منزل يشبه «الوجبة» الصيفية الطازجة!

 

بعض البيوت تشبه الفاكهة الغريبة « الأكزوتيك »… ليس في ألوانها أو في أشكالها فقط، وإنما أيضاً في نكهتها ومذاقها .
بالتأكيد أكثر ما تنطبق عليه هذه المواصفات هو المنزل المكسيكي في « سايوليتا » ، وتزداد غرابته حين نرى أن الباطون المسلح لعب الدور الأساس في تأمين مرافقه وأركانه وجعلها مثالية للراحة والاسترخاء، وهو ما يعتبر من تقاليد العمارة والديكور في تلك المنطقة السياحية على الشاطئ المكسيكي الساحر .

على أي حال، ينبغي لنا أن نتحقق من هذه الوقائع، والتي ترسم لنا صورة مشرقة لمفهوم الراحة والاسترخاء وعلاقته بالعناصر وخيارات المواد.
فالمسألة هنا تبدو أكثر وضوحاً، حيث إن تراثاً ثرياً يقف خلف هذه المظاهر ويدعمها ويؤسس بالمشاركة معها مفهوماً زخرفياً آسراً ومتماسكاً ومواكباً لمتغيرات العصر وخصائص أنشطته في كل مستوياتها.

ولكي نغادر هذه التوصيفات الشاعرية، لا بد لنا من التعرف أكثر الى واقع «سايوليتا»… إنها مكان يصح أن نطلق عليه «قرية» كما يصح أن نطلق عليه «مدينة».

قرية تتبدى مظاهرها في نزهة على الأقدام لا تتعدى الخمس دقائق الى خمس عشرة دقيقة ستكون كافية ليغمرنا الشعور – من خلال هدوئها الملحوظ – بأننا نمضي إجازة فريدة في مكان مميز… ومدينة حيث تتوافر فيها كل المتطلبات اللازمة لتمضية وقت ممتع من دون أن نفتقد ما اعتدنا عليه… أضف الى ذلك أن منتجع «بويرتو فالارتا» على «ريفييرا ناراييت» الشهيرة، لا يبعد أكثر من 40 كيلومتراً، حيث يوجد مطار وكل الوسائل المتاحة في المدن. لذا فإن هذه الناحية من الشاطئ المكسيكي تعتبر قُبلة الزوار لاحتفاظها بالخصائص والسمات المكسيكية الأصيلة.

هنا نرى ألوان المنزل في الداخل تبدو وكأنها امتداد للألوان المنتشرة في الشوارع، من مقاهٍ ومطاعم وغيرها من أماكن الخدمات المتوافرة. وحين نصف هذه الألوان بـ»الأكزوتيك» فلأنها بالفعل كذلك، وربما تكتسب هذه الصفة شرعيةً أكبر حين نجد أن هذه الألوان مستمدة في واقع الأمر من ألوان النباتات والفاكهة «الأكزوتيك». ومن هذا المنطلق أيضاً، يبدو أن من الطبيعي أن يكون شكل المنزل نفسه منسجماً مع هذه التأثيرات.
وحين نتحدث عن شكل المنزل، فإننا هنا نشير، ليس فقط الى الهيكل الهندسي المعماري، وإنما أيضاً الى الداخل الزخرفي بكل تنسيقاته وتوزيعاته، والخيارات التي جعلت من هذا المنزل أشبه ما يكون بالمرجع للروح الزخرفية المكسيكية.


ذلك أن امتزاج الهندسة بالزخرفة، هو نتيجة طبيعية لخصائص بيئية لا بد من التناغم معها ومراعاة ظروفها ومزاجها وتلبية متطلباتها التي تشكلت عبر الأزمنة من مزيج من التقاليد والعادات والمواقف، وأيضاً من استيعاب عميق لمعطيات المناخ والأجواء الطبيعية والاجتماعية.

على أن المسألة الأكثر إثارة في هذا المنزل، هي «هيمنة» الباطون المسلح على كل ما عداه من المواد المستخدمة، ومصدر الإثارة هنا هو عملية تطويع الباطون لكي يعطي النتائج الزخرفية المطلوبة من حيث الراحة والسلاسة، وبالطبع الرفاهية الى جانب أناقة قد تبدو «بدائية» ولكنها تمتلك كل شروط الحداثة والعصرية.

على أنه سيكون من غير المجدي التوقف عند التفاصيل أو تأملها، ليس بسبب غيابها أو انتفاء دورها، ولكن لأن هذا المنزل هو كلٌ مترابط، كل ركن فيه يؤازر الركن الآخر، بالانفتاح أو بالمشاركة. فلا غرابة في أن نجد مسطح العمل في المطبخ – مثلاً – يشبه المقعد الطويل في «تراس» الاستقبال، أو درجات السلّم المؤدي الى الدور الأعلى. قد يبدو القول بهذا التشابه ضرباً من الغرابة، ولكنه ينتفي حين نرى أن الباطون المسلح هو المشترك الصلب بينهما، وأن ما يفرق هنا ليس سوى طرائق الاستخدام.


فمسطح العمل في المطبخ تعلوه الكؤوس والصحون، وبالطبع حوض الغسيل «المجلى»، بينما في ركن الاستقبال تعلوه أرائك ووسائد بأقمشة ملونة ترفد الإطار العام للمنزل بنغمات لونية مضافة.

وحين نقول بـ«هيمنة» الباطون المسلح، فإننا سنجد حضوره الطاغي في كل ركن ومساحة لا ننتظره فيها، بينما يأتي غيابه عن السقوف العليا ليشكل المفارقة الكبرى حيث موقعه الطبيعي والمعتاد.

على أن الخصوصية التي يوفرها القسم الليلي في المنزل، لا تحجب نسمات الهواء المتوقعة ليلاً، لتجد نوافذ أشبه بالواجهات المفتوحة لغرف النوم العديدة.
أما القسم النهاري فتتوزعه جلسات عديدة وأركان مفتوحة من كل الجهات تشكل تهوئة طبيعية لكل المساحات. وبالتأكيد، فإن بساطة الأثاث الذي تم اختياره للمنزل، لم تختزل أسباب الراحة المطلقة.
فكل عنصر هنا، لا يشكل فقط ضرورة لتأمين الاحتياجات اليومية، بل هو أيضاً ضرورة لكمالية العمل الزخرفي الذي يتراجع في مشهديته هنا ليوفر تقديماته هناك.

كل الأسباب المطلوبة لتمضية أوقات ممتعة، يوفرها هذا المنزل – النموذج. ولعل أول تقديماته، هو تكريس المشاركة كفكرة تميز أوقات الإجازات الطويلة والقصيرة، فنجد – مثلاً – أن مساحات المعيشة كلها قد تحولت الى «تراسات» تستفيد من حضور المسبح. والمسبح بدوره تحول الى امتداد مائي للمطبخ وأركان الجلوس والطعام، وبالتأكيد لغرف النوم أيضاً.


ومثل هذه العملية التي قد تتطلب دراسة وبراعة في أي مكان آخر، نجدها هنا في هذا المنزل وكأنها مسألة بديهية بل طبيعية الى أبعد الحدود.
لذا فإن غياب التكلف والتعقيد هنا، يعتبر أحد التقديمات الأساسية التي يوفرها المنزل لطلاب الراحة والتأمل والاسترخاء.
ومثل هذا الواقع لا يستطيع التعامل معه إلا أصحاب التجربة الثرية والبراعة المشهودة، وفوق هذا كله من يمتلك حاسة «التذوق» لجماليات محلية ذات حصرية تمليها ليس الجغرافيا فحسب ولكن التاريخ أيضاً، وهذا ما يتوافر لمهندس مثل «باتريزيو فراندياني» الذي استطاع، وبحرفية باهرة أن يُخرجنا من أجواء النظريات الجمالية المتداولة والتصنيفات والمدارس والطرز والأساليب، وأن يحملنا الى أجواء فيها من العفوية ما يجاور البراءة… فهو هنا يقدم لنا ليس «جاط» فاكهة فحسب وإنما وجبة صيفية طازجة.

السابق
اضرار نقص شرب الماء.. لا تهمليها
التالي
بهذه الطريقة ردت بريتني سبيرز على منتقدي قصة حياتها!