القطاع العقاري في مواجهة تحديات المرحلة

سلة متكاملة من الإجراءات تشق قنوات اقتصادية جديدة وتفتح الأفق

تحولات كبرى تستوعب لغة العصر وأخرى على قيد الإنجاز

صفقات مدروسة تضع العقار في صدارة المشهد

إلغاء تأشيرة الدخول وقوانين الإقامة الجديدة تفتحان شهية الاستثمار وتستقطبان المستثمرين

بزنس كلاس – سليم حسين


سجل القطاع العقاري في قطر ثباتاً واضحاً مقابل التحديات التي ألقت بظلها العام الماضي على دول المنطقة، حيث أظهر القطاع معدلات نمو مرتفعة في قيم ومعدل عدد الصفقات العقارية المنجزة، في زمن واكبت فيه الحكومة استراتيجياتها البديلة بسلسلة من الإجراءات والسياسات المحفزة على أكثر من صعيد، والتي ركزت في جانبها الاقتصادي على إرساء بيئة استثمارية متكاملة جاذبة للاستثمارات الخارجيّة، ومبتكرة لكل ما من شأنه تشجيع الاستثمار وتحفيزه وحمايته، شملت قوانين وقرارات كان منها ما يتعلق بالإقامة وإلغاء تأشيرة الدخول لعدد كبير من مواطني الدول الأجنبية والعربية، والموافقة على مشروع قانون يُجيز لغير القطريّين تملك العقارات والانتفاع بها في مناطق محددة، وفق شروط وضوابط معينة.
تحديات وتحولات

ومؤخراً شهدت البلاد انطلاقة لعملية تحول اقتصادي غير مسبوقة، كان نتيجتها أن أرست قطر دعائم اقتصاد مرن ومستقل، ومنفتح على العالم، وعماده الشراكة الحقيقية مع القطاع الخاص، مما عزز الثقة بقوة ومتانة الاقتصاد الوطني، وقدرته على مواصلة تحقيق مشاريعه وخططه التنموية والإنفاق عليها.
وتأتي شهادة البنك الدولي بمثابة التوكيد الحقيقي بأن التدخل السريع من الحكومة ساهم في حماية النظام المصرفي والمالي في الدولة من أية تأثيرات سلبية من الحصار، مع استمرار تمويل مشاريع البنية التحتية ومشاريع كأس العالم 2022، توقع تقرير البنك أن ترتفع معدلات النمو الاقتصادي في قطر خلال العام الحالي إلى 2.6 %، وارتفاعها إلى 3 % خلال العام المقبل 2019، مع استمرار التحسن في الصادرات النفطية وغير النفطية. وكل ذلك يحصل في ظل أجواء اقتصادية ضبابية، حول مستقبل أسعار النفط في الأسواق العالمية، والتي يبدو أنها ترجح كفة التراجع عن عتبة 70 دولاراً التي وطأتها مؤخراً بشق الأنفس ولفترة قصيرة، وذلك بعد 3 سنوات تقريباً بقيت فيها الأسعار تحلم بمغادرة مستوى الخمسينيات والستينيات صعوداً، وبعد اجتماعات للدول المصدرة في أوبك ومن خارجها، وخفض إنتاج تم تمديد العمل به أكثر من مرة من دون نتائج تذكر، وبالرغم من أن ذلك يأتي غير متوافق مع البيانات الإيجابية والمتفائلة، التي كانت تصدرها جهات مختصة بشأن النشاط الاقتصادي العالمي.
تفاؤل غير حذر

وتفيد مراصد مراقبة السوق تفاؤلاً لدى المراقبين حول مستقبل السوق العقاري لاسيما مع توالي الإنجازات في وتيرة المشاريع الرئيسية والخدمية، مما يمهد إلى تصاعد تدريجي وزخم في الأسعار قد يبلغ مستويات استثنائية في بعض المناطق، وجيدة نسبياً في مناطق أخرى، مع بدء العمل بقانون تملك الأجانب للعقارات، الذي سيدعم أسعار العقارات في السوق المحلي خلال العام 2018، مما سينعكس ضخ في الاستثمارات وزيادة في أعمال المقاولات وبناء المباني والمشاريع ذات الطابع الاستثماري، وبصفة خاصة السكني بفئاته المختلفة للاستفادة من الطلب المستمر على الوحدات، مشيراً إلى أن حجم الإقبال المرتقب على إنشاء المباني سيبلغ ذروته في النصف الثاني من العام الجاري.
صعود تدريجي

ومن المفيد هنا القول أن دورة العقار دخلت في مرحلة استعداد تصاعدي تدريجي سينعكس تراكمياً بنسبة قد تصل إلى 8% على معدلات النمو السنوي حتى العام 2019، إذ أنه بالنظر إلى الاتجاهات التقليدية للاستثمارات في قطر، يبقى سوق البناء والتشييد في قطر محتفظًاً بجاذبيته، مدفوعاً بتفاؤل عام حول إيجابية استمرار الإنفاق على المشاريع، وأثرها المباشر على مواصلة الطلب على العقار، الذي لا يزال في نظر شريحة كبيرة من المستثمرين والمدخرين ملاذاً آمناً؛ كونه استثماراً قادراً على أن يحمي القيمة الاستثمارية الأولية للأصول، خاصة بالنسبة لفئة المستثمرين الصغار، والذين يشكلون نسبة لا بأس بها من حجم النشاط العقاري العام، وتحديداً بالنسبة لفئة العقارات السكنية، وهو ما أسهم على مدى سنوات في استمرار ضخ السيولة في الاستثمار العقاري.
موسم القطاف

من جانب آخر فإن الاستراتيجية الثابتة حيال توفير كل مقومات دعم وتعزيز القطاع العقاري، سيبقيه في صدارة القطاعات الأكثر تداولاً وإنفاقاً في السيولة إلى جانب القطاعات الإنتاجية الأخرى، والذي يتطلع إلى قطف ثمار قانون تملك العقار لغير القطريين والمزمع العمل به خلال هذا العام، تماشياً مع حزمة منتظرة من القوانين والتشريعات المحفزة على الاستثمارات للمستثمرين الأجانب، والمقيمين في دولة قطر، مما يعني دخول لاعبين عقاريين جدد على الساحة العقارية المحلية، سعياً وراء الفرص العقارية الحقيقية التي يعد بها السوق القطري، وهذا بدوره سيقود القطاع العقاري إلى تحقيق قفزات نوعية خلال العام الجاري.
وتوقف التقرير العقاري الشهري لمجموعة صك القابضة عند جملة من المؤشرات الاقتصادية العامة، ذات التأثيرات الإيجابية في تنشيط السوق العقارية، لافتاً إلى أن النمو البالغ 13,4% في عدد الشركات التي تأسست في قطر خلال عام 2017 مقارنة بالعام الذي سبق، دليلاً واضحاً على جاذبية البيئة الاستثمارية المدفوعة بالثقة في الاقتصاد القطري وثباته، ورأى بأن تسجيل تأسيس 14639 شركة جديدة في قطر خلال العام الماضي، سيزيد الطلب على فئات متنوعة من الوحدات والمساحات العقارية، ولاسيما التجاري منها خاصة بالنسبة للشركات الأجنبية القادمة لأول مرة إلى قطر والبالغ عددها 32، لافتاً إلى أنه وفق تقارير المصادر المعنية فقد تم عقب الحصار المفروض على الدوحة منذ يونيو الماضي تأسيس 27 شركة أجنبية، مما يؤكد بأن جاذبية المناخ الاستثماري في قطر لم تتأثر بالتضييق الذي فرضته دول الحصار على قطر.
وأشار التقرير إلى أن ما تشهده قطر على مستوى تطوير المرافق الخدمية ومشاريع النقل والبنية التحتية، يعد أيضاً من المؤشرات العامة، ذات التأثيرات الاقتصادية الإيجابية في تنشيط السوق العقارية، التي من شأنها إنعاش قطاعات كالإنشاءات والضيافة والخدمات السياحية، مما دعم التنوع الاقتصادي والارتقاء به إلى مستوى وازن في الدخل الوطني، وهو أمر سيكون له أصداؤه الإيجابية على مستوى السوق العقارية لمواكبة الفرص في الأعمال والوظائف أقله على مدى السنوات الخمس المقبلة.
صورة مستقبلية واضحة

ويعول الخبراء على تدشين مخرجات الخطة العمرانية الشاملة لدولة قطر، كونها ستفضي إلى تخصيص أراضٍ لمختلف القطاعات، تتضمن مناطق صناعية واقتصادية ولوجستية، ومجموعة من الأسواق المركزية والمجمعات الزراعية وأسواق المواشي، بالإضافة إلى خدمات تعليمية وصحية، إلى جانب توفير مواقع لسكن العمال، الأمر الذي من شأنه الارتقاء بالقطاع العمراني في الدولة بما يتناسب مع التوجهات التنموية المستقبلية، لاسيما وأن الخطة أخذت بالحسبان جملة من المتغيرات من خلال تصور مستقبلي للتنمية في كل بلدية خلال الخمسة عشر عاماً القادمة.

 

السابق
الثروة السمكية في قطر صيد ثمين على طريق الاكتفاء الذاتي
التالي
الاقتصاد القطري محمية طبيعية تحصّنها النتائج والأرقام