وكالات – بزنس كلاس:
رغم تمكن الاقتصاد العالمي من التعافي إثر الأزمة المالية التي توالت نتيجة تداعيات أزمة الرهن العقاري الأمريكي في عام 2008. وتمكن الاقتصاد الدولي خلال السنوات العشر الماضية من تجنب الأزمة وتداعياتها عبر وسائل عدة مثل الديون وضخ سيولة مالية من جانب البنوك المركزية الكبرى.
وحسب تحليل نشره موقع “بروجيكت ساينديكت”، تبين أنه مع غياب النمو المستقر للأجور والاستثمارات المنتجة في الاقتصاد الحقيقي، فإن الاقتصاد العالمي ليس أمامه طريق سوى التراجع والاتجاه نحو الانكماش.
وحينما أعلن بنك “ليزمان برازر” إفلاسه منذ 10 سنوات أصبح فجأة من غير الواضح من كان مديناً لمن، وما هي الجهات غير القادرة على سداد ديونها، ومن الذي سيأتي دوره في رحلة الانهيار.
وكانت النتيجة هي أن أسواق الائتمان بين البنوك تجمدت، والبورصة الأمريكية أصيبت بالرعب، والشركات خاضت رحلة من الهبوط، ولم يحدث ذلك فقط في الولايات المتحدة لكن في كافة أنحاء العالم.
ومع سعي السياسيين للتصدي للأزمة فإن خبراء الاقتصاد كانوا يتساءلون ما إذا كان الاعتدال الكبير لتقلب دورة الأعمال منذ الثمانينات تحولت إلى كساد عظيم جديد.
وتم الإدراك بعد ذلك أن حالة الرضا التي سادت في فترة ما قبل الأزمة كانت غير مقبولة، ومع ذلك فإن بعد الأزمة لم يتغير شيء يُذكر.
وبالرغم مما يُقال في الوقت الراهن إن النظام المالي أبسط وآمن وأكثر عدلاً، فإن البنوك التي استفادت من المال العام هي الآن أصبحت أكبر من أي وقت مضى، وظهرت مجدداً الأدوات المالية الأقل شفافية، كما ارتفع مجموع المكافآت المالية للمصرفيين.
وفي الوقت نفسه زادت أعمال الظل المصرفي والتي تخضع لقليل أو لا تخضع تماما للقواعد التنظيمية إلى 160 تريليون دولار وهو ما يعادل ضعف حجم الاقتصاد العالمي.
وبدعم تريليونات الدولارات من السيولة التي ضختها البنوك المركزية في الاقتصاد العالمي على مدار العقد الماضي فإن أسواق الأصول تعافت وزاد نشاط اندماج الشركات، كما أن عمليات إعادة شراء الأسهم أصبحت معيار على الفطنة الإدارية.
لكن في المقابل فإن الاقتصاد الحقيقي تمزق عبر نوبات من التفاؤل سريعة الزوال وعبر الحديث المتقطع عن المخاطر الهبوطية.
وفي حين أن صناع السياسة النقدية يمنون أنفسهم بأن أسعار الأسهم المرتفعة والصادرات ستزيد من متوسط دخول المواطنين فإن الحقيقة هي أن معظم المكاسب التي تم تحقيقها بالفعل حصدها هؤلاء الذين يتربعون على قمة هرم الدخل.
وتشير تلك الاتجاهات إلى خطر أكبر وهو فقدان مصداقية النظام، والشعور بأن أولئك الذين تسببوا في الأزمة لم يفلتوا منها فحسب بل استفادوا أيضًا كان مصدرًا متناميًا للسخط منذ عام 2008، ما أدى إلى إضعاف ثقة الجمهور في المؤسسات السياسية التي تربط بين المواطنين والمجتمعات والدول معا.
وباستثناء الولايات المتحدة، فإن تقديرات النمو الاقتصادي الأخيرة تراجعت قليلاً عن التوقعات السابقة كما أن بعض الاقتصاديات شهدت تباطؤاً، وفي حين أن الصين والهند لا يزالان يعملان وفقاً للمسار المتوقع، فإن عدداً من الاقتصاديات الناشئة يعاني ضغطاً مالياً متزايداً.
ومع تحول البنوك المركزية الكبرى نحو تطبيع السياسات النقدية فإن مخاوف هروب رؤوس الأموال وانخفاض قيمة العملات يُبقي مسئولي الأسواق الناشئة قلقين.
وليست المشكلة الوحيدة في فتور النمو الاقتصادي، لكن أن هذا النمو يأتي مدفوعاً إلى حد كبير بالديون، وفي بداية عام 2018 بلغت الديون العالمية 250 تريليون دولار، أي ثلاث مرات أعلى من الناتج الإجمالي العالمي، ومقابل مستوى 142 تريليون دولار منذ 10 سنوات.
وزادت حصة الأسواق الناشئة من الديون العالمية من مستوى 7% في 2007 إلى 26% في 2017، كما ارتفع الإقراض إلى الشركات غير المالية في تلك الدول من 56% من الناتج الإجمالي المحلي في 2008 إلى 105% في 2017.
وعلاوة على ذلك فإن العواقب السلبية للتشديد النقدي في الدول المتقدمة من المحتمل أن تصبح أكثر حدة، مع حقيقة الانفصال الحادث بين فقاعات الأصول وتعافي الاقتصاد الحقيقي.
وفي حين أن أسواق الأسهم ترتفع بشدة فإن الأجور لا تزال عاجزة عن النمو، وعلى الرغم من توسع الديون بعد الأزمة فإن نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي تراجعت في الاقتصاديات المتقدمة وتوقفت عن النمو تقريباً في الدول الناشئة.
ويؤكد المقال أن حرب دونالد ترامب التجارية لن تخفض العجز المالي الأمريكي ولن تعيد عقارب الساعة للوراء فيما يخص التطور في الصين، لكن كل ما ستفعله هو عدم يقين عالمي حال تصاعد ردود الفعل المتبادلة والأسوأ من ذلك أن هذا يبدأ في الحدوث عندما تبدأ الثقة في الاقتصاد العالمي بالتعثر.
وبالنسبة للدول التي تتعرض بالفعل لخطر متزايد من عدم الاستقرار المالي، فإن الأضرار الجانبية الناجمة عن تعطيل النظام التجاري العالمي ستكون كبيرة ولا يمكن تجنبها.
ومع ذلك – على عكس الحكمة التقليدية – فإن ذلك لا يمثل بداية النهاية للنظام الليبرالي الذي أعقب الحرب العالمية، وإن كان تفكك ذلك النظام بدأ منذ فترة طويلة مع صعود حرية تدفق رؤوس المال، والتخلي عن العمالة الكاملة كهدف للسياسة الاقتصادية، وفك الارتباط بين الأجور والإنتاجية والتشابك بين قوة الشركات ونظيرتها السياسية.
وفي ذلك السياق فإن أفضل فهم للحروب التجارية يكون أنها من الأعراض غير الصحية للعولمة المفرطة.
وعلى نفس المنوال، فإن الاقتصادات الناشئة ليست هي المشكلة، وكان قد قوبل تصميم الصين على تأكيد حقها في التنمية الاقتصادية بشعور بعدم الارتياح إن لم يكن العداء الصريح في العديد من العواصم الغربية، لكن الصين استفادت من نفس قواعد اللعبة التي استخدمتها الدول المتقدمة حينما صعدت السلم الاقتصادي.
وفي بداية أزمة “ليمان” تم إحياء روح العزيمة متعددة الأطراف الذي ميز مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكن ذلك أثبت فيما بعد إنها مرحلة عابرة.
وتكمن مَأْساة عصرنا في إنه عندما تظهر الحاجة إلى تعاون أكثر جرأة لمعالجة عدم المساواة في العولمة المفرطة فإن طبول التجارة الحرة تتغلب على الأصوات التي تدعو إلى إعادة الثقة والعدالة إلى النظام.