شنت صحيفة الجارديان البريطانية هجوماً عنيفاً على السعودية على خليفة الأزمة مع كندا معتبرة أن الرياض بما فعلته مع كندا من رد فعل مبالغ فيه جداً إنما تريد أن ترهب العالم بطريقة غير مقبولة. ودعت الصحيفة دول الغرب إلى الوقوف بجانب كندا في التصدي لهذه العربدة السعودية غير المقبولة في العلاقات الدولية.
وقالت الجارديان في افتتاحيتها، إن نزعة التهور لدى السلطات السعودية الجديدة، أدت إلى حملات قمع لمن دعوا للإصلاح، مثل اعتقال النساء اللاتي دافعن عن حق المرأة بقيادة السيارة. وتشير الصحيفة إلى أنه عندما ردت أوتاوا على هذه الحملات مطالبة بالإفراج الفوري عن سمر بدوي، حيث تعيش عائلة شقيقها المدون رائف بدوي في كندا، فإن الرياض ردت على ما اعتبرته تدخلاً مستهجناً في شؤونها الداخلية وبقوة، فطردت السفير الكندي، وألغت الرحلات الجوية بين البلدين، وجمدت التجارة والاستثمارات، واستدعت الطلاب والمرضى.
وأوردت الافتتاحية نقلاً عن بعض التقارير، قولها إن السعودية تقوم ببيع أرصدتها في كندا، مشيرة إلى أن بعض الإجراءات التي اتخذتها السعودية، مثل استدعاء الطلاب والمرضى، يبدو ضررها على المواطنين السعوديين أكثر من الدولة المضيفة لهم، وهي كندا.
وترى الصحيفة أن هذا الرد المبالغ فيه يعكس حماقة السلطات التي شنت حرباً على اليمن، وفرضت حصاراً فشل في تركيع قطر، لكن السلطات السعودية تشعر بالتأكيد بالجرأة بتبني واشنطن لها، خاصة بعد الهجوم الأمريكي الأخير على رئيس وزراء كندا جاستين ترودو، فلم يكن مفاجئاً عندما قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها لن تتدخل في هذا الشجار، وما كان مخيباً أكثر هو صمت الآخرين، فكل ما طلبته بريطانيا هو ضبط النفس من حليفيها المقربين، وقالت إنها تقوم وبشكل منتظم بمناقشة موضوعات حقوق الإنسان مع السعودية، بما فيها الاعتقالات الأخيرة.
وتجد الافتتاحية أن الرياض تريد أن ترهب العالم وترسل بمواقفها المتشددة من كندا رسائل للآخرين، فمع أن الإجراءات قاسية لكنها ليست جديدة، فقد دفعت الشركات الألمانية ثمن الموقف الذي أبدته الحكومة العام الماضي من احتجاز رئيس وزراء لبنان سعد الحريري في الرياض.
واختتمت الجارديان افتتاحيتها بالقول إن من مصلحة الدول الأوروبية الوقوف معاً، وإخبار سلطات الرياض بأن أفعالها لن تكون دون ثمن، وعلى غرار الحملة المزعومة لمكافحة الفساد، فإن هذه الأزمة مع كندا لن توفر الضمانات والتطمينات للمستثمرين، وتحتاج مهمته لتحديث السعودية لدعم خارجي.
كما نشرت الصحيفة تحليلاً تحت عنوان “تغريدة ثم تجميد التجارة: الرياض ترسل رسالة”، جاء فيه أن الخلاف الأخير بين السعودية وكندا بدأ بتغريدة، ثم زاد ليشمل طرد سفير، وتعليق الرحلات الجوية، وتجميد الاتفاقيات التجارية. وتشير الصحيفة إلى أنه مع ذلك، فإن مسؤولين ومحللين يرون أن الإجراءات التي اتخذتها السعودية لا يقصد بها كندا تحديداً، حيث يرون أن السعودية ترسل رسالة أكثر شمولاً إلى الغرب، مفادها بأنها لن تقبل أي انتقاد لسياساتها الداخلية.
ويلفت المقال التحليلي إلى أن الخلاف بدأ عندما أعلنت وزارة الخارجية الكندية عن قلقها إزاء اعتقال نشطاء المجتمع المدني وحقوق المرأة في السعودية. وتقول الصحيفة إنه كان يجري التعامل مع مثل هذه الانتقادات من حلفاء السعودية في الأعوام الماضية في تكتم، وخلف أبواب مغلقة، مشيرة إلى أن هناك شعوراً وسط الدبلوماسيين في الرياض وغيرها من مناطق العالم العربي، بأن القيادة الجديدة في السعودية تريد التأكيد على مجموعة جديدة من القواعد في اللعبة الإقليمية.
وترى الصحيفة أن وصول الإدارة الأمريكية الحالية إلى البيت الأبيض غير الأمر برمته، حيث أعطى الموقف الأمريكي إزاء المملكة وإزاء الشرق الأوسط عامة، الكثير من الراحة للسعودية، فالولايات المتحدة ترفض نقاش حقوق الإنسان مع حلفائها أو خصومها، بالإضافة إلى أنه يبدو أن قضية حقوق الإنسان لا تلقى الكثير من الاهتمام من واشنطن. وأشارت إلى أن كندا أصبحت، دون قصد منها، وسيلة تبلغ بها السعودية رسالة تقول فيها: “لا تتحدونا في ما يتعلق بشؤوننا المحلية”.