بنك المقاطعين يعلن إفلاسه وحساباته شيكات بدون رصيد
الفشل المضاعف نتيجة تحصدها دول الحصار ويعلنها العالم
الميزانية تطلق الصافرة الأخيرة لإنهاء الوقتين الأصلي والمستقطع
خدمات جليلة غير مقصودة قدمها الأخوة الأعداء لقطر
المراكز المالية والتجارية تستعيد ثقلها وثقتها وصفحة العام الجديد ملأى بالعناوين
العمادي: قطر مصرة على استكمال خططها التنموية
بزنس كلاس – إسلام شاكر
مع طي صفحة عام 2017 يبدو المشهد الاقتصادي الجديد في قطر متغيرا بشكل دراماتيكي مع التغيرات المتسارعة التي شهدها خصوصاً بعد إعلان حرب اقتصادية وحصار ضد الدوحة من قبل ثلاثة دول مجاورة لها عمدت لفعل كل ما باستطاعتها كي تخنق قطر وتجعلها تركع. لكن سرعان ما اكتشف المعتدون بأنهم قدموا من حيث لا يدرون خدمة جليلة للدوحة وأهل قطر بأن الحياة لا تقتصر على شخص أو دولة ما. وليأتي الجواب القطري ليس أغاني مبتذلة وتصريحات عنترية طنانة بل أفعال هادئة لكن صارمة تؤسس لحالة اقتصادية جديدة كلياً كما توضح في الشهور الستة الخيرة من 2017 وكما سيبدو أوضح في القادم من الأيام والذي يمكن لنا أن نقرأه بوضوح من خلال الموازنة العامة لدولة قطر للعام القادم 2018.
وقد كثرت في الآونة الأخيرة التحليلات الدولية التي خاطبت الأزمة الخليجية وتداعياتها المحتملة والتي حدثت فعلاً سواء على قطر أو على المحاصرين أنفسهم لتخلص معظمها إن لم يكن جميعها إلى نتيجة واحدة وبسيطة لا يمكن التعبير عنها بصراحة أقل مما أعلنت: الحصار فشل فشلا ذريعاً وقائمة الأهداف التي وضعها المحاصرون لم يتحقق منها ولو هدف واحد على الأقل.
وكما وصفت الأمر وكالة بلومبيرغ الاقتصادية الدولية فإن قطر تمكنت من تخطي كافة تبعات الحصار الذي بات خلفها فيما قال موقع “بزنس إنسايدر” الأمريكي أن الدوحة استوعبت صدمة الحصار وامتصتها وقد بدأت الآن بالخروج نهائيا أو الانعتاق تماماً من تبعات الحصار.
فقبل ستة أشهر أعلنت المملكة العربية السعودية إغلاق حدودها البرية المشتركة مع قطر، ووجهت لها اتهامات بدعم الإرهاب، فيما سارعت الإمارات العربية المتحدة والبحرين إضافة إلى مصر بإعلان التضامن من الرياض والمشاركة بالحملة ضد الدوحة.
ويقول “بزنس إنسايدر” أن الهدف من هذه التدابير إنما كان يتمثل بمحاولة تركيع الاقتصاد القطري، ومع ذلك، فإن الخطة لم تنجح كما هو مخطط لها، وفشلت في نهاية المطاف، وفق تقرير الموقع الأمريكي.
غدر الأشقاء أقسى
في البداية، بدا أن إجراءات المحاصرين سوف تأتي ثمارها سريعاً وستنجح، حيث سرعان ما ضرب النزاع الدبلوماسي البنوك والتجارة، ومنذ الإعلان السعودي، تم سحب ما يقدر بنحو 30 مليار دولار من البنوك القطرية، وارتفعت أسعار الفائدة، وانخفضت الودائع، وسحب العملاء الأجانب ودائعهم من البنوك القطرية ونقلوها، وانخفض إجمالي الودائع من 184.6 مليار ريال (50.7 مليار دولار) في بداية يونيو إلى 137.7 مليار ريال.
كما عانت التجارة في البداية أيضا، إذ كان ميناء جبل علي الإماراتي قبل الخلاف الدبلوماسي، ميناء التغذية بالنسبة إلى قطر، ثم بعد المقاطعة لم يعد بإمكان قطر الاستيراد أو التصدير من جبل علي، وكان ذلك ضربة لئيمة لبلد يستورد الغالبية العظمى مما يحتاجه من السلع الاستهلاكية، فالسفن الكبيرة ليست قادرة على الرسو في المياه الضحلة في قطر، ما أوجب على خطوط الشحن أن تستخدم موانئ تغذية بديلة لتسلم وتسليم البضائع والخدمات.
امتصاص فوري للصدمة
لقد أسعفت مبالغ كبيرة من الأموال والاحتياطيات الحكومية القطرية، اقتصاد الدوحة ومكنته من استيعاب الصدمة الأولية. في الواقع، وحسب “بزنس إنسايدر” فقد أنفقت الحكومة القطرية حوالي 38.5 مليار دولار لدعم الاقتصاد. وبلغت احتياطيات وسيولة البنك المركزي 45.8 مليار دولار في مايو/ أيار وأخذت في التراجع خلال شهري يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز. لكن بعد ذلك أخذت الأحوال منحى عكسي. فقد بدأت الاحتياطيات المالية والسيولة منذ ذلك الحين في التعافي وأصبحت 36.1 بليون دولار. ومن الأمور الحيوية أيضا صندوق الثروة السيادية الخاص بدولة قطر “جهاز قطر للاستثمار” والذي تبلغ قيمة استثماراته حول العالم أكثر من 300 مليار دولار (منها 180 مليار دولار سائلة).
وبالفعل فقد تحسنت الأزمة المصرفية في قطر إذا لم نقل أنها انتهت، وساعدت ودائع القطاع العام وحقن البنك المركزي على التخفيف من حدة مشكلات السيولة، فيما تواصل البنوك إعطاء الأولوية لتأمين تمويل إضافي طويل الأجل للعمليات.
وعادت التجارة بسرعة وبطريقة أكثر ديناميكية من السابق أيضا. فقد استعانت قطر بميناء صحار العماني كميناء تغذية جديد وبدأت بالفعل في إنشاء خدمات التخزين والخدمات اللوجستية هناك.
كما سارعت تركيا وإيران لفتح خطوط مباشرة بالإمدادات الغذائية إلى قطر. وفي الوقت نفسه، أقامت قطر خطوط شحن مباشرة مع موانئ في الهند وإيران وتركيا وعمان والكويت وباكستان وماليزيا وتايوان. ومن المتوقع أن يتم قريبا توجيه المسارات إلى دول شمال أفريقيا مثل تونس والمغرب.
نوافذ أمل مفتوحة
وعلى الرغم من أن الإجراءات المتخذة ضد قطر ربما لم تحقق ما كان يأمل المخططون لها لا بل أصابتهم بخيبة أمل عميقة، فإن المؤسسات المالية، مثل صندوق النقد الدولي، ما زالت تتعامل مع الأزمة بحذر ربما يكون مبالغاً فيه مع تحذير الأخير من أن استمرار الأزمة قد يقوض ثقة المستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام.
وكان اقتصاد قطر، كما سائر الاقتصاديات في منطقة الخليج العربي، يتباطأ حتى قبل أن تقطع المملكة العربية السعودية العلاقات الدبلوماسية، وذلك كنتيجة طبيعية لانخفاض أسعار الطاقة، لكن القطاعات غير النفطية في اقتصاد قطر —مثل البناء والصناعة التحويلية والزراعة والخدمات- من المتوقع أن تنمو بنحو 5٪ في عام 2017، وهو سبب قوي يجعل الدوحة سعيدة أن خططها لتنويع الاقتصاد بدأت تعطي مفعولاً على أرض الواقع.
وتشير الاتفاقات الأخيرة المبرمة التي وقعتها دولة قطر مع المملكة المتحدة وفرنسا والتي تتجاوز قيمتها 24 مليار دولار إلى أن كثير من البلدان ما زالت تثق إلى حد كبير بالاقتصاد القطري وقوته، حسب “بزنس إنسايدر” الذي يضيف في تقريره بأن قطر قد تمكنت قطر من مقاومة تكتيكات المملكة العربية السعودية وإفشالها. وأن الدوحة كان لديها ما يكفي من المال للحفاظ على اقتصادها ليس واقفا على قدميه فحسب، بل والاستمرار بمسيرة النمو. كما يبدو جلياً أيضا أن الدوحة نجحت في إعادة توجيه نفسها لاستيعاب الواقع الجديد.
رب ضارة نافعة
من الواضح الآن بأن قرار فرض الحصار الجائر ضد الدوحة انتهى بأنه خدمة جليلة من الدول الأربع إلى قطر، قدمتها لها على طبق من ذهب. وهو ما أكده وزير المالية القطري علي شريف العمادي، في مقالة له بمجلة “نيوز ويك” الأمريكية، حين قال إن هذا القرار شكّل حافزا للتفكير بطريقة مغايرة وسببا لفرص تجارية ودبلوماسية جديدة. وأشار كذلك إلى أن حالة الحصار خلقت فرصا جديدة في مجال السفر الجوي، كما دشنت قطر في ظل قيود المجال الجوي خطوطا تجارية جديدة سجلت كفاءة عالية، مع توسيع نطاق خدماتها في أسواقها الحالية العالية الربحية، وإضافة 24 سوقا جديدة.
لكن هذا النجاح القطري في معالجة ملف الحصار وتبعاته ليس سوى مقدمة أو أساس يبنى عليه لاستراتيجية اقتصادية مستقبلية تعفي الدوحة من أي صدمات مستقبلية مماثلة سواء من الأشقاء أو سواهم وهذا ما بدا واضحاً في ميزانية العام الجديد 2018 التي تعمق البعد الاستراتيجي لتنويع الاستثمار القطري والتركيز على الاستثمار سواء داخل البلاد أو خارجها في استغلال مثالي لفوائض أرباح الغاز المسال الذي يلعب حالياً دور البطولة في الاقتصاد القطري.
فقد اعتمدت قطر أكبر موازنة في تاريخها لتطوّق بذلك الحصار الذي فرض عليها منذ أكثر من 6 أشهر. وشملت موازنة 2018 العديد من المؤشرات والأرقام المهمة التي تؤكد على استقرار الاقتصاد القطري واستمرار الدولة في مشروعاتها الاستراتيجية دون التأثر بالحصار، بل والتوسع في العديد من القطاعات، ومنها الأمن الغذائي وزيادة الإنفاق على البنية التحتية والمشروعات الإنشائية وتنشيط الاستثمارات.
وفي هذا السياق، فقد كشفت أرقام الموازنة أن إيرادات الدولة خلال عام 2018 يتوقع أن تصل إلى 175.1 مليار ريال (48.1 مليار دولار)، لتسجل بذلك ارتفاعا قيمته 2.9%، مقارنة بالإيرادات المسجلة في عام 2017. وذكرت وزارة المالية أن السبب وراء هذا الارتفاع يرجع إلى ارتفاع العائدات غير النفطية.
الميزانية الأضخم تاريخياً
وأكد رجل الأعمال القطري البارز، أحمد الخلف أن موازنة قطر الجديدة هي الأكبر في تاريخ البلاد، ما يعكس قوة الاقتصاد ونجاح الحكومة في امتصاص تداعيات الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على الدوحة منذ الخامس من يونيو/ حزيران الماضي. وتوقع الخلف زيادة الإيرادات عن الرقم المحدّد بالموازنة، لأنه تم احتساب سعر البرميل بـ45 دولاراً، في حين يدور سعره حاليا حول 60 دولاراً، مشيراً إلى أن قطاع الطاقة المصدّر لم يعد المصدر الوحيد للدخل بعد أن اهتمت الحكومة بقطاعات أخرى، مثل الصناعة والسياحة.
تقدر قيمة النفقات المتوقعة خلال عام 2018 بمبلغ 203.2 مليارات ريال (نحو 55.8 مليار دولار)، بارتفاع نسبته 2.4% مقارنة بالنفقات المسجلة في عام 2017، التي بلغت 198.5 مليار ريال، ويرجع السبب في هذه الزيادة إلى تدشين عدد من المدارس والمرافق التعليمية الجديدة، إضافة إلى مراكز صحية ومستشفيات جديدة، وتوسعات جارية بمرافق أخرى. وقال الخلف إن زيادة الإنفاق ستحسن من معيشة القطريين، بالإضافة إلى أن زيادة مخصصات دعم الزراعة والصناعات الغذائية ستعزّز الأمن الغذائي للبلاد. وأوضح الخلف أن الموازنة الجديدة ستساهم في تنشيط الاستثمارات وجذبها.
من جانب آخر، تتوقع الموازنة الجديدة أن يبلغ العجز 28.1 مليار ريال، ما يعادل 7.6 مليارات دولار، بانخفاض نسبته 1.1% مقارنة بالعجز المسجل خلال عام 2017، الذي بلغ 28.4 مليار ريال، وسيتم تمويل هذا العجز من خلال إصدارات الدين. وفي هذا الصدد، أكد نائب رئيس غرفة قطر السابق عبد العزيز العمادي أن قطر تجني ثمار الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها عقب الحصار الذي فرض عليها منذ نحو نصف عام، مشدّداً على أن تراجع العجز رغم الظروف التي تعيش فيها البلاد مؤشر على متانة الاقتصاد القطري ونجاح الحكومة في تنويع مصادر الدخل.
استكمال خطط التنمية
ووصل إجمالي قيمة النفقات على المشاريع الرئيسية في الموازنة الجديدة إلى 93 مليار ريال، وهو المستوى نفسه تقريباً المسجل في عام 2017، وتستأثر تلك المشاريع بأكبر حصة من إجمالي النفقات، بنسبة 45.8%. وأوضح العمادي أن إصرار قطر على المضي قدماً في تنفيذ المشروعات الكبيرة بهدف استكمال خططها التنموية، بالإضافة إلى استكمال الاستعدادات لاستضافة كأس العالم 2022، يعكس أن البلاد لم تنكفئ على مشاكلها الداخلية بعد الحصار، بل واصلت البلاد خططها التوسعية وأفشلت خطط دول الحصار الأربع في ضرب الاقتصاد.
وحصلت مشاريع المواصلات والبنية التحتية على أكبر حصة في موازنة عام 2018 بقيمة 42 مليار ريال (نحو 11.5 مليار دولار)، وهو ما يمثل نسبة 21% من القيمة الإجمالية للنفقات. أما الأجور، فزادت إلى 52.2 مليار ريال (14.4 مليار دولار)، بارتفاع نسبته 8.8% مقارنة مع مخصصات بلغت 48.0 مليار ريال في موازنة 2017.