إلى مدىً يحدد الذكاء الفطري احتمالات نجاح طفلك في المستقبل؟ وهل سبق وأن ربطت بين مستوى ذكاء أبنائك ونجاحهم في الحياة؟
لنكن واقعيين.. غالبا ما يقاس النجاح بحجم الثروات والنجاح المادي الذي يصل إليه الإنسان في حياته، وغالبًا ما يرتبط ذلك في أذهان الناس بتمتع هؤلاء الأغنياء بالذكاء.
لكن إذا كان معدل الذكاء مجرد عامل ثانوي في النجاح -حسب دراسة حديثة- فما الذي يميز أصحاب الدخل المنخفض عن أصحاب الدخل المرتفع؟ أو كما يقول المثل: “إذا كنتَ ذكياً جداً، فلماذا لستَ غنياً؟”.
لا يملك العلم إجابة نهائية على هذا السؤال، حسب تقرير مفصل ناقش العلاقة بين الذكاء والنجاح نشرته صحيفة The Independent البريطانية جاء فيه، “على الرغم من أن الحظ يلعب دوراً بالتأكيد، يبقى هناك عامل رئيس آخر هو الشخصية”.
فقد أجرى عالم الاقتصاد الأميركي الحاصل على جائزة نوبل عام 2000، دراسة حول مدى الارتباط بين اختلافات دخل الأفراد ومعدل الذكاء، قال من بعدها أن “الأمر ليس كما يعتقد الناس، فالذكاء ليس كل شيء؛ فهناك صفات أهم”.
إذ تفترض الأغلبية أن تأثير معدل الذكاء على النجاح يتراوح بين 25% و50%، حسبما يقول هيكمان، إلا أن البيانات تشير إلى التأثير أقل بكثير: نحو 1 أو 2%.
ما سر النجاح إذاً؟
وفقاً لبحث نشره هيكمان في مجلة لأكاديمية الوطنية للعلوم في يوليو/تموز 2017، وُجد أن النجاح المالي كان مرتبطاً بالوعي، وهو سمة شخصية تتميز بالاجتهاد والمثابرة والانضباط الذاتي.
وللوصول لهذه النتيجة، اختبر هيكمان وزملاؤه 4 مجموعات مختلفة من البيانات، شملت معدلات الذكاء، ونتائج الاختبار الموحد، والدرجات، والتقييمات الشخصية لآلاف الأشخاص في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وهولندا.
وتتبعت بعض مجموعات البيانات الأفراد على مدى عقود، ولم تتبع الدخل فقط؛ بل السجلات الجنائية، ومؤشر الكتلة الجسمية والرضا عن الحياة ذاتياً.
ووجدت الدراسة أن الدرجات والإجازات ونتائج الاختبارات تمثل مؤشرات أفضل للنجاح من مجرد معدلات الذكاء المجردة.
فهذه الدرجات لا تقيس الذكاء فقط، ولكنها تعكس أيضاً ما يسميه هيكمان “المهارات غير المعرفية”، مثل: المثابرة، وعادات الدراسة الجيدة والقدرة على التعاون، أو بعبارة أخرى: الوعي.
تأثير الطفولة
ويعتقد هيكمان وهو أيضَا مؤسس مركز “اقتصادات التنمية البشرية” بجامعة شيكاغو الأميركية – أن النجاح لا يتوقف فقط على القدرة الفطرية، ولكن على المهارات التي يمكن تعلمها.
وتشير أبحاثه إلى أن التدخلات في مرحلة الطفولة يمكن أن تكون مفيدة، وأن الوعي أكثر مرونة من الذكاء والانفتاح سمة واسعة تشمل الفضول، وهو يرتبط أيضاً بدرجات ونتائج الاختبار.
كما أكد أن معدلات الذكاء مهمة بالطبع رغم كل ما سبق؛ إذ سيجد شخص ما معدل ذكائه 70، المزيد من المشقة في القيام بالأشياء التي يسهل على شخص يبلغ معدل ذكائه 190 القيام بها.
لكن هيكمان يقول إن، “كثيراً من الناس يفشلون في اقتحام سوق العمل؛ لأنهم يفتقرون إلى المهارات التي لا تقاس باختبارات الذكاء. فهم لا يعلمون كيفية التصرف بلطف في مقابلات العمل. قد يصلون متأخرين أو يفشلون في ارتداء ملابس مناسبة. ويتضح في العمل أنهم لن يقوموا إلا بالحد الأدنى من المطلوب منهم، إن قاموا به”.
ويقول جون إريك همريز، وهو مؤلف مشارك في الورقة البحثية، إنه يأمل أن يساعد عملهم في توضيح مفهوم القدرة، الذي غالباً ما يُساء فهمه.
اختبارات الذكاء
وفقا لتقرير صحيفة The Independent البريطانية، فإنه حتى اختبارات الذكاء، التي صممت لتقييم القدرات الفطرية لحل المشاكل، يبدو أنها تقيس أكثر من مجرد الذكاء.
ففي دراسة أجريت عام 2011، وجدت عالمة النفس في جامعة بنسلفانيا الأميركية، أنجيلا داكورث، أن معدلات الذكاء تعكس كذلك حماسة وجهد الخاضعين للاختبار، سيعمل الأطفال المجدُّون والمتحمسون بجهد أكبر للإجابة عن الأسئلة الصعبة، بخلاف أقرانهم من أصحاب الذكاء المماثل، لكن الأكثر كسلاً.
تدريس الشخصية أو السمات الشخصية في المدرسة لن يكون سهلاً، وأحد أسباب ذلك، هو أنه ليس من الواضح دائماً ما إذا كان المزيد من قوة إحدى الصفات هو أمر جيد دائماً.
فكلما ارتفع معدل الذكاء كان الأمر أفضل، وعلى الأرجح هذا هو الحال بالنسبة للوعي كذلك.
ولكن الباحثين في الشخصية اقترحوا أن الوسطية هي الأفضل فيما يخص الصفات الأخرى – لا تريد أن تكون شديد الانطواء بحيث لا يمكنك التحدث، أو حتى منفتحاً لدرجة لا يمكنك فيها السكوت والإنصات.
إذن ما علاقة أي من هذه الأمور بالاقتصاد؟
يجيب هيكمان: “هدفنا الأساسي هو تحسين شروط رفاهية الإنسان، والمهارات هي المحدد الرئيس للرفاهية”.
وفي النهاية لا بد من ذكر بعض الصفات التي يمكن أن تكتسب وترشد الشخص العادي للتعامل بذكاء مع محيطه وذكر منها ضبط الأعصاب والتعامل بحلم مع الآخرين، والمحاورة واحترام وجهات النظر المختلفة وتقبل النقد.