عواصم – وكالات – بزنس كلاس:
أثارت قضية الفتاة السعودية خلود و”تنورتها” القصيرة موجة عارمة من ردود الفعل المتناقضة في الأوساط السعودية الرسمية والشعبية على حد سواء. ورغم أن الموضوع لا ياعدى قيام فتاة “بس المراهقة” بتصوير نفسها بملابس تبدو عادية ولا يلتفت إليها أحد في أي مكان بالعالم إلا أن حساسية موضوع المرأة وحقوقها هي على ما يبدو أساس الموضوع الشائك في السعودية.
واحدة من أهم الملاحظات التي رافقت تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد السعودية منذ فترة بسيطة تمثلت بترحيب عدد كبير من نساء المملكة، على موقع التواصل الأكثر استخداماً في السعودية، تويتر، بوصول دماء شابة إلى سدة الحكم والأمل أن يحمل الأمير الشاب معه تغييراً جذرياً لوضع المرأة “غير السليم” في تركيبة المجتمع السعودي المتهمة بالتزمت في هذا الشأن.
المشكلة في التعامل مع قضية المرأة في السعودية أن هناك اتجاه واضح لتجاوب السلطة مع المطالب المتزايدة والضغوط الدولية غير المباشر لتمكين المرأة مقابل عقود طويلة من الأعراف الاجتماعية المتزمتة والتفسيرات الدينية التي تحرمها من أبسط حقوقها كحق ولاية الأمر عليها. وفي هذه النقطة تعيش السلطة السعودية بين مطرقة الضغوط غير المسبوقة شعبياً من طيف واسع من الشباب السعودي التي تمثل المرأة أمه وأخته وابنته في منحها حقها الطبيعي بالحياة على قدم المساواة مع الرجل وعدم تقبل الجيل القديم لفكرة أن تخرج المرأة من “قفصها” لأنها “ناقصة عقل ودين”.
الحكومة السعودية، تعاملت مع قضية المرأة لا سيما مؤخراً، بالطريقة التقليدية التي تتعاطى فيها مع أي ملف. فقد استجابت للضغوط بهدوء وبدأت تمرر قوانين جديدة لا تلبي مطامح النساء بشكل كامل ولا تغضب المعارضين الأقوياء لفكرة انعتاق المرأة السعودية من جبال القيود التي تحاصر إنسانيتها. فقد أصدر الملك سلمان في الشهر الخامس من 2017 قراراً أمر فيه بعدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة ولي أمرها “حال تقديم الخدمات لها ما لم يكن هناك سند نظامي لهذا الطلب وفقًا لأحكام الشريعة”. لكنه لم يذهب إلى حد إلغاء نظام “ولاية الرجل” بشكل كامل وهو ما يطالبه كثير من النشطاء المحليين والدوليين.
تبدو المحاولات الرسمية السعودية، وحتى غير الرسمية في كثير من الأحيان، خجولة تجاه تمكين المرأة لأنها لا تنبع من قناعة بل عن حرج وخجل من خطأ تمارسه وتعرف أن خطأ لكنها لا تستطيع الخروج من جلدها وتصحيحه لأنها ببساطة لا تريد أن تراه خطأً. فالعالم الذي تعيش فيه السعودية مختلف تماماً عنها في هذه القضية تحديداً.
فقد أثار انتخاب السعودية لعضوية لجنة حقوق المرأة بالأمم المتحدة في أبريل الماضي، والمعنية بتمكين المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين، ردود فعل واسعة وجدلا كبيرا، ذلك لأن الاختيار جاء على الرغم من أن خبراء حقوق الإنسان يصنفون البلد كأحد البلدان الأسوأ بالنسبة للمساواة بين الجنسين.
حسب (abc)، كانت السعودية من بين 12 دولة جديدة انتخبت لعضوية اللجنة بالأمم المتحدة في اقتراع سري. وستشغل هذا المنصب لمدة أربع سنوات تبدأ العام المقبل 2018. ويتمثل دور لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق المرأة، في تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. وتضم اللجنة بالإضافة إلى السعودية كلا من العراق وكوريا الجنوبية واليابان وتركمانستان.”هيومن رايتس ووتش” قالت إن النساء السعوديات يحظر عليهن الحصول على جواز سفر، أو الزواج، أو الحصول على تعليم عال، دون موافقة ولي الأمر الذكر — عادة ما يكون إما الزوج أو الأب أو الأخ أو الابن. كما يحظر على النساء السعوديات القيادة، ويجبرن على الحصول على إذن من ولي الأمر للسفر أو العمل، كما يمنع عليهن حتى الدخول لملاعب كرة القدم مثلاً للمشاهدة والتشجيع.. والقائمة تطول.
صحيفة “الإندبندت” البريطانية قالت إن هيليل نوير، المدير التنفيذي في منظمة مراقبة الأمم المتحدة (UN Watch)، انتقد هذه الخطوة، قائلًا إن “انتخاب السعودية لحماية حقوق المرأة هو كمن قام بوضع مشعل الحرائق كمسؤول عن إطفائها”.
وأضاف نوير أنه “من السخيف انتخاب المملكة العربية السعودية لحماية حقوق المرأة، فإن كل امرأة في السعودية يفرض عليها القرارات من قبل أحد الذكور من أقاربها، وذلك منذ ولادتها وحتى نهاية حياتها، هذا بالإضافة إلى أنها تمنع من قيادة السيارات”.
ولكن في المقابل أشادت هيلين كلارك، رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة، التي كانت مرشحة لخلافة بان كي مون في الأمانة العامة للأمم المتحدة باختيار السعودية في اللجنة لأنها ستساعد الناشطات السعودية المدافعات عن حقوق المرأة حسب رأيها.
الناشطات السعوديات من جانبهن يخضن حرباً لا هوادة فيها للانعتاق من هذا الشكل المزري للحياة. وبدأن على طريقة خلود وقبلها منال الشريف بإدخال المجتمع السعودي بحالة صدمة حتى يستفيق وينظر لمطالبهن بالتغيير بعين الاهتمام والقبول. فقد قضت منال الشريف، التي تعيش الآن في سيدني، تسعة أيام خلف القضبان بعد اتهامها بـ”قيادة أنثى للسيارة” بعد أن حملت مقطع فيديو على “يوتيوب” لنفسها، حيث كانت تسافر عبر شوارع الخبر، في مايو / أيار 2011. قالت “سجنت لأنني تحديت الحظر…لقد فقدت حضانة ابني، ووظيفتي وبيتي، ولكني لا بد لي من قبول العواقب”. وأضافت “أتذكر حارسة السجن عندما سألتني “لماذا أنت هنا”. سمعت عن الحركة لكنها لم تستطع أن تصدق أنها وضعتني في السجن لقيادة السيارة”. “عندما كنت في السجن، بدأت أعتقد أن الحدث فتح حقاً العيون على القضية. والخبر السار كان هو أن الحركة بدأت تعرف”.
وقالت الأم الشابة إنها واجهت رد فعل عنيف لا هوادة فيه بعد أن جذب الفيديو أكثر من 700.000 مشاهدة في غضون 24 ساعة. وقالت “كان الفيديو ينتشر داخل المملكة العربية السعودية”. “كنت أتلقى مكالمات هاتفية، وكانت عائلتي تتلقى تهديدات بالقتل، ولم يتم السماح للفتيات بالخروج”.
وأضافت “قيادة السيارة كمرأة، حقا هزت البلاد كلها. واتهمني الناس بإفساد المسلمين… ودعوني بجميع أنواع الأسماء”. “كان الناس يدعونني بالمجنونة وقالوا يجب أن تدخل مستشفى الأمراض العقلية”.
وكما حدث مع منال، انشغلت مواقع التوصل الاجتماعي السعودية بقصة فتاة تدعى “خلود” بعدما انتشرت صور ومقطع مصور لها على وسائل التواصل وهي ترتدي تنورة قصيرة في أحد شوارع المملكة.