عواصم – وكالات:
قال سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وزير الخارجية إن دولة قطر تعاملت منذ بداية الأزمة الخليجية بأخلاق عالية ولن تسعى أبدا للضغط على أي بلد، موضحاً أنه في المقابل قامت السعودية ودول الحصار بتوظيف كل ما لديها من قدرات ونفوذ خاصة في مناطق إفريقيا وبعض دول جنوب شرق آسيا لابتزازها وفرض أمور تتعارض مع سيادتها كدول، وهو أمر لا نقبله.
وأوضح سعادته في حوار مع تلفزيون “CNBC” الأمريكي، أن الدول التي اختارت الانضمام للنادي السعودي دون أن تكون هناك حجة تبرر ذلك فهذا يعني أن هذه الدول ليست لها سلطة وقدرة على صناعة قرارها بنفسها، وعموما لا يمكن أن تفرض أي دولة على دولة أخرى إرادتها ومطالبها، ولدى هذه الدول حرية تقييم الوضع وتحديد ما إذا كانت قطر شريكا موثوقا به يمكنهم العمل معه أو هي مصدر اضطراب لهم.
وأضاف سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أن التصريحات والتهم المتواصلة التي لم يقع أبدا إثبات صحتها والصادرة عن السعوديين ودول الحصار الأخرى تجاه قطر مرفوضة تماما، فالمسألة تتعلق بالأمن المشترك لمنطقتنا والذي يعد أولوية قطر مثلما هي أولوية هذه الدول، مشيرا إلى أن الإلقاء بهذه التهم جزافا دون أن تكون مستندة لأية أدلة وبراهين يظهر عدم الثبات في تصرفات دول الحصار ورغبتها في عدم حل الأزمة.
وأردف قائلا “هم من بدأوا الأمر برمته من خلال الهجوم الإلكتروني الذي شنوه، ولم يكن هذا الهجوم إلا أساسا لخلق هذه الأزمة، ولو كانت هناك مبررات حقيقية لما لجأوا إلى اختراق وكالة الأنباء القطرية الرسمية وفبركة تصريحات لحضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى بهدف بدء الحملة علينا، ونحن مازلنا ندعو هذه الدول بأنه في حالة كانت لديهم أية مآخذ يجب على قطر التعامل معها فعليهم المبادرة والكشف عن هذه المآخذ والمخاوف، وفي حال كان هناك ما يستدعي اتخاذ إجراءات ما فمن واجب قطر والدول الأخرى اتخاذ هذه الإجراءات، فالمخاوف مشتركة لدى الجميع”.
وردا على سؤال حول إنكار السعودية أن يكون أي هجوم إلكتروني وراء الأزمة، قال سعادة الوزير “الإنكار من قبلهم غير صحيح فقد كنا في الرياض فقط قبل يومين من الهجوم الإلكتروني، ولماذا حينها لم يعبر أي منهم عن مخاوفه؟ وقبل ذلك فقط بأيام كنا في الرياض حاضرين في المجلس الوزاري لمجلس دول التعاون الخليجي، وهم لم يعبروا عن أية مخاوف، وقد كنا نتحدث عن المشاكل الإقليمية ومستقبل المجلس”.
وأوضح سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وزير الخارجية أنه “منذ بدء الأزمة التي تجاوزت الأربعة أشهر وإلى الآن يدرك الجميع أننا من جانبنا نرغب في التوصل إلى حل للأزمة، فقد رأينا أنه لا منتصر مما يحصل، فلدينا تحديات كبرى تواجهنا في المنطقة ولا نريد أن نزيد أزمة جديدة إلى مناطق النزاع الأخرى المفتوحة”.
وقال سعادته “جميع حلفائنا وأصدقائنا يريدون حلا للأزمة بما فيهم الولايات المتحدة، وحتى الرئيس الأمريكي لطالما اتصل بالزعماء جميعا لوضع حد للأزمة برمتها، وسمو أمير الكويت قاد جهود الوساطة وهو لا يزال يبذل مجهوداته، حيث كان منذ يومين في الرياض، ومع هذا كله لا توجد أي نتيجة بعد، وهذا يدل على توجه ثابت من دول الحصار وهو الاستمرار في الأزمة والتنمر وتقليل الاحترام”.
وردا على سؤال حول سعي السعودية لإيجاد سبل لتغيير النظام في قطر، قال سعادته نحن نرى مسؤولين حكوميين وموظفين يتحدثون عن تغيير النظام، وعندما يدعو مسؤولوهم الناس للتظاهر ضد حكومتنا فالأمر يتعلق حتما بتغيير النظام، ونحن نرى دولة أعادت زمن العصور الوسطي القبلي عبر الضغط على قبائل على صلة بقبائل داخل قطر، وهذا يعني أنهم يرغبون في زعزعة استقرارنا، وبالتالي فهم لا يرغبون في التوصل إلى حل، بل يقومون بالتصعيد وصولا حتى لتغيير النظام وأشياء أخرى، ولكن من جانب قطر نحن ندعو دائما للحوار، وإذا كان لديهم ما يقلقهم من جانبنا فما عليهم إلا مخاطبتنا بشأنه.
وأشار سعادة وزير الخارجية إلى أنه منذ بدء الأزمة وبناء على تقييمنا رأينا إمكانيات لنشاط عسكري محتمل سواء كان غزوا أو تدخلا أو عبر وسائل أخرى.. موضحا سعادته أن حلفاء دولة قطر في الولايات المتحدة إضافة إلى سمو أمير الكويت كانوا نشطين منذ البداية في محاولة لتهدئة الأوضاع، وقد عملوا جميعا مشتركين لخفض التوتر واللجوء فعلا إلى الحوار عوضا عن التصعيد، وقال “بالنظر إلى الطريقة التي تم التصرف بها من قبل الآخرين فهي تعكس غياب حس المسؤولية حيال المنطقة وأمنها”.
وأكد سعادة وزير الخارجية أن الولايات المتحدة الأمريكية حليف موثوق ودولة قطر لها علاقات قوية معها، مشيرا سعادته إلى أن دولة قطر تستضيف أكثر من 11 ألف جندي أمريكي إضافة إلى القاعدة العسكرية الأمريكية الأضخم في الشرق الأوسط، وهذا ما يجعل من الضروري للولايات المتحدة وقطر العمل سويا لضمان استقرار المنطقة، وهذا ما يجعلنا شركاء موثوقين من الجانبين.
وردا على سؤال حول اعتقاده أن وزير الخارجية الأمريكي والرئيس دونالد ترامب على نفس الخط فيما يخص الأزمة الخليجية، أوضح سعادة وزير الخارجية أنه منذ بدء الأزمة دعا الرئيس الأمريكي إلى ضرورة التعاطي معها عبر سبل الحوار، وقد تحادث في هذا الباب مع حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى والمنظمات الحكومية الأخرى المختلفة، أيضا وزارتا الدفاع والخارجية الأمريكيتان كانتا أيضا مع خيار الحوار.
وقال “لم نر أية رسائل متضاربة، وربما تغريدة أو اثنتين أعطتا الانطباع بأننا أمام رسائل متضاربة، ولكن هذا أمر غير مهم بالنسبة لنا، فما يعنينا فعلا هي السياسة الخارجية الأمريكية بصفة عامة حيال الأزمة، وقد بقيت هذه السياسة ثابتة منذ البداية في إطار السعي لإنهائها ووضع حد لها عبر الحوار”.
وأشار سعادته إلى أن الرئيس الأمريكي يعلم جيدا حقائق الأزمة وهو واثق مما يقول بإنه يمكنه المساعدة في إيجاد حل بشكل سريع خلال الأيام المقبلة أو الأسابيع المقبلة على أقصى تقدير، فهو لا يريد أن يطول أمد هذا الصراع، ولكن في المقابل ومثلما ذكرنا من قبل فنحن لا نرى تجاوبا إيجابيا من قبل دول الحصار، حيث يظل الوضع على ما هو عليه، ونحن نأمل أن تسير الأمور باتجاه الحل وجمع القادة على طاولة واحدة.
وأكد سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وزير الخارجية أن الأزمة الخليجية أثرت على الحرب على تنظيم “داعش” ، مشيرا إلى أن نسبة 90 % من المواد الغذائية والأدوية التي تحتاجها الدولة تأتي عبر الحدود البرية، وجزء من هذه المواد يذهب إلى القاعدة العسكرية.
وأضاف “أيضا تم غلق مجالنا الجوي ولم تعد الطائرات القطرية التي تؤمن الدعم اللوجيستي قادرة على التحليق في سماء الدول باستثناء إيران، كما تم وقف الضباط القطريين الذين كانوا يشاركون ضمن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وتم طردهم حتى من الأسطول الخامس بسبب ما حصل، وبالتالي حدثت الكثير من الأمور التي تضر بالجهود الدولية لمحاربة الإرهاب بسبب الأزمة والحصار المفروض على قطر”.
وحول تأثير ما ذكره الجيش الأمريكي مؤخرا أنه سيقوم بوقف بعض العمليات العسكرية مع الحلفاء الخليجيين وربما الذهاب إلى تجميد صفقات أسلحة كانت مقررة، وهل سيكون هذا كافيا لجمع أطراف الخلاف على طاولة الحوار، قال سعادة وزير الخارجية “نحن نأمل ألا يتم اتخاذ مثل هذه الإجراءات حتى يتسنى جمع الأطراف على طاولة الحوار، ونأمل أن تنتصر الحكمة عبر اجتماع الأطراف التي تقوم بالحصار لتعبر عن مخاوفها ومآخذها منا”.
وأردف قائلا: “ما لمسناه في الأشهر الأربعة الأخيرة هو سلوك ثابت من تقليل الاحترام والتنمر، وهم يفعلون كل شيء باستثناء تقديم مطالب، ونحن نأمل أن يأتوا في النهاية إلى الحوار، كما نأمل أن يحدث هذا في الوقت المناسب، فهم يستمرون في استبعاد الحوار بهدف إضعاف قطر، ولكن قطر صارت أقوى مما كانت عليه قبل فرض الحصار”.
وبشأن أن أحد الأسباب التي قد تمنع السعودية من الجلوس إلى طاولة المفاوضات هي علاقة دولة قطر بإيران، قال سعادة الوزير إن هذا الاتهام عار من الصحة، مشيرا سعادته إلى أن دولة قطر حاليا لديها اختلافات في السياسات مع إيران، لكن لا خلافات لها مع إيران الدولة، ومع ذلك وداخل مجلس التعاون الخليجي تم الاتفاق على سياسة مشتركة حيال إيران، وتقضي هذه السياسة ألا تقوم إيران بتصدير أيديولوجيتها الثورية أو الإضرار بالأمن، وهذه السياسة واضحة وقطر التزمت بها ومازالت، وسياستنا تجاه إيران هي نفسها لم تتغير بسبب الأزمة.
وأشار سعادة وزير الخارجية إلى أنه يوجد هناك فقط محاولة لإيجاد تبريرات للحصار، والسبب الحقيقي الذي دفع دولة قطر من قبل لسحب سفيرها من إيران كان فقط تضامنا منها مع السعوديين بعد الهجوم على بعثتهم الدبلوماسية التي لم تعد موجودة الآن، وقال “لكننا لا نستطيع التضامن مع دولة تفرض علينا حصارا، ونحن جيران لإيران ولدينا حدود مشتركة إضافة إلى حقل غاز طبيعي مشترك بيننا، وعلينا تجاوز خلافاتنا عبر الحوار، ولا يمكننا زيادة التوتر في المنطقة، وبالتالي ليس لنا إلا الحوار”.
وأضاف “دون شك لا يوجد أي دعم من جانبنا لإيران، وعلاقتنا بإيران ثابتة منذ أمد بعيد، ومثلما قلت من قبل لدينا اختلافات مع إيران، ونحن خصوم فيما يحدث في سوريا واليمن، أيضا نحن خصوم معها حيال ما يحدث في العراق، كما أننا في مواجهة معها في مناطق الصراع هذه، كما كنا ولا نزال الصوت الأول ضد نظام بشار الأسد في سوريا، وبالتالي لم يتغير شيء في سياستنا، أما الولايات المتحدة فلديها سياستها الخاصة وهي بعيدة آلاف الأميال عن إيران، أما نحن فجيران لها، وبعد الحصار تم غلق جميع المنافذ بالنسبة لنا ولم تبق إلا جهة إيران، ووجدنا أنفسنا مجبرين في هذه الحالة على تقوية علاقاتنا مع إيران لتأمين الغذاء والدواء، ومع هذا فنسبة 96% من جميع المبادلات التجارية بين إيران ومجلس التعاون الخليجي تحدث بينها وبين الإمارات، ونحن حجم تعاملاتنا مع إيران لا يتعدى الـ50 مليون دولار، وبالتالي أي حديث عن علاقات خاصة تجمعنا بإيران؟”.
وردا على سؤال حول جعل السعودية من إيران جزءا كبيرا من المشكلة، أوضح سعادة وزير الخارجية أنه منذ بدء الأزمة وهم يتحدثون عن إيران، وهم يتكلمون عن أي شيء قد يمنحهم الشرعية ويكسبهم التعاطف لما فعلوه معنا، وهذا دافعهم الأساسي، فهم لا يريدون أن يظهروا أمام الغرب على أنه ساعون وراء سلب قرار دولة ما ومصادرة إرادتها ووضعها تحت الحماية، وهو ما لا يمكن أبدا القبول به.
وحول برنامج زيارته المقبلة لواشنطن وهل سيلتقي بوزير الخارجية وأعضاء آخرين من الإدارة الأمريكية، بين سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أن زيارته المقبلة لواشنطن تأتي في سياق متابعة لزيارة سابقة كان فيها برفقة حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى في لقاء لسموه مع فخامة الرئيس الأمريكي، مشيرا إلى أنه في هذه الزيارة سيلتقي بمسؤولين أمريكيين وأعضاء في الكونغرس لتباحث مستجدات الأمور.
الاقتصاد القطري
من جهة أخرى قال سعادة وزير الخارجية، إن 90 بالمائة من صادرات دولة قطر تتجه إلى آسيا ، مشيرا إلى أهمية السوق الآسيوي.
وأوضح سعادته خلال الحوار، أن دول الآسيان تستأثر بنسبة 50 بالمائة من أسواق دولة قطر، لذلك يوجد حوار مستمر مع الدول الآسيوية التي نأمل في تحسين وتطوير العلاقة معها ومحاولة استغلال الإمكانات غير المستغلة فيها.
ولفت سعادة وزير الخارجية إلى أن نتيجة لهذه العلاقة، زادت الاستثمارات بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية مع ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا، مشيرا إلى أن الاستثمارات تكون على نطاق واسع في هذه المنطقة من قارة آسيا، حيث ننتمي إليها وتمثل أهمية كبيرة جدا بالنسبة لنا.
وقال إن “سنغافورة لديها وضع خاص بالنسبة لدولة قطر حيث إن هنالك لجنة مشتركة رفيعة المستوى بين البلدين، كما أن التعاون قائم منذ أكثر من 12 عاما، حيث قامت أكثر من 46 شركة في ظل هذه اللجنة المشتركة، وقامت بإدارة مشروعين يعتبران من أكبر مشاريع البيئية الكبرى في قطر، لذلك هناك الكثير من التقدم والكثير من العمل مع قارة آسيا وجنوب شرق آسيا على وجه الخصوص”.