أثار قرار الفرنسي زين الدين زيدان، بالاستقالة من منصبه كمدرب لفريق ريال مدريد، ردود أفعال قوية ومفعمة بالدهشة، كونه قد حقق قبلها انجازًا قياسيًا وتاريخيًا غير مسبوق، بالفوز لثلاث مرات متتالية بلقب دوري أبطال أوروبا كمدرب.
لكن من يتمعن في حقيقة قرار زيدان، ستنجلي عن عينيه أية غرابة مصاحبة لقرار رحيله عن العارضة الفنية للفريق الملكي، بل ستتحول الى امارات اجلال وتقدير لعقلية هذا الفرنسي الأسطورة.
فالمشجع المدريدي يشعر بالحزن بالطبع لرحيل زيدان، بعد انجازاته الكبيرة في هذه المدة القصيرة، ولكن لو تم سؤاله سؤالًا فرضيًا، ماذا لو كان خسر الميرينغي في نهائي التشامبيونز، وخروجه من الموسم بـ “خُفي حنين”.. هل كان سيعتبر زيدان مؤهلًا للاستمرار في قيادة الفريق لموسمٍ آخر؟ خاصة في ظل سيطرة الغريم برشلونة على البطولات المحلية..
هذا السؤال الفرضي.. ربما هو ما دار في عقل زيدان، ووضع نفسه مكان الادارة والجماهير، وهو ما جعله يتخذ قراره العقلاني، فهو قرار لا يصدر سوى من شخص ذكي للغاية.
فهو يعرف أن ما حققه هو المستحيل بعينه، ومن الصعب تكراره، وكذلك لم يخفى على عينيه الاخفاق المحلي، بجانب شعوره بقرب انفراط عقد نجوم الفريق، سواء بالرحيل أو بالاقصاء، لرونالدو، بنزيمة، مودريتش، بيل، بسبب البحث عن عروض أفضل، أو لتقدم العمر، بجانب أن النقطة الأخيرة من المؤكد ستعرقل مردود نجومه الكبار، وبالتالي تؤثر على الفريق بالسلب.
أما الجانب الأكثر ذكاءا في قرار زيدان، فهو أنه يعرف كيف ومتى يغادر، فالتوقيت رائع بعد تحقيق انجاز سيخلد اسمه في تاريخ الفريق المدريدي والتشامبيونز، فالمهم للأساطير كيف تغادر من الباب الكبير، وليس من الباب الصغير.
والملاحظ لنهاية زيدان كلاعب، أنه ايضًا غادر في توقيت رائع، ومن الباب الكبير، فلم ينتظر حتى تصب الجماهير جم غضبها عليه لعدم تقديمه المنتظر منه لتقدم عمره، ولم ينتقل الى فريق في أحد الدوريات الخليجية، أو الصينية، أو حتى اليابانية، كما فعل أساطير آخرون، وأنهوا مسيرتهم في فرق بلا اسم.
تحية تقدير لما فعله زيدان مع الميرينغي، في ظروف سيئة، من تولي المسئولية خلف بينتيز، والفريق مهلهل، وظروف الايقاف من التعاقدات، وبعدها رحيل عدة نجوم عن الفريق، وتقدم عمر نجومه، خاصة وأنها التجربة الأولى الاحترافية في مسيرته.. أي شخص آخر في مكانه، لكان شعر بزهو وفخر الثلاثية الاعجازية، واستمر في موقعه بقوة دفع هذا الانجاز، ولكن عقل الاسطورة تجعله يخرج من الباب الكبير في توقيته المثالي.. عكس أساطير كبيرة عجزت عن ملامسة الباب الكبير، وأجبروا على الخروج من الباب الصغير في انحناء لتقبيل الأموال..