مصادرة 10 ملايين دولار مرسلة بالحقائب.. كيف قامت أبوظبي بتفجير القاعدة التركية في الصومال

مقديشو – وكالات:

أعلن وزير الدفاع الصومالي، إنهاء الدور الإماراتي في تدريب القوات الصومالية، بعد أيام على مصادرة قوات الأمن 10 ملايين دولار في حقيبتين وصلتا على متن طائرة إماراتية خاصة إلى مطار مقديشو، ما السبب في تفجر العلاقات بين الحكومة الصومالية والامارات؟
في الحقيقة، فإن دور الإمارات في الصومال أكبر من تدهور العلاقات الدبلوماسية، ولم يصل بعد إلى حد القطيعة.. لأن الإماراتيين يمتصون غضبهم مع توالي الإجراءات الحكومية التى تحد من تحركاتهم التى تمس سيادة ووحدة الصومال، على الصعيدين المحلي والعالمي. خاصة أنهم لا يريدون الانسحاب من الصومال ويحاولون كسب الولاءات لانقاذ موقفهم.

لكن أعتقد أن الوجود الإماراتي على مستوى العاصمة في تراجع مستمر، خاصة مع تفكيك القوة الأمنية التي دربوها في محاولة لاستنساخ تجربة قوة الحزام الأمني في جنوب اليمن. إذ فككت الحكومة القوة الموالية للامارات، ووزعتها على ألوية الجيش، وحاصرت الأموال التي كانت تتدفق عبر السفارة الإماراتية لشراء الولاءات السياسية. على أية حال، المعركة الأصعب التى تواجه الحكومة الفيدرالية هي الحد من النفوذ الاماراتي على مستوى الولايات الفيدرالية.

تورط الإمارات
لكن لماذا اتخذت الحكومة الصومالية هذه الإجراءات في هذا التوقيت؟

هناك عدد من العوامل ساهمت في التحرك العاجل للحكومة.. أولها، اتفاقيات ميناء بربرة وبوصاصو وتصريحات رئيس موانئ دبي بأنه لا يعير اهتمامًا بالحكومة الاتحادية، ويعتبر صلاحياته أقوى منها. ثانياً، تأكد تورط الإمارات في دعم بعض الشخصيات السياسية بأموال كبيرة. ثالثا، اتهام القوة التي دربتها الإمارات بمحاولة اغتيال رئيس لجنة الدستور في مجلس الشيوخ وهو شخصية سياسية وزعيم قبلي كبير، ولو نجحت عملية اغتياله لفجرت الوضع في الصومال، كما أن الإمارات حاولت استنساخ تجربة الحزام الأمني اليمني في مقديشو، وأخيرا يبدو أن فشل إقناع الإمارات بنقل مسؤولية إدارة القوة التي دربتها، أو دمجها بالجيش وصلت إلى طريق مسدود.

تفجير القاعدة التركية
تحدثت بعض التقارير عن دعم إماراتي لجماعات متشددة لتنفيذ هجمات إرهابية.. ما صحة ذلك؟

بحسب تقارير مجموعة الرصد للصومال وارتيريا التابعة للأمم المتحدة، فإن الإمارات متهمة بخرق قرار حظر السلاح الأممي في الصومال، واستيرادها للفحم من مناطق سيطرة حركة الشباب المجاهدين الارهابية صنف بأنه دعم غير مباشر اقتصادياً للحركة، وهناك شكوك بتورط الإمارات في الانفجار الدموي الأعنف في الصومال (14 أكتوبر 2017) والذي راح ضحيته أكثر من 500 من المدنيين، إذ تشير بعض الدلائل الى أن الشاحنة المتفجرة كانت في طريقها إلى القاعدة العسكرية التركية، الخصم والمنافس الأبرز للإمارات في الصومال.

دعم تقسيم الصومال
من خلال هذه الإجراءات التي تحدثت عنها، هل بالفعل تسعى الإمارات لتقسيم الصومال من خلال وجودها العسكري في البلاد؟

بكل تأكيد، فالإمارات وإثيوبيا عازمتان على أن يكون خيارهما الأخير هو فصل “صومال لاند” عن الصومال، لتجنب المأزق القانوني الذي تواجهه اتفاقية موانئ دبي.
وبحسب بحث نشره أستاذان في جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا والبحوث في الإمارات، فإن خيار دعم انفصال صومال لاند مطروح جدا على أجندة أبوظبي.

لعلك بذلك تقصد أن التحالف بين الإمارات وإثيوبيا يشكل خطورة على وحدة الصومال؟
نعم، فالحكومة الصومالية تعي الآن خطورة التحالف المصلحي بين الإمارات وإثيوبيا، حيث وصل التنسيق بينهما على مستوى الاجتماع الوزاري المشترك، والحقيقة أن مشروع ميناء بربرة ما هو إلا رشوة إماراتية لاثيوبيا لتجنب احتجاجاتها على الوجود الإماراتي في إريتريا، خاصة أن السياسة الإثيوبية مبنية على عزل إريتريا، وقد شكلت اتفاقية موانئ دبي معها إلى جانب القاعدة العسكرية تهديدا للأمن القومي الإثيوبي، وبعد مفاوضات طويلة نجحت اثيوبيا في إقناع الإمارات بتمويل حلمها التاريخي في تطوير ميناء بربرة كرشوة إماراتية.

اهتمام أبوظبي بالصومال:
ما السر في اهتمام أبوظبي بالصومال بهذا الشكل؟

في الواقع، فإن الاهتمام الإماراتي في الصومال في مرحلته الأولى كان من أجل تأمين ممر التجارة في الخليج العربي وباب المندب ونشاط ميناء دبي من خطر ظاهرة القرصنة، ومع تنامي الوجود التركي وانطلاق عاصفة الحزم، بدأ الاهتمام الجيوسياسي للإمارات في المنطقة ضمن سياسة المحاور التي برزت مع انطلاق ثورات الربيع العربي. فالتحركات الإماراتية في مقامها الأول نابعة من سياسة وقائية لاقتصادها القائم على الخدمات، وترى أن تطوير الموانئ الصومالية من قبل تركيا مثلا يشكل تهديدا على نشاط مينائها الاستراتيجي، ثم إن الإمارات من خلال اهتمامها بميناء بربرة القريب من إثيوبيا لديها مصلحة اقتصادية في خدمة السوق الإثيوبي الكبير (أكثر من 90 مليون نسمة) خصوصاً بعد خسارتها لميناء جيبوتي. وفي ظل غياب العقل الاستراتيجي المصري في المنطقة، أو تغييبه تصبح إثيوبيا المستفيد الأول من التحركات الإماراتية في الصومال، إذ نجحت وبشكل كبير في استثمارها لصالحها، حيث تستخدم الإمارات كغطاء في تنفيذ مخططاتها في الصومال، وهو ما يكرس هيمنتها في منطقة القرن الأفريقي، ويجعلها اللاعب الأول في تشكيل وصياغة مستقبل هذه المنطقة الاستراتيجية. وفي المجمل تشكل التحركات الإماراتية تهديدا للأمن القومي العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص.

ماذا تعني بتهديد الأمن القومي المصري بشكل خاص؟
نعم، فالصومال ومنذ زمن بعيد كانت في صلب أولويات الاستراتيجية المصرية، الساعية لخلق توازن مع الاثيوبيين، والصومال الموحد والقوي يخدم هذه الاستراتيجية، وبالتالي فإن سعي الإمارات في تفكيكه وإضعافه يقوى هيمنة إثيوبيا على المنطقة. والاثيوبيون يعون ذلك جيداً، خذ مثلاً في أول حوار أجري مع رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد ابي أحمد، صرح أن إثيوبيا في منافسة مع مصر في تشكيل مستقبل كل من إريتريا والصومال وجنوب السودان، ولكن للأسف الشديد تراجع الدور المصري لصالح تحركات إماراتية غير قائمة على أسس استراتيجية.

انحياز إماراتي لإثيوبيا
هل يعني هذا أن الامارات تنحاز لإثيوبيا على حساب مصر؟

بالتأكيد، فالتنسيق الإماراتي الإثيوبي على مستوى الاجتماع الوزاري المشترك بدأ عام 2015 م، والذي من ثمراته الاتفاقيات غير الشرعية مع بعض السلطات المحلية في الصومال لاستغلال الموانئ البحرية، وكلها مشروعات تخدم الحلم الإثيوبي في فك العزلة البحرية عليها، خاصة بعد أن خسرت المنافذ البحرية مع استقلال إريتريا.

سياسة قطر
أخيرًا، كيف تقيم الدور القطري في الصومال؟

في الحقيقة، فإن الدور القطري في الصومال يختلف جذريًا عن نظيره الإماراتي، فمن جانب تفهمت قطر خيار حياد الحكومة الصومالية في الأزمة الخليجية، واحترمته بشكل كبير، رغم أن الدوحة تعرضت لحصار ظالم، كان يستدعي تضامناً واضحاً، مثلما هو الحال في المستوى الشعبي، الذي رفض الحصار.
ثانياً، فإن استراتيجية قطر هي التعامل مع الصومال بندية وعبر القنوات الرسمية، بما يسهم في تقوية الدولة الصومالية. ثالثا، تستثمر قطر بشكل مباشر في مشروعات تنموية يستفيد منها الشعب الصومالي، على عكس استثمار الإمارات في مشروعات أمنية وسياسية تخدم مصالحها وطموحاتها في الهيمنة والسيطرة على الصومال. وأخيراً: لم يسجل على قطر طوال وجودها ووقوفها مع الشعب الصومالي أية أعمال تسهم في زعزعة استقرار الصومال أو تهدد وحدته.

السابق
الدوحة تكسب مزيد من الأصدقاء في القارة السمراء
التالي
أرباح “المصرف” أكثر من 650 مليون ريال في الربع الأول