المنامة – وكالات – بزنس كلاس:
تعلق البحرين، المملكة الخليجية الجزيرية في أزمة كبيرة. ويتجاذب كل من إيران والسعودية ثوب البحرين، في خضم تنافسهما في الشرق الأوسط؛ حيث يمتلك كل منهما درجة من التواصل والتأثير على شعب البحرين وأراضيها.
وغالبا ما يتدخل جيرانها الأثرياء، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، في كيفية حكم وتصرف أسرة “آل خليفة” الحاكمة في كل من سياسات البلاد الداخلية والخارجية. ويدير الحكام من الأقلية السنة الأغلبية الشيعية من الشعب. وبالنسبة للاقتصاد، فيعتمد على عدد كبير من العمال الأجانب يفوقون عدد المواطنين في البلاد. كما يعتاد حكام البحرين طلب المساعدة في إدارة البلاد، وهم بحاجة إلى مساعدة اقتصادية الآن مرة أخرى.
الاقتصاد في ورطة
ويوجد في البحرين نحو 1.5 مليون شخص يعيشون على 771 كيلومتر مربع (297 ميل مربع) من الجزر، قبالة سواحل السعودية في الخليج العربي. وحتى اكتشاف النفط في الجزر أواخر عشرينيات القرن الماضي، كان الدخل القومي يعتمد في المقام الأول على تجارة التمور واللؤلؤ. واليوم، يعتمد اقتصادها بشكل كبير على النفط والغاز الطبيعي، كما أصبح الاقتصاد مضطربا تحت وطأة تراجع الدعم الحكومي.
وتواجه البلاد الآن مشكلة ديون غير مستقرة، ناجمة عن انخفاض أسعار النفط من عام 2014 إلى 2017، والميزانيات الوطنية التوسعية التي ساعدت في السيطرة على السكان، الذين غالبا يظهرون السخط والاضطراب. وبلغ الدين العام في البحرين 89% من إجمالي الناتج المحلي، البالغ 33 مليار دولار تقريبا في عام 2017، في حين بلغ العجز المالي للحكومة 13% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل الدين العام إلى 100% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2019، وهو خط أحمر لم تشهده من قبل دول مجلس التعاون الخليجي الغنية بالنفط. وتواجه البحرين أيضا احتياطيات منخفضة من العملات الأجنبية. وفي يونيو/حزيران 2018، كان لدى البلاد ما يكفي لتغطية 1.5 شهر فقط من الواردات.
وبالإضافة إلى ذلك، وصل الدينار البحريني إلى أدنى مستوياته خلال العام الماضي، وهي مستويات لم تشهدها البلاد منذ 17 عاما.
ويزيد هذا الانخفاض من القلق في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، بسبب أن ربط عملة البحرين بالدولار أصبح مهددا، وبسبب أن الخوف وعدم الاستقرار المرافقين لهذا الأمر قد يضران بربط عملاتهم أيضا بالدولار؛ حيث يربط 5 من أصل 6 أعضاء عملتهم بالدولار.
وربما كان الخوف من هذه العدوى النقدية، وانخفاض الاحتياطيات، والدين المرتفع، من بين الأسباب التي جعلت الإمارات والسعودية والكويت اتفقت هذا العام على برنامج غامض “لدعم الاستقرار المالي في البحرين”، وهو تكرار مماثل للتمديد الذي قدمته هذه الدول إلى البحرين وعمان في الأشهر الأولى غير المستقرة من الربيع العربي عام 2011.
عيوب أساسية
ويعاني اقتصاد البحرين من مشاكل هيكلية عميقة، ويحتاج إلى إصلاحات واسعة النطاق. وعلى الرغم من ثروتها المرتفعة للفرد الواحد، فإن الاقتصاد يعمل مثل ذلك الموجود في بعض البلدان غير المتوازنة في الشرق الأوسط، مثل الأردن، بسبب عدم الكفاءة والبيروقراطية المتضخمة.
وفي البحرين، توجد فجوة أجور بين القطاعين العام والخاص، تقع في المرتبة الثانية بعد الكويت في الشرق الأوسط، مما يعني أن كلاهما لديه عدد كبير من الموظفين في القطاع العام. وفي حين أن أسعار النفط قد تعافت إلى حد ما خلال العام الماضي، لم تحافظ الحكومة على إجراءات الدعم اللازمة لبناء قطاعها غير النفطي. ويتوقع صندوق النقد الدولي ركودا تاما بالنسبة لتلك الجبهة خلال العام المقبل.
وبالإضافة إلى ذلك، يصعب تنفيذ الإجراءات التي يفرضها مجلس التعاون الخليجي كجزء من حملة التنويع، مثل فرض ضرائب أعلى وتخفيض الدعم، رغم أن الحكومة تحاول الخروج من المعضلة الاقتصادية. وتعتبر السيطرة على السكان هدفا رئيسيا، لأن التراجع الدوري في الدعم المالي للمياه والكهرباء أدى في بعض الأحيان إلى إثارة المزيد من المشاعر المناهضة للحكومة. وتم تحديد ضريبة القيمة المضافة على مستوى البلاد في الأصل لتبدأ في يناير/كانون الثاني 2018، لكن الحكومة أجلت تنفيذها حتى عام 2019، ويمكن تأجيل البدء أكثر من ذلك.
وحتى القطاعات المتعافية في اقتصاد البحرين، مثل قطاعها المالي، الذي اهتمت به ورعته لعقود، فإنه ينتظر منافسة قوية من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. ووصف صندوق النقد الدولي تكنولوجيا الخدمات المالية في البحرين بأنه يمثل فرصة واعدة، لكن الدولة الصغيرة لن تكون قادرة على البقاء متقدمة في السباق على دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، التي تركز بقوة على قطاعاتها المالية، حيث تعجل في تنويع محركاتها، مع تزايد المنافسة العالمية في مجال التمويل الإسلامي.
ممزقة بين قوتين
ولطالما ارتبطت البحرين بعلاقة عميقة بالسعودية، وكان الكثيرون يشيرون إلى البلاد، مازحين، باعتبارها دولة تابعة للمملكة.
وإلى جانب القرب الجغرافي، فإن هذه الروابط تشمل روابط عرقية وقبلية، تربط العائلة الحاكمة في البحرين بالنخبة الحاكمة في المملكة العربية السعودية. وينحدر آل خليفة في البحرين من قبائل “عنيزة”، التي هاجرت إلى شواطئ الخليج العربي من قلب شبه الجزيرة العربية. كما تعمل الجزر كمتنفس للسعوديين الذين يسعون إلى الابتعاد عن الحواجز الاجتماعية والقانونية الصارمة في المملكة، تجاه أنشطة مثل شرب الكحول. وللوصول إلى الجزر، يمكن للسعوديين أن يأخذوا جسر الملك فهد الضخم، الذي يعد رابطا رمزيا بين الرياض والمنامة بطول 25 كم.
وعبر الخليج العربي، تقع إيران، التي تعود علاقاتها مع البحرين إلى قرون. وخلال الفترة من القرن الثالث إلى السابع، تراجعت المجتمعات التجارية في الجزر تحت حكم الإمبراطورية الفارسية الساسانية، كما أن هذه الروابط الدائمة بين طهران والمنامة تلعب دورا في دفع السعودية إلى زيادة نفوذها وملكيتها على البحرين. بالإضافة إلى ذلك، ازدادت الأغلبية العربية الشيعية في البحرين مع هجرة أعضاء تلك المجموعة من المناطق الساحلية الجنوبية الغربية لإيران في القرن العشرين.
واليوم، تشعر إيران بعلاقات عميقة مع غالبية السكان الشيعة. وخلال العقود الماضية، حاولت في بعض الأحيان التواصل مع الناشطين الشيعة المناهضين للحكومة. وأبرز مثال على ذلك هو الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين في أوائل الثمانينيات، والتي سحقتها العائلة الحاكمة.
وفي أعقاب الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، تم تشكيل مجلس التعاون الخليجي. وتخشى الدول الأعضاء فيه من التطور الاقتصادي الإيراني، وتعميق المعارضة الجيوسياسية لدول النفط العربية.
ويكمن هذا التخوف وراء العلاقة السياسية العميقة بين الرياض والمنامة. ويرى أعضاء المجلس أن البحرين حلقة ضعيفة قد تحاول إيران استخدامها للوصول إلى بقية شبه الجزيرة العربية، وأن نشر قوة “درع الجزيرة” في البحرين عام 2011 يعكس ذلك الخوف. بالإضافة إلى ذلك، فإن دعمهم يحمي نظاما ماليا خليجيا آخر يتبنى خط السياسة الخارجية السعودية والإماراتية علنا وبصوت عالٍ.
صعوبات مستمرة
ولدى البحرين برلمان صاخب، مما يشير إلى كمية كبيرة من المعارضة العامة التي تغلي في البلاد. ووسعت أسرة “آل خليفة” سيطرتها بشكل مطرد منذ أن انتهت الحماية البريطانية على الجزر في منتصف القرن العشرين، وتمتلك الآن كل قوة سياسية ذات مغزى في البلاد. وسوف يشمل الحدث الأكثر أهمية في هذا الربع من العام تعزيز مساعدات مجلس التعاون الخليجي، بعد أن يقوم أعضاء الكتلة الإقليمية بصياغة الميزانيات الوطنية.
وفي النهاية، لا تزال السعودية والإمارات يميلان بقوة إلى توسيع نطاق هذه المساعدات، لأنهما يرغبان في إبقاء المشاكل الاقتصادية في البحرين تحت السيطرة، ويرغبان في الحفاظ على قوة البحرين كحصن ضد التأثير الإيراني. لكن هذه البلدان أيضا في خضم إصلاحات اقتصادية عدوانية خاصة بها، ومن المحتمل أن تطغى طلبات الإصلاح المالي على أي مساعدات خارجية. وسوف تتماشى هذه التدابير مع التحركات القوية بشأن الضرائب والإعانات التي تقدمها كل بلد. وسوف تساعد هذه المساعدات، إلى جانب ارتفاع أسعار النفط، على بقاء البحرين على قيد الحياة، ولكنها تحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير لكي تزدهر.