نظرة على اقتراحات فان باستن المثيرة .. هل يمكن تطبيقها ؟

 

في وقت سابق، وبعد تكرار الأسئلة على جوزيف بلاتر الرئيس السابق للفيفا بخصوص قضية إدخال التكنولوجيا إلى كرة القدم لمحاولة تقنين اللعبة وتقليل الأخطاء التحكيمية والتي كان يرفضها بشكل قاطع، أجاب “الناس لا تحب التغيير وسوف تهاجمنا”.

وبعيداً عن قضايا الفساد التي تورط بها العجوز السويسري، وبعيداً أيضاً عن فكره المتحجر المعارض لفكرة التطوير، فإنه أصاب في جانب أن غالبية البشر بطبيعتهم يرفضون التغيير، أو بمعني أصح يخافونه، هذا ما أكدته العديد من الدراسات في علم النفس والسلوك الإنساني.

وهذا يقودنا لفهم سبب الجدل الكبير الذي دار حول مقترحات الأسطورة الهولندية ماركو فان باستن والذي يشغل منصب مدير التطوير في الفيفا، حيث وضع العديد من المقترحات المثيرة والتي قد يصل بعضها لمرحلة الغرابة، أهمها إلغاء التسلل من كرة القدم. (لمشاهدة الاقتراحات بالتفصيل اضغط هنا)

ولتوضيح مسألة مهمة، هذه ليست اقتراحات رسمية، هي مجرد بعض الأفكار من فان باستن بعد توليه منصبه الجديد والتي سيعرضها على اللجنة التي يديرها من ثم يتم عرضها على العديد من السلطات واللجان في الفيفا قبل أن يتم اتخاذ القرار النهائي في حقها، أي أنها ما زالت مجرد أفكار لا أكثر ولا أقل.

فان باستن يسعى إلى تطوير كرة القدم، فهو يرى أنه أصبح هناك روتين قد يصل لمرحلة الملل بالنسبة للمشاهد، وهو ما دفعه للتفكير في بعض الأفكار الثورية بحسب وجهة نظره، وسنحاول مناقشة الأهم منها في هذا التقرير.

إلغاء التسلل .. إذاً سنبدأ بتأسيس علم جديد في التدريب

أكثر الاقتراحات التي لاقت اعتراضاً من قبل المتتبعين والمحللين هي فكرة إلغاء قانون التسلل بهدف زيادة عدد الأهداف المسجلة، وبالتالي حصول المشاهد على متعة إضافية، هذا ما يعتقده النجم الهولندي السابق.

ما غفل عنه فان باستن أن جميع الخطط التكتيكية التي يضعها المدربين يكون التسلل جزءاً منها، فإذا لم يكن هناك تسلل، فجميع هذه الخطط ستصبح مجرد حبر على ورق لأنه لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع إذا كان يمكن لمهاجم الخصم أن يبقى متسمسراً عند حارس المرمى، أو حتى أكثر من مهاجم، مما سيخل في العملية الدفاعية والشكل التكتيكي للفريقين، كما سيكون هناك خلل واضح في انتشار اللاعبين داخل الملعب.

وإذا أردنا أن نفهم ما هي عواقب إلغاء قانون التسلل يجب علينا أن نعود للأسباب التي استدعت تطبيق هذا القانون، وأهمها هي وضع معايير واضحة لحركة اللاعبين داخل الملعب، وتجنب العشوائية في المراكز، بالإضافة إلى الحد من الأهداف الغزيرة، كما أن كرة القدم دون تسلل قد تخلق حيل تكتيكية غير سليمة وعشوائية بالنسبة للمشاهد، مثل بقاء 4 مهاجمين في منطقة الجزاء طوال التسعين دقيقة.

مسابقة المهارات بدلاً من ركلات الترجيح

فان باستن يرى أن الركلات الترجيحية لا يوجد فيها إبداع كون ركل الكرة يأخذ نفس الشكل في الغالب واللقطة بالمجمل لا تستمر سوى لثانية واحدة فقط، لذلك اقترح أن تتحول إلى قيام المنفذ بالجري بالكرة من بعد 25 متراً منفرداً بحارس المرمى الذي لا يمكنه تجاوز منطقته، ويجب أن يضع المنفذ الكرة في الشباك في مدة أقصاها 8 ثواني فقط.

في الحقيقة لا أجد مشكلة مع هذا الاقتراح، فهو بالفعل سيكون أكثر إثارة من الركلات الترجيحية، سيسمح لنا بمشاهدة احتمالات أكبر، ففي الركلات الترجيحية لا يوجد العديد من الخيارات بالنسبة للمنفذ، ولا يمكنه إظهار لمسة إبداعية سوى التسديد على طريقة بانينكا التي بدأت تفقد رونقها.

يمكن أن يكون الأمر غريباً علينا في البداية ونشعر أننا نشاهد برنامج تلفزيوني لاكتشاف المواهب، لكن في النهاية سنعتاد على الأمر، فاعتقد أن المجازفة مطلوبة أحياناً على الأقل لنكسر قاعدة جوزيف بلاتر التي جعلت كرة القدم ثابتة لا تتطور لعقود من الزمن في الوقت التي يجري تعديلات كبيرة على باقي الألعاب الأخرى.

زيادة عدد التبديلات

هو قانون تم تطبيقه بالفعل في كأس العالم للأندية، بحيث يتم إضافة تبديل رابع في الأشواط الإضافية ومن المتوقع أن يتم تطبيقه على باقي البطولات الأوروبية والعالمية في السنوات القليلة القادمة.

لكن فان باستن ألمح إلى زيادة عدد التبديلات بالمجمل وليس في الأشواط الإضافية، وذلك عندما كشف ما قاله له جوسيب جوارديولا عندما قابله “لماذا لا نجعل التبديلات 6 بدلاً من 3”.

زيادة عدد التبديلات في الوقت الأصلي يسهل المهمة على المدربين واللاعبين كثيراً، ويجعل من كرة القدم أسهل بمراحل عما هي عليه الآن، وهو أمر ليس بالجيد بالنسبة للعبة بشكل عام وللمتابعين بشكل خاص.

كما سيوسع زيادة عدد التبديلات الفجوة بين الأندية الكبيرة والصغير وحتى المتوسطة، فالأندية الكبيرة يكون لديها في الغالب 22 لاعب بجودة متقاربة، في حين أن الأندية المتوسط تكون خططها معتمدة على 11 لاعب فقط في الغالب، أما الاندية الصغيرة فتعلق آمالها على 3 أو 4 نجوم فقط.

فمثلاً لنفرض أن هناك مباراة بين ريال مدريد وخيتافي، سيقوم زيدان بإجراء 6 تبديلات خلال المباراة، هذا سيمنح لاعبيه أفضلية بدينة على الخصم الذي لن يجد 6 لاعبين على دكة البدلاء بجودة تخولهم للعب ضد فريق بحجم الريال.

طرد اللاعب بعد 5 أخطاء

إذا تم إلغاء قانون البطاقة الحمراء التقليدية فإن ذلك سيكون له آثار وخيمة جداً على اللاعبين وبالأخص المهاريين، فتدخل عنيف واحد قد ينهي مسيرة لاعب، في حين أن المتدخل سيضاف له خطأ واحد فقط.

أما إن كان يريد فان باستن أن يسير مقترحه الجديد بالتوزاي مع القانون القديم الذي يستوفي طرد اللاعب الذي يتدخل بشكل عنيف على لا آخر فأرى أن الفكرة جديرة بالاهتمام نوعاً ما.

لكن هناك مشكلة أخرى وهي زيادة تأثير الأخطاء التحكيمية على نتائج المباريات، فخلال المباراة يقوم الحكم بالعديد من الاخطاء التي لا نتذكر منها سوى عدم احتساب هدف، او عدم احتساب ضربة جزاء، أو عدم طرد لاعب، أو طرد لاعب بشكل ظالم .. ألخ، لكن أخطاء الحكم لا تقتصر على هذا الحد فقط، فيمكن احتساب خطأ ضد لاعب في منتصف الملعب ويكون القرار خاطئاً، لكن لا أحد يكترث له لأنه غير مؤثر، أما إذا تم تطبيق قانون الاخطاء الخمسة فإن تأثير مثل هذه الأخطاء التحكيمية سيكون له آثار وخيمة، وبالتالي خلق المزيد من الجدل حول هذا الأمر.

التعديل على البطاقة الصفراء

اقترح فان باستن أن يتم طرد اللاعب الذي يتحصل على بطاقة صفراء لمدة 5 أو 10 دقائق، وذلك لتقليل التدخلات العنيفة، في الحقيقة هي فكرة ليست سيئة ويمكن لها الحد فعلاً من العنف داخل الملعب وردع اللاعب عن ارتكاب مخالفات عدوانية.

لكن المشكلة هي نفسها في النقطة السابقة، تطبيق قانون من هذا النوع سيخلق مزيداً من الجدل حول القرارت التحكيمية التي ستغير مجرى المباريات، فصحيح أنها ستلعب دوراً هاماً في التقليل من التدخلات العنيفة لكن في الوقت ذاته هناك أفكار أخرى يمكن تطبيقها وستقوم بنفس المهمة دون أن يكون لها آثار سلبية.

الخلاصة

هذه أهم القرارت التي اقترحها فان باستن والتي خلقت جدلاً واسعاً ويمكن أن يكون لها تأثير حقيقي على كرة القدم سلبياً أو إيجابياً، ويبدو أن معظمهما لن يفيد كرة القدم بالقدر الذي يتخيله النجم الهولندي السابق، وستكون آثارها السلبية أكثر من الأمور التي يستهدف معالجتها.

ورغم كثرة اقتراحات فان باستن إلا أنه تغاضى عن العديد من الأفكار القوية والتي من شأنها فعلياً تطوير كرة القدم مثل البطاقة الخضراء التي تمنح للاعب الذي يقوم بمبادرة إيجابية خلال المباراة. (لمزيد من التفاصيل على البطاقة الخضراء اضغط هنا).

المشكلة أن جميع اقتراحات فان باستن كانت في أبرز قوانين اللعبة داخل الملعب التي اعتدنا وتربينا عليها، وكما ألمحت سابقاً، تعديل بعضها ليس أمراً سيئاً كما يعتقد البعض، لكن عندما تحاول تغيير معظم القوانين سيشعرنا ذلك أننا نتابع لعبة أخرى غير كرة القدم.

كرة القدم هي اللعبة الأكثر شعبية في العالم لسبب مهم جداً، وهي البساطة التي تتمتع بها، لذلك كثرة التعديل على القوانين ومحاولة تعقيدها مثل ألعاب أخرى قد يعود بالسلب.

السابق
أتلتيكو مدريد يسحق إيبار ويضع قدماً في نصف نهائي الكأس
التالي
أولوا يقترب من مغادرة ليستر سيتي والعودة إلى الليجا