كما أظهرت الأرقام مقتل أكثر من 100 ألف عراقي بسبب الحرب مع تنظيم “داعش” المستمرة منذ ثلاث سنوات، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال. وبحسب مصادر طبية محلية، فإن أكثر من عشرة آلاف مدني سقطوا بين قتيل وجريح في الموصل وحدها خلال تسعة أشهر من المعارك المتواصلة. وذكر الناشط في مجال حقوق الإنسان علي بكر، وهو محامٍ من نينوى، أن “الشيء شبه الوحيد بين الموصل اليوم والموصل قبل احتلال داعش والعمليات العسكرية، هو موقعها على الخارطة”، مشيراً لـ”العربي الجديد”، إلى أن “أغلب أحياء المدينة، وخصوصاً الغربية منها، سُويّت بالأرض. وتحوّل كثير من المنازل والوحدات السكنية والتجارية إلى مقابر للمدنيين”. ولفت إلى أن “القوات العراقية استخدمت أكثر من نصف ترسانتها العسكرية في الموصل، التي تعرّضت لقصف جوي ومدفعي كثيف على مدى أكثر من 230 يوماً من القتال المتواصل”. وكشف عن “استخدام القوات العراقية للأسلحة المحرمة خلال المعارك، فضلاً عن تنفيذ بعض تشكيلات القوات العراقية ومليشيا الحشد الشعبي عمليات إعدام جماعية بحق المدنيين بذريعة الانتماء أو التواطؤ مع تنظيم داعش”. وذكر بكر بأن “داعش ارتكب جرائم قتل فادحة بحق المدنيين من الرجال والنساء والأطفال الذين حاولوا خلال المعارك الهروب من الأراضي التي كانت تحت سيطرة التنظيم، الذي كان يقصف الأحياء الخارجة عن سيطرته بقذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا”.
عمليات تحرير الموصل جاءت بعد نحو 3 سنوات من سقوط المدينة بيد تنظيم “داعش”، الذي احتل الموصل بعد أشهر طويلة من عمليات الانتهاكات الواسعة التي كانت تطاول السكان المحليين على يد القوات التابعة للحكومة التي كان يرأسها نوري المالكي، والتي كانت تتمثل بعمليات قتل واغتيال وخطف واعتقال عشوائي وابتزاز. ولا ينكر قائد القوات البرية العراقية أثناء سقوط الموصل، الفريق أول ركن علي غيدان، الدور السيئ للقيادات الأمنية في المدينة قبل سقوطها بيد “داعش”، موضحاً خلال مقابلة متلفزة أنه “كان يبلّغ الحكومة العراقية في بغداد بذلك، لكنها لا تفعل شيئاً”. وأشار إلى أن “الحكومة العراقية اختارت الصمت، وعدم الحديث عما كان يجري في الموصل”، موضحاً أنه اقترح أن يتم استبدال القيادات العسكرية في ذلك الحين لكن طلبه “رفض من قبل المالكي”. ولفت إلى أن “القيادة الميدانية في الموصل كانت من أهم أسباب سقوط المدينة”، محمّلاً جميع الضباط المسؤولية عن ذلك.
ولفت إلى قيام قائد عمليات نينوى في ذلك الحين، مهدي الغراوي، باستبدال الضباط المحليين في الموصل من دون علم القيادات العسكرية في بغداد، مؤكداً “إصدار الغراوي أوامر بتغيير قائد شرطة الموصل الذي تسبب بهروب جميع عناصر الشرطة المحلية من المدينة في السابع من يونيو/ حزيران 2014، أي قبل ثلاثة أيام من سقوط المدينة”. من جهته، أكد المقدم في الفرقة الثانية التي كانت مكلفة بحماية الجانب الشرقي للموصل قبل سقوطها، علي فائق، أن “القيادة العسكرية المتخبطة في ذلك الحين تسببت بسقوط الموصل”، موضحاً لـ”العربي الجديد”، أن “تسلّم مهدي الغراوي مسؤولية قيادة عمليات نينوى، وتغاضيه عن الانتهاكات والخروقات التي كانت تحدث بحق المدنيين كانت السبب الرئيس في الكره للقوات العراقية من قبل السكان المحليين”.
إلى ذلك، أكد العضو السابق في مجلس مدينة الموصل، طارق الحمداني، أن “الموصل كانت تعيش دوامة من الخوف والرعب قبل سقوطها في يونيو 2014″، مبيّناً في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “مهدي الغراوي الذي كان مقرّباً جداً من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، كان يشرف بشكل مباشر على عمليات الاعتقال العشوائي التي طاولت مئات الأبرياء”.
وأشار إلى أن “التذمّر زاد بشكل واضح في المدينة بعد قيام المالكي بتكريم الغراوي وترقيته من قائد للشرطة الاتحادية إلى قائد لعمليات نينوى، ليكون قائداً ومشرفاً عاماً على جميع القوات المقاتلة في المحافظة”، لافتاً إلى “قيامه بتشكيل مافيات مختصة بابتزاز المواطنين بعد اعتقالهم وعدم إطلاق سراحهم إلا بعد أن يدفعوا مبالغ مالية طائلة كلّفتهم بيع منازلهم أو متاجرهم وأملاكهم للخلاص من أسر الغراوي”. وأضاف أنه “كانت للغراوي وحاشيته ذكريات سيئة في الموصل”، مؤكداً قيامه بـ”اعتقال النساء أمام أعين أزواجهن من أجل زيادة الضغط وإرغامهم على دفع مبالغ الابتزاز”. وقد تداول العراقيون مطلع عام 2014 مقطع فيديو شهير يظهر فيه الغراوي وهو يعتقل النساء وأطفالهن الرضّع أمام الكاميرات وهو يستهزئ بصراخ وعويل المعتقلات.
وأفاد عضو مجلس شيوخ نينوى، حمد الجبوري، بأن “المعاملة السيئة التي كان يواجهها سكان الموصل من قبل القوات الأمنية تسببت بظهور منصات الاعتصام والتظاهر، التي مهّدت الطريق لتشكيل المجاميع العشائرية المسلحة المناهضة للحكومة”، موضحاً خلال حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “السكان المحليين اتخذوا موقف المتفرج تجاه الصراع على الموصل بين القوات العراقية ومسلحي العشائر”.
وأشار إلى “استغلال تنظيم داعش للثورة العشائرية وانكفاء القوات العراقية وهروبها إلى خارج الموصل من أجل السيطرة على المدينة، التي حوّلها إلى معقل له وفرض فيها أحكامه وشرائعه، وارتكب انتهاكات وصفت بالوحشية بحق المدنيين الذين كانوا يرفضون الانخراط في صفوفه”. وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على سقوط الموصل بيد “داعش”، إلا أن لجنة التحقيق التي يترأسها رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، حاكم الزاملي، المكلفة بالتحقيق في ملف سقوط الموصل، لم تعلن نتائج التحقيق الدقيقة لغاية الآن، واقتصرت في حديثها على تحميل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وأكثر من 30 ضابطاً ومسؤولاً آخرين المسؤولية.
وأعادت الذكرى الثالثة لسقوط الموصل بيد “داعش” فتح ملفات قديمة، بشأن القيادات السياسية والعسكرية المتسببة بسيطرة التنظيم على مساحة تقدر بنحو ثلث الأراضي العراقية. وحمّل وزير النقل العراقي السابق، باقر جبر الزبيدي، ثلاث جهات مسؤولية سقوط الموصل بيد “داعش”، مبيناً، خلال مقابلة متلفزة، أن “الجزء الأكبر من المسؤولية يقع على القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي”. وأشار إلى تحمل الإدارة المحلية السابقة في الموصل، “وجهة كردية، الجزء الآخر من المسؤولية”، موضحاً أن “الجيش العراقي خسر أسلحة تقدر قيمتها بنحو 27 مليار دولار، بعضها ذهب لقوات البشمركة الكردية، والبعض الآخر استولى عليه تنظيم داعش”. أما عضو البرلمان عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، أشواق الجاف، فطالبت بالكشف للرأي العام عن حقائق سقوط الموصل بيد عصابات “داعش”، مشددة على ضرورة الإفصاح عن تقرير لجنة التحقيق البرلمانية التي كلفت بمتابعة هذا الموضوع. ودعت إلى ضرورة معرفة مصير التحقيق والإجراءات التي اتخذت بحق المتهمين.