم ترضخ وتمكنت من فتح منافذ جديدة مُستغلة إمكاناتها البحرية وموانئها، وفي مقدمتها ميناء حمد، وأيضا إمكاناتها الجوية عبر شركة الخطوط القطرية العملاقة.. لافتاً إلى أن الحكومة اعتمدت على السمعة القطرية الناصعة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي في إبرام شراكات تجارية واسعة وفتح خطوط ملاحية مع كبريات الدول لكسر الحصار وتوسيع أنشطتها.
وعلى صعيد الاتفاقيات التجارية تم توقيع اتفاقات مع سلطنة عمان الشقيقة في مجال النقل الجوي أواخر أبريل الماضي، وسبق الاتفاق على تعزيز التعاون في المجالات الزراعية والحيوانية والسمكية والأمن الغذائي وتطوير الاستثمار المشترك بين البلدين، كما حققت قطر تقارباً أكثر مع كل من تركيا وروسيا، وهناك شراكة تجارية استراتيجية تجارية بين قطر وتركيا، نمت أكثر بعد الحصار، ووقعت إيران وتركيا وقطر اتفاقية في مجال النقل لتعزيز العلاقات الثلاثية في المجال التجاري.
ومثلت مجموعة «ملاحة» القطرية، وشركة إدارة الموانئ رأسي الحربة القطرية لعمل هجوم مضاد على إجراءات الحصار؛ حيث أطلقت كلتاهما العنان للدخول في شراكات تجارية واسعة النطاق لتعويض النقص الذي أحدثه الحصار في حجم الواردات؛ حيث إن قطر تملك منفذاً برياً وحيداً يربطها بالسعودية من خلال «معبر سلوى»، وخطوطاً ملاحية رئيسية مع الإمارات والبحرين، كانت تعتمدها بشكل أساسي في نقل البضائع المختلفة، قبل أن تتأثر بقطع هذه القنوات.
ومؤخراً أكد سعادة وزير البلدية والبيئة محمد بن عبدالله الرميحي، أن الإنتاج المحلي في قطر خلال فترة الحصار وصل إلى 300 %، مضيفاً أن هذه النسبة دفعت الوزارة إلى التوسع في مصادر البيع والتسويق، لتغطية الزيادة الملحوظة في الإنتاج.
ولفت إلى أن الظروف الاستثنائية التي مرت بها الدولة، ومنع الشركات من تصدير منتجاتها إلى دولة قطر نتج عنه تميز وتطور ملحوظ في الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية والسمكية، موضحاً أن الدولة خصصت مبلغ 105 ملايين ريال (ما يقرب من 30 مليون دولار) للعام الجاري من الميزانية، لتقديم الدعم للقطاع الزراعي والسمكي والحيواني لتحقيق الأمن الغذائي.
وقالت شبكة بلومبرغ الاقتصادية العالمية،: إن حزمة قوانين الاستثمار الجديدة، التي أطلقتها قطر بعد الحصار، سمحت بحرية اقتصادية أكبر من أي وقت سبق في البلاد، ومكنتها من تحقيق الاستقلال الاقتصادي، على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ حيث قال التقرير: «القوانين الجديدة جعلت من قطر دولة منفتحة تشجع على الحرية الاقتصادية، وتدعم القطاع الخاص بصورة كبيرة، بحيث يتعاون بصورة أكبر مع القطاع العام».
ولفتت، إلى أن القوانين الجديدة التي أصدرها مجلس الوزراء خلال الأشهر الماضية تقدم سلسلة من الحوافز، أفادت المشروعات الصغيرة والمتوسطة بصفة خاصة، بينها تخصيص أراضٍ للمستثمر لإقامة مشروعه، والإعفاء من ضريبة الدخل، وإعفاء واردات المستثمر من الآلات والمعدات من الرسوم الجمركية في بعض الحالات.
وكنتيجة طبيعية لما حققته قطر من انطلاقة استثمارية وتنموية رفعت وكالات التصنيف العالمية وفي مقدمتها «فيتش» النظرة المستقبلية لقطر في تقاريرها الصادر مؤخراً؛ حيث عدلت فيتش تصنيف قطر إلى «نظرة مستقبلية مستقرة» مع تثبيت التصنيف الائتماني للبلاد عند مستوى –AA، مما أكد تلاشى آثار الحصار وزيادة جرعة ثقة المؤسسات الاقتصادية الدولية في أداء الاقتصاد الوطني.
وتشير توقعات «فيتش» إلى أن موازنة 2018 أكثر توازناً مع ترجيحات بتحقيق قطر فائضاً مالياً يوازي 2.9 % من الناتج المحلي الاجمالي في 2019 وهو ما يعكس التأثير الايجابي لارتفاع أسعار النفط على الإيرادات الحكومية المتحققة؛ حيث ارتفعت أسعار النفط القطري متجاوزة تقديرات الموازنة للعام الجاري البالغة 45 دولاراً.