معركة الموصل تطوي صفحة داعش “عراقياً”

بزنس كلاس – العراق – وكالات:
يستعد العراق لطي صفحة عنف دموية امتدت على طول ثلاث سنوات على الأقل في مدينة الموصل، معلناً نهاية تنظيم داعش “عراقياً” بعد الاستيلاء على آخر وأهم معاقله بالعراق مدينة الموصل. لكن الثمن الذي دفعته المدينة بشراً وحجراً كان باهظاً جداً كلفها آلاف الأرواح ومئات المليارات لمدينة عريقة طالما اعتبرت أيقونة شمال بلاد الرافدين.
انتهت معركة الموصل، أو كما يقال بالمصطلحات العسكرية، أصبحت مدينة الموصل ساقطة عسكرياً وانتهى وجود داعش في معقله الرئيسي في العراق، بعد تسعة أشهر من القتال المحتدم الذي حشدت فيه القوات العراقية تشكيلاتها من الجيش والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب، فضلاً عن مليشيا “الحشد الشعبي”، بدعم أميركي بريطاني فرنسي كندي أسترالي، ضمن خطة عسكرية سياسية اشتركت فيها القوات الكردية “البشمركة”، في أول تجربة قتالية إلى جانب القوات العراقية في المعركة الواسعة التي انطلقت في 17 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي. لكن قصة الموصل ومأساتها لا تختصر بتسعة أشهر من الحرب ضد “داعش”، بل تبدأ بالشكوك الكبيرة التي حامت حول ما يقول كثيرون إنه “تسليمها”، بما ومن فيها قبل ثلاث سنوات من حكومة نوري المالكي إلى تنظيم “داعش” في غضون ساعات استسلامية، شكلت صورها وتسريباتها فضيحة كبرى. والغموض في ملف سقوط الموصل، وعدم محاسبة المتسببين بذلك، يقابله وضوح في حجم الخسائر البشرية والاقتصادية التي ألحقتها معركة تحريرها بالقوات العراقية ومليشيا “الحشد الشعبي”. وتسببت المعارك، بحسب إحصاءات عراقية، بمقتل أكثر من 24 ألف رجل أمن وعنصر في الجيش العراقي، عدا عن آلاف القتلى من مليشيات “الحشد الشعبي” وقوات البشمركة والقوات العشائرية المناهضة للتنظيم، نسبة كبيرة منهم سقطت في معركة الموصل. وكشف عضو اللجنة المالية في البرلمان، سرحان أحمد، في حديث مع “العربي الجديد”، عن خسائر مالية صادمة تكبّدها العراق بسبب اجتياح “داعش” لمدنه واحتلالها. وأوضح أن “الخسائر المالية تبلغ نحو 100 مليار دولار، منها 15 مليار دولار خسرها العراق كإنفاق على الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات، بينما تتمثل الخسائر الأخرى بتفجير وتدمير حقول نفطية ومنشآت وبنى تحتية، كالجسور والمصانع والطرق وشبكات الماء والكهرباء والمجاري والاتصالات والمباني الحكومية والجامعات والمدارس والمستشفيات والممتلكات العامة والخاصة للمواطنين”.

كما أظهرت الأرقام مقتل أكثر من 100 ألف عراقي بسبب الحرب مع تنظيم “داعش” المستمرة منذ ثلاث سنوات، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال. وبحسب مصادر طبية محلية، فإن أكثر من عشرة آلاف مدني سقطوا بين قتيل وجريح في الموصل وحدها خلال تسعة أشهر من المعارك المتواصلة. وذكر الناشط في مجال حقوق الإنسان علي بكر، وهو محامٍ من نينوى، أن “الشيء شبه الوحيد بين الموصل اليوم والموصل قبل احتلال داعش والعمليات العسكرية، هو موقعها على الخارطة”، مشيراً لـ”العربي الجديد”، إلى أن “أغلب أحياء المدينة، وخصوصاً الغربية منها، سُويّت بالأرض. وتحوّل كثير من المنازل والوحدات السكنية والتجارية إلى مقابر للمدنيين”. ولفت إلى أن “القوات العراقية استخدمت أكثر من نصف ترسانتها العسكرية في الموصل، التي تعرّضت لقصف جوي ومدفعي كثيف على مدى أكثر من 230 يوماً من القتال المتواصل”. وكشف عن “استخدام القوات العراقية للأسلحة المحرمة خلال المعارك، فضلاً عن تنفيذ بعض تشكيلات القوات العراقية ومليشيا الحشد الشعبي عمليات إعدام جماعية بحق المدنيين بذريعة الانتماء أو التواطؤ مع تنظيم داعش”. وذكر بكر بأن “داعش ارتكب جرائم قتل فادحة بحق المدنيين من الرجال والنساء والأطفال الذين حاولوا خلال المعارك الهروب من الأراضي التي كانت تحت سيطرة التنظيم، الذي كان يقصف الأحياء الخارجة عن سيطرته بقذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا”.

وقد اشترك في المعركة نحو مائة ألف عنصر أمن عراقي، فضلاً عن 40 ألف مقاتل كردي، وحوالي 16 ألف مقاتل من المليشيات الموالية للحكومة، وبدأ التخطيط للمعركة التي انطلقت من قاعدة القيارة العسكرية (جنوب الموصل). المعركة التي أعلن عنها رئيس الوزراء حيدر العبادي بصفته القائد العام للقوات المسلحة، وسمّاها “قادمون يا نينوى”، انطلقت من محاور عدة، هي محور تل أسقف، من الجهة الشمالية للموصل، واشتركت فيها قوات كردية وقوة من الجيش العراقي، ومحور فايدة من الشمال أيضاً الذي كانت تتمركز فيه القوات العراقية، ومحور بعشيقة، شمال شرقي الموصل، وانطلقت منه قوة من حرس نينوى التي يقودها محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي بدعم من القوات التركية المتواجدة هناك، ومحور الخازر الشرقي الذي انطلقت منه قوات كردية بدعم أميركي للسيطرة على بلدة برطلة ذات الغالبية المسيحية، ومحور الكوير الجنوبي الذي انطلقت منه قوة مشتركة من البشمركة والجيش ومقاتلي العشائر، ومحور القيارة، جنوب الموصل، الذي تمركزت فيه قوات جهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية، ومحور الكسك الغربي الذي انطلقت منه قوات كردية، ومحور تلعفر الذي أسندته الحكومة العراقية لمليشيا “الحشد الشعبي”.

عمليات تحرير الموصل جاءت بعد نحو 3 سنوات من سقوط المدينة بيد تنظيم “داعش”، الذي احتل الموصل بعد أشهر طويلة من عمليات الانتهاكات الواسعة التي كانت تطاول السكان المحليين على يد القوات التابعة للحكومة التي كان يرأسها نوري المالكي، والتي كانت تتمثل بعمليات قتل واغتيال وخطف واعتقال عشوائي وابتزاز. ولا ينكر قائد القوات البرية العراقية أثناء سقوط الموصل، الفريق أول ركن علي غيدان، الدور السيئ للقيادات الأمنية في المدينة قبل سقوطها بيد “داعش”، موضحاً خلال مقابلة متلفزة أنه “كان يبلّغ الحكومة العراقية في بغداد بذلك، لكنها لا تفعل شيئاً”. وأشار إلى أن “الحكومة العراقية اختارت الصمت، وعدم الحديث عما كان يجري في الموصل”، موضحاً أنه اقترح أن يتم استبدال القيادات العسكرية في ذلك الحين لكن طلبه “رفض من قبل المالكي”. ولفت إلى أن “القيادة الميدانية في الموصل كانت من أهم أسباب سقوط المدينة”، محمّلاً جميع الضباط المسؤولية عن ذلك.

ولفت إلى قيام قائد عمليات نينوى في ذلك الحين، مهدي الغراوي، باستبدال الضباط المحليين في الموصل من دون علم القيادات العسكرية في بغداد، مؤكداً “إصدار الغراوي أوامر بتغيير قائد شرطة الموصل الذي تسبب بهروب جميع عناصر الشرطة المحلية من المدينة في السابع من يونيو/ حزيران 2014، أي قبل ثلاثة أيام من سقوط المدينة”. من جهته، أكد المقدم في الفرقة الثانية التي كانت مكلفة بحماية الجانب الشرقي للموصل قبل سقوطها، علي فائق، أن “القيادة العسكرية المتخبطة في ذلك الحين تسببت بسقوط الموصل”، موضحاً لـ”العربي الجديد”، أن “تسلّم مهدي الغراوي مسؤولية قيادة عمليات نينوى، وتغاضيه عن الانتهاكات والخروقات التي كانت تحدث بحق المدنيين كانت السبب الرئيس في الكره للقوات العراقية من قبل السكان المحليين”.
إلى ذلك، أكد العضو السابق في مجلس مدينة الموصل، طارق الحمداني، أن “الموصل كانت تعيش دوامة من الخوف والرعب قبل سقوطها في يونيو 2014″، مبيّناً في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “مهدي الغراوي الذي كان مقرّباً جداً من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، كان يشرف بشكل مباشر على عمليات الاعتقال العشوائي التي طاولت مئات الأبرياء”.

وأشار إلى أن “التذمّر زاد بشكل واضح في المدينة بعد قيام المالكي بتكريم الغراوي وترقيته من قائد للشرطة الاتحادية إلى قائد لعمليات نينوى، ليكون قائداً ومشرفاً عاماً على جميع القوات المقاتلة في المحافظة”، لافتاً إلى “قيامه بتشكيل مافيات مختصة بابتزاز المواطنين بعد اعتقالهم وعدم إطلاق سراحهم إلا بعد أن يدفعوا مبالغ مالية طائلة كلّفتهم بيع منازلهم أو متاجرهم وأملاكهم للخلاص من أسر الغراوي”. وأضاف أنه “كانت للغراوي وحاشيته ذكريات سيئة في الموصل”، مؤكداً قيامه بـ”اعتقال النساء أمام أعين أزواجهن من أجل زيادة الضغط وإرغامهم على دفع مبالغ الابتزاز”. وقد تداول العراقيون مطلع عام 2014 مقطع فيديو شهير يظهر فيه الغراوي وهو يعتقل النساء وأطفالهن الرضّع أمام الكاميرات وهو يستهزئ بصراخ وعويل المعتقلات.

وأفاد عضو مجلس شيوخ نينوى، حمد الجبوري، بأن “المعاملة السيئة التي كان يواجهها سكان الموصل من قبل القوات الأمنية تسببت بظهور منصات الاعتصام والتظاهر، التي مهّدت الطريق لتشكيل المجاميع العشائرية المسلحة المناهضة للحكومة”، موضحاً خلال حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “السكان المحليين اتخذوا موقف المتفرج تجاه الصراع على الموصل بين القوات العراقية ومسلحي العشائر”.

وأشار إلى “استغلال تنظيم داعش للثورة العشائرية وانكفاء القوات العراقية وهروبها إلى خارج الموصل من أجل السيطرة على المدينة، التي حوّلها إلى معقل له وفرض فيها أحكامه وشرائعه، وارتكب انتهاكات وصفت بالوحشية بحق المدنيين الذين كانوا يرفضون الانخراط في صفوفه”. وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على سقوط الموصل بيد “داعش”، إلا أن لجنة التحقيق التي يترأسها رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، حاكم الزاملي، المكلفة بالتحقيق في ملف سقوط الموصل، لم تعلن نتائج التحقيق الدقيقة لغاية الآن، واقتصرت في حديثها على تحميل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وأكثر من 30 ضابطاً ومسؤولاً آخرين المسؤولية.

وأعادت الذكرى الثالثة لسقوط الموصل بيد “داعش” فتح ملفات قديمة، بشأن القيادات السياسية والعسكرية المتسببة بسيطرة التنظيم على مساحة تقدر بنحو ثلث الأراضي العراقية. وحمّل وزير النقل العراقي السابق، باقر جبر الزبيدي، ثلاث جهات مسؤولية سقوط الموصل بيد “داعش”، مبيناً، خلال مقابلة متلفزة، أن “الجزء الأكبر من المسؤولية يقع على القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي”. وأشار إلى تحمل الإدارة المحلية السابقة في الموصل، “وجهة كردية، الجزء الآخر من المسؤولية”، موضحاً أن “الجيش العراقي خسر أسلحة تقدر قيمتها بنحو 27 مليار دولار، بعضها ذهب لقوات البشمركة الكردية، والبعض الآخر استولى عليه تنظيم داعش”. أما عضو البرلمان عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، أشواق الجاف، فطالبت بالكشف للرأي العام عن حقائق سقوط الموصل بيد عصابات “داعش”، مشددة على ضرورة الإفصاح عن تقرير لجنة التحقيق البرلمانية التي كلفت بمتابعة هذا الموضوع. ودعت إلى ضرورة معرفة مصير التحقيق والإجراءات التي اتخذت بحق المتهمين.

السابق
الآن يمكنك إنشاء فلترك الخاص من على تطبيق سناب شات نفسه
التالي
بعد رفض الجبير الحوار.. الراشد يهدد القطريين بمصير “رابعة”!!