الدوحة – بزنس كلاس:
باتت الدبلوماسية السعودية في حالة جنون وتناقضات لا حصر لها، ففي الوقت الذي يستجدي فيه ولي العهد السعودي الدول العربية بجولة هزيلة رفضتها الشعوب، وبتنازلات مروعة للعالم، عبر تخفيض أسعار النفط وتقديم الأموال في شكل صفقات تجارية وعسكرية، لغض الطرف عن جرائمه الداخلية والخارجية نجده يصعد الازمة مع قطر ويقحمها في ملف زيارته للقاهرة في تصعيد لا يفهم منه الا انه عبث الغارقين في وحل الانتهاكات والقمع.
إعلام موجه
وفي محاولة لستر عوراتها وجرائمها، سعت السعودية وإعلامها المأجور لنشر تقارير وقصص إخبارية تركز على قضية الخلاف مع قطر والتمسك بمطالب ميتة، لإلهاء الرأي العام عن جرائم النظام سواء في اليمن أو تصفية وقتل المعارضين والتي آخرها قضية جمال خاشقجي. ولكن المدهش أن إعلام دول الحصار نشر أمس عدة تقارير وأخبار موحدة، بما يبرهن أن تلك الوسائل تعتمد تغطيتها من منبع واحد وبتعليمات من جهة وحيدة توجه دفة هذا الإعلام، حيث نشرت فيه صحيفة عكاظ السعودية أمس تقريرا بعنوان “السعودية ومصر: لا تنازل عن شروط المصالحة مع قطر” تضمن على أكاذيب واتهامات باطلة، كعادة الإعلام السعودي، كما نشرت أيضا صحيفة العرب اللندنية الممولة من أبوظبي، نفس التقرير بعنوان “لا إنهاء للمقاطعة على قطر”.
محاولات السعودية لإبعاد أنظار العالم عن الجرائم التي يرتكبها النظام السعودي في الداخل والخارج، تعكس رؤية هزيلة في التعامل مع الأمور، فالعالم لن يسكت عن جريمة اغتيال خاشقجي بهذه الوحشية، ولن يرضى عن الجرائم التي ترتكبها قوات التحالف السعودي يوميا في اليمن، ولن يغض الطرف عن القمع وسجن الأبرياء في الداخل لكن دول الحصار التي زارها بن سلمان تبارك قمعه بدون هوادة.
ووفق أي تحليل للأحداث فإن السعودية وباقي دول الحصار لجأت إلى إحياء مطالبها القديمة لحل الخلاف مع قطر، في محاولة منها لتخفيف الضغوط الدولية على الرياض، بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وتقطيع جثته في القنصلية السعودية باسطنبول مطلع الشهر الماضي. وأيضا تصاعد الانتقادات الدولية ضد جرائم التحالف السعودية في اليمن حيث يتم قتل المدنيين وخاصة الأطفال والنساء هناك، علاوة على انتشار الأمراض والاوبئة بفعل هذه الحرب الظالمة التي تقودها السعودية وابوظبي. يضاف إلى ذلك الانتهاكات الداخلية بحق المواطنين السعوديين والنشطاء والحقوقيين ورجال الأعمال.
هروب من الأزمات
وللهروب من أزمات السعودية في الداخل والخارج، دأب النظام وأدواته على إلقاء اللوم على قطر وتحميلها مشاكله وأزماته حتى الداخلية منها، فبالأمس القريب حمل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الإعلام القطري مسؤولية تصاعد جريمة خاشقجي، قائلا: أعتقد أنه كانت هناك حملة شرسة موجهة ضد المملكة العربية السعودية، وما زالت قائمة. مدعيا ان هناك محاولة لتسييس جريمة القتل التي ارتكبها سعوديون.
وعلى هذا الأساس من التضليل والكذب تسير الدبلوماسية والإعلام السعودي معا، متناسيين بأن تحميل قطر أزمات السعودية الداخلية والخارجية هو استخفاف بالعقول. فقتل أطفال ونساء اليمن وتجويعهم لم يتم إلا بأياد سعودية، وقتل الصحفي جمال خاشقجي وتقطيع جثته لم يتم إلا بأياد سعودية، والازمات الدولية والاقليمية التي تعصف بالرياض لم تحدث إلا بأوامر من نظام الحكم السعودي. في قضية خاشقجي حاول الإعلام السعودي تبرئة محمد بن سلمان من تلك الجريمة وإبعاد التهمة عنه، وكان أول خروج لوزير الخارجية السعودي بعد الجريمة على شبكة فوكس نيوز الأمريكية، نافيا بشكل تام عدم معرفة القيادة السعودية عن جريمة قتل خاشقجي، متناسيا أن تلك الرواية تنافت مع تأكيدات ولي العهد السعودي نفسه في بداية الأحداث بأن خاشقجي قد غادر القنصلية. وإمعانا في التخبط تغيرت الروايات السعودية عدة مرات حول قتل خاشقجي، إلى أن جاء الاعتراف الرسمي السعودي بأن الجثة قد تم تقطيعها بعد قتله داخل القنصلية.
جولة بن سلمان
ولا يبعد عن هذا السياق، جولة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الدول العربية قبل ذهابه إلى قمة العشرين في الأرجنتين، وهذه هي أول جولة خارجية يقوم بها بن سلمان منذ تفجر أزمة مقتل خاشقجي بقنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، وتلك الجولة هدفها الرئيسي تبييض وجه بن سلمان في الدول العربية والغربية.
ويوضح محللون أن هدف الجولة إعادة تأهيله وعودته إلى المجتمع الدولي بأقل قدر من الخسائر، وأيضا الإيحاء بأنه لا يعبأ بردود الفعل العربية والدولية الناجمة عن اتهامه بالوقوف خلف عملية الاغتيال، والطريقة البشعة التي تمت بها، وإنه ما زال الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، ولا يواجه أي أخطار، أو مؤامرات داخلية، للإطاحة به. ويضيف المحللون أن جولة بن سلمان بشقيها العربي والدولي ربما تقود إلى محاصرته وربما عزله، وإن استمر في الحكم فسيكون ضعيفا وليس بالقوة التي كان عليها. ونبهوا إلى أن هناك فريقين الاول يقوده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ويريد تبيض صفحة ولي العهد السعودي، وتبرئته من جريمة اغتيال خاشقجي وكل تبعاتها، وآخر يريد تجريمه، وفرض عقوبات عليه والحكومة السعودية ويقوده أعضاء بارزون في الكونغرس الأمريكي، ومعظم وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية.
لكن في مقابل ذلك، طالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الأرجنتين باستغلال بند في دستورها متعلق بجرائم الحرب للتحقيق في دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في جرائم محتملة ضد الإنسانية في اليمن ومقتل الصحافي جمال خاشقجي. وأفادت سارة ليا ويتسون مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهيومن رايتس ووتش بأن المنظمة تقدمت بهذا الطلب للأرجنتين لأن ولي العهد السعودي سيحضر افتتاح قمة مجموعة العشرين في بوينس آيريس الأسبوع الجاري.
ويعترف الدستور الأرجنتيني بالاختصاص العالمي لجرائم الحرب والتعذيب، وهو ما يعني أن السلطات القضائية يمكنها التحقيق في تلك الجرائم ومحاكمة مرتكبيها بغض النظر عن مكان وقوعها. وذكرت المنظمة المعنية بحقوق الإنسان أنها أرسلت طلبها إلى القاضي الاتحادي أرييل ليخو. وبالأمس، طلب المدعي العام الأرجنتيني من وزير خارجية بلاده الاستفسار عن موقف محمد بن سلمان الدبلوماسي والقانوني.