الدوحة – بزنس كلاس:
كان واضحاً منذ اليوم الأول للأزمة الخليجية وفرض الحصار الجائر بحق الشعب القطري أن اتهامات المحاصرين الكاذبة ليست سوى مجرد غطاء لأهدافهم الحقيقية للهيمنة على القرار السيادي لدولة قطر وتحويلها إلى كيان تابع لهم. ولم يفت على أحد بأن دول الحصار حاولت حجب الشمس عن قطر لو استطاعت وقطعت كل خطوط الاتصال معها سواء السياسية أو الاقتصادية أو حتى الإنسانية لكن الدوحة كانت أكبر من تلك الدول وحصارها، فقد أفشلت الحصار بعزيمة أبناءها ووفاء الدول الشقيقة والصديقة، كما لقنت الإمارات العربية المتحدة درساً قاسياً في الأخلاق المهنية عندما استمرت الدوحة بتزويد الإمارات بالغاز المسال لمحطاتها الكهربائية حتى هذا اليوم دون أي انقطاع لتظهر للعالم بأن سياسات الإمارات الحالية تقوم على النفاق لأنها قطعت كل الإمدادات عن قطر بحجج واهية لكنها استمرت باستيراد الغاز منها متجاهلة تلك الحجج ذاتها في ازدواجية سياسية واقتصادية قل نظيرهافي العالم.
وبعيداً عن الخليج جغرفياً لكن في إطار التركيز على همومه، استضاف المعهد الملكي الكانو (The Elcano Royal Institute)، في مقره بالعاصمة الإسبانية مدريد، سعادة عبدالله بن حمد العطية، مؤسس ورئيس مجلس إدارة مؤسسة عبدالله بن حمد العطية الدولية للطاقة والتنمية المستدامة؛ للمشاركة في ندوة نظمتها مجموعة العمل في المعهد الملكي المعنية بالطاقة والتغير المناخي.
وقد شارك في أعمال الندوة سعادة السيد محمد جهام الكواري، سفير دولة قطر لدى إسبانيا، ورئيس مجلس إدارة المعهد الملكي الدكتور ايميلو دي ايسبينوسا ونخبة من الخبراء والباحثين في المعهد.
شخصيات عالمية
ووجهت الدعوة إلى سعادة العطية للمشاركة في الحلقة نقاشية التي ضمت أيضاً شخصيات عالمية في مجال صناعة الطاقة؛ إذ يُعتبر العطية من الشخصيات البارزة دولياً في شؤون الطاقة والاستدامة؛ حيث يتمتع بعضوية عدد من مجالس إدارات لعدد من الجهات الدولية المعنية بشؤون الطاقة والتعاون الدولي، كما أنه عمل في حقل الطاقة والصناعة لما يربو عن 40 عاماً، تبوأ خلالها العديد من المناصب القيادية بدولة قطر، من خلال عمله نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للطاقة والصناعة، ورئيساً لمجلس قطر للبترول سابقاً.
دور «أوبك»
وفي الحلقة التي ترأسها رئيس مجلس إدارة المعهد، أجاب سعادة العطية عن عدد من الاسئلة التي طُرحت من جانب الحضور. وحول الدور الذي تؤديه منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) في نظام النفط الجديد، قال العطية إن المنظمة لعبت منذ نشأتها دوراً مهماً بحفاظها على التوازن في أسواق الطاقة من خلال العرض والطلب، وتفادي إغراق السوق بالنفط.
صناعة الطاقة والتنمية
وفي السياق ذاته، استعرض العطية جهود مؤسسته غير الربحية المعنية بطرح رؤى مستقلة، حول القضايا التي تؤثر على صناعة الطاقة والتنمية المستدامة لتتماشى المؤسسة مع متغيرات الطاقة ومفاهيم الاستدامة، كما تضطلع بدور بارز بتواصلها مع المؤسسات ذات العلاقة لوضع الحلول المقترحة، سواء على شكل أبحاث أو دراسات أو مؤتمرات للمتغيرات العالية في شؤون الطاقة وموضوعات الاستدامة.
قطر ملتزمة
وحول الإجراءات والتأكيدات التي تبديها قطر حول عدم تأثرها باستيفاء جميع التزاماتها لتصدير الغاز إثر ما لحق بقطر جراء الأزمة الخليجية، وما إذا كانت ستؤثر على صدارة قطر العالمية في مجال الغاز الطبيعي المسال، أجاب سعادة العطية أن «قطر ما زالت ملتزمة بضمان عدم انقطاع إمدادات الغاز الطبيعي لجميع المستهلكين؛ بسبب عدم تأثر الأوضاع السياسية الراهنة بالحصار الحالي الذي تفرضه الدول المجاورة لها».
وقال: «قطر ما زالت هي المصدر الرئيسي في العالم للغاز الطبيعي المسال. وتُعد اليابان وكوريا الجنوبية والهند من أكبر زبائنها. كما أن الإمارات -وهي إحدى الدول المحاصرة لقطر- ما زالت تحصل على إمداداتها للطاقة من الغاز المسال؛ حيث تلبي قطر 30% من احتياجات الإمارات من الطاقة، وهذا يُعد دليلاً قاطعاً على التزام قطر باتفاقياتها الدولية وأن الخلافات السياسية -مهما بلغت- فإن قطر تضع ضمن أولوياتها الالتزام بالاتفاقيات التي تبرمها. وعلى الرغم من اتهام دول الحصار لقطر بالإرهاب دون تقديم أي دليل، فإنها ما زالت تتعامل معنا؛ فكيف لتلك الدول أن تتهمنا بتمويل الإرهاب وهي تدفع لنا أموالاً مقابل الحصول على الطاقة؟»
نمو اقتصادي
وأضاف العطية أن قطر تتمتع بقوة اقتصادية ومكانة عالمية في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، وهذا ما اتضح مع رفع قطر لسقف إنتاج الغاز المسال من 77 إلى 100 مليون طن سنوياً، بالإضافة لما تتمتع به الدولة من قدرة تصديرية ضخمة للغاز إلى جميع أنحاء العالم، وبالتزامن مع الأزمة الخليجية المتمثلة بقرار دول الحصار في قطع علاقاتها الدبلوماسية مع دولة قطر، والتشكيك في قدرتها على الاستمرار في ضخ الغاز ونقله للعالم، فإن قطر تجاوزت هذه التشكيكات عبر ما تمتلكه الدولة من أسطول بحري ضخم يمكن أن يمد أية بقعة بالعالم بالغاز المسال، وهذا ما يمكن أن يُبقي قطر على عرش منتجي ومصدّري الغاز المسال في العالم.
الأزمة الراهنة
وقد أجاب سعادة عبدالله العطية عن العديد من الاسئلة التي تركزت حول الأزمة الراهنة التي يشهدها الخليج، وتطرّق العطية في حديثه لبدايات الأزمة التي اشتعل فتيلها في منتصف الليل، باختراق موقع وكالة الأنباء القطرية ووضع حديث نُسب زوراً إلى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى.
وأشار إلى أنه برغم التأكيدات من قِبل الجهات الرسمية القطرية المعنية على أن التصريحات ملفقة، إلا أن دول الحصار واصلت في ترديد المعلومات المزورة، وقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وغلق الحدود البحرية والجوية والبرية، فيما بدا أنه أمر مدبر ومخطط له مسبقاً؛ إذ إن الاختراق أكدته وكالة التحقيقات الفيدرالية الأميركية (FBI).
وقال: «طالبنا -بالإضافة لأشقائنا في دولة الكويت وسلطنة عُمان- دول الحصار بتقديم الأدلة التي تثبت صحة إدعاءاتهم حول تمويل قطر للإرهاب، إلا أن تلك الدول لم تقدم سوى مزيد من الاتهامات التي لا تُبنى على أي دليل يسند صحة أقوالهم». وأوضح أن هذا الحصار قد أدى إلى العديد من الآثار السلبية التي طالت الشعوب؛ حيث قطعت الأواصر العائلية بين الأرحام، وأجبرت أصحاب جنسيات دول الأزمة على مغادرة قطر وإنهاء أعمالهم ودراستهم، بينما حرصت دولة قطر على عدم اتخاذ أي قرار من شأنه الإضرار بأفراد الدول المحاصرة على جميع الأصعدة، وهو ما أكسب قطر تعاطفاً دولياً لعدالة قضيتها وعدالة الإجراءات التي اتخذتها.
اتفاقات اقتصادية
وقال العطية: «ومن الغريب أن الإمارات -وهي إحدى الدول المحاصرة التي تتهم قطر بالإرهاب- ما زالت تتعاون معنا اقتصادياً وتستورد الغاز من قطر؛ فكيف تتهمون قطر بدعم وتمويل الإرهاب ثم تعطونها المال مقابل اتفاقيات اقتصادية؟!». وأضاف العطية أن السعودية والإمارات أصدرتا قوانين تجرّم إبداء التعاطف مع دولة قطر، وأن السعودية أصدرت قانوناً جديداً يقضي بالسجن لأي شخص يخالف الأوامر الملكية، وهو ما ظهر جلياً في سلسلة الاعتقالات الأخيرة التي طالت عدداً من الكتّاب والأكاديميين والدعاة، في دلالة واضحة على أن تلك الدول أصبحت دولاً قمعية تفرض رأياً واحداً. في حين تم استخدام قطر كبش فداء لاتهام أي شخص لا يسير على هوى السلطة، على أنه يسير في صف العدو قطر، وهي إشارات واضحة إلى أنه لا صوت يمكن أن يعلو في تلك الدول بغير ما تفرضه أو تقوله السلطة.
شراء الأسلحة
ومضى يقول: «وفي حين تتبدى العديد من الإشكاليات الداخلية التي تواجه التنمية الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، فإننا نجدها تصرف أموالا طائلة، بشراء الأسلحة والدخول في دوامة الأزمة اليمنية، عوضاً عن أن تستثمر تلك الأموال في تعزيز اقتصاديات التنمية في السعودية».
وأكد العطية أنه من المؤسف أن تقوم السلطات السعودية بتسييس مدينة مكة التي تعد مكاناً مقدساً للمسلمين؛ حيث يتم فرض عوائق على الجنسيات التي تختلف معها السعودية سياسياً، إلا أنه يجب أن تكون مكة بعيدة كل البعد عن جميع الخلافات السياسية، وأن لا يتم استخدامها ورقة تحكّم بمشاعر الشعوب الدينية، وتبدّى هذا التحكم من خلال طرد السلطات السعودية للمعتمرين القطريين؛ فما ذنب هؤلاء أن يتم منعهم وطردهم من هذا المكان المقدس!