الدوحة – بزنس كلاس:
ماذا تحتاج البورصة؟؟ سؤال يفرض نفسه حالياً على الساحة الاقتصادية، في ظل الأداء المتراجع للبورصة خلال الفترة الماضية، والتي وصلت فيها أسعار أسهم الشركات إلى أقل مستوى في تاريخ البورصة، لم تشهده في أي فترة ماضية. ورغم أن الاقتصاد القطري من أفضل اقتصاديات المنطقة بل العالم، وأداء الشركات في الـ 9 أشهر الأولى من العام الحالي كان جيداً، فإن البورصة تخالف جميع هذه المؤشرات الجيدة، وتسلك مساراً يصيب الشارع الاقتصادي بالدهشة والاستغراب؛ فجميع المؤشرات الاقتصادية تصب في صالح البورصة وقوتها، ولكن واقعها لا يعترف بهذه المعطيات، ومؤشرها في اتجاه نزولي أغلب الأيام.
خبراء البورصة والمحللون وكبار المستثمرين في البورصة يؤكدون أن العامل الرئيسي الذي تفتقده البورصة حالياً هو الثقة والوعي من المستثمرين، الذين يفضلون الركض وراء الأسهم دون دراسة، أو التعرف على وضع الشركة المالي، أو تاريخ السهم في السوق، حيث يُفاجأ المتعاملون بتراجع شديد لسعر سهم رغم أن الشركة حققت أرباحاً جيدة في الربع الثالث، وعلى العكس ارتفاع أسعار سهم حققت شركته أرباحاً متواضعة.
الخبراء يضعون الثقة وغياب الثقافة سبباً رئيسياً لما يحدث في البورصة حالياً، ويستبعدون طرح شركات جديدة للاكتتاب العام وإدراجها في البورصة علاجاً لحالتها الراهنة، مستشهدين بآخر إدراج للشركات.
اليافعي: مبادرات جديدة من الشركات
المحلل المالي وخبير أسواق المال محمد اليافعي يشدد على أن هناك مجموعة من الأسباب وراء تراجع البورصة في المرحلة الحالية، إلا أن السبب الأساسي والرئيسي منها هو غياب الثقة والوعي والثقافة لدى المستثمرين، خاصة الصغار منهم، موضحاً أن الأسعار الحالية هي الأقل في تاريخ البورصة، رغم أن معظم الشركات حققت أرباحاً جيدة في الربع الثالث، ولكن المستثمرين يسيرون وفقاً للأسلوب الروتيني، وهو الجري والركض وراء الأسهم دون أي دراية بها أو التعرف على التحليل المالي لها.
ويضيف اليافعي أن أسعار الأسهم في الوقت الحالي مغرية للغاية وتشجع على الشراء دون مخاطر، لأنها وصلت إلى مستويات تاريخية لم تشهدها البورصة من قبل، ولن تصلها بعد ذلك، ولكن المستثمرين يبالغون في التداول بدون وعي أو ثقافة، مما يزيد من تراجع البورصة، فالسهم الذي اشتراه المستثمر بمبالغ تتراوح بين 15 على 18 ريالاً يتم بيعه حالياً بمبالغ من 8 إلى 10 ريالات، والمستثمرون يبيعون الأسهم رغم أن احتفاظهم بها لن يلحق بهم أي خسارة، ولكن البيع هو ما يحقق الخسارة، وبالتالي فالأسعار الحالية في معظمها واقعية ولا مبالغة بها، لذلك فإن الاستثمار في البورصة حالياً سيكون مجدياً على المدى الطويل وليس المضاربة.
ويضيف اليافعي أن البورصة تحتاج إلى مبادرات من الشركات المدرجة في البورصة عن خططها خلال الربع الأخير والربع الأول من 2018، بحيث تسبق الأحداث، وتظهر للسوق ماذا تقدمه خلال هذه الفترة، حتى يكون المستثمر على بينه من السهم الذي يشتريه أو يبيعه، وهذه المعلومات في غاية الأهمية للمستثمرين، وتقدم لهم وضع الشركة بكل شفافية والتوقعات المستقبلية لها.
ويؤكد اليافعي أن المستثمرين يغفلون عن عنصر هام جداً خلال الفترة الحالية، وهو ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، مما يؤثر إيجابياً على موازنة الدولة، والمتوقع أن تحقق فائضاً مالياً خلال 2017، خاصة وأن تقدير سعر النفط في الموازنة الحالية تم على 48 دولاراً للبرميل، في حين أن أسعاره الحالية تصل إلى 58 دولاراً، وبالتالي فإن الوضع الاقتصادي جيد جداً.
أبو حليقة: أطالب بالسماح للشركات بشراء أسهمها
المستثمر المالي يوسف أبو حليقة يطرح مجموعة من الحلول لما تحتاجه البورصة في الوقت الحالي، أولها المستثمر طويل النفس الذي لا يسعى إلى المضاربة في كل تداولاته، فالمستثمر يجب أن يتصف بالصبر والحكمة والقدرة على اتخاذ القرار في الوقت المناسب، كما أن لديه القدرة على ضخ سيولة باستمرار في البورصة، وبالتالي فالسوق يحتاج للمستثمرين أصحاب الثقة المدركين لما يحدث في البورصة، الذين لديهم دراية بأصول الاستثمار في البورصة.
ويضيف يوسف أنه من الحلول الأخرى الدور الأكبر للمحافظ الاستثمارية المحلية، التي يجب أن يكون دورها هو صانع السوق، وليس تحقيق مصالحها على حساب السوق، بالتأكيد جميع أطراف السوق ومنها المحافظ تسعي إلى الربح، ولكن هناك قرارات للبيع مثلاً لا تكون في محلها خاصة إذا كان السوق في اتجاه نزولي، لأن البيع في هذه الحالة يتسبب في المزيد من النزول والتراجع للسوق.
ويؤكد يوسف أن السوق يمر بمرحلة خارجة عن إرادته بسبب العوامل النفسية المرتبطة بالحصار الجائر على قطر، رغم أن الدولة افشلت هذا الحصار، ولكن العامل النفسي للمستثمرين يجعلهم حريصين على السيولة ويترقبون الأسعار، فالسوق القطري أفضل أسواق المنطقة والخليج بفضل الدعم القوي الذي يقدمه الاقتصاد، كما أن توزيعات الشركات من أعلى توزيعات الأرباح، أي أن مجمل الأوضاع جيدة. ويقترح أبو حليقة السماح للشركات بشراء أسهمها في حدود 10 % من رأس المال، وذلك في حالة نزول سعر السهم إلى حد معين، وبالتالي تدخل الشركات كصانع سوق، من خلال التعامل على أسهمها بيعاً وشراء، وهو نظام معمول به في العديد من البورصات العالمية والإقليمية، فدخول الشركات والسماح لها بتداول أسهمها يحقق التوازن في البورصة وأسعار الأسهم، خاصة الشركات التي حققت أرباحاً جيدة في الوقت الذي تتراجع فيه أسهمها بدون أسباب واقعية.
السعدي: السيولة والثقة غائبتان رغم المؤشرات الاقتصادية القوية
مستثمر البورصة محمد السعدي يؤكد أن ما تحتاجه البورصة خلال الفترة المقبلة هو مزيد من الثقة لدى المستثمرين، فهي اللاعب الرئيسي في السوق المالي حالياً، فالفترة الحالية لا يمكن أن تطرح بها شركات جديدة للاكتتاب العام والإدراج في البورصة، لأن العوامل النفسية تسيطر على السوق، سواء للأفراد أم المحافظ الاستثمارية.
ويشدد السعدي على أن المطلوب خلال الفترة المقبلة هي السيولة، وأن يدخل المستثمرون السوق بقوة، دون خوف أو تردد، فجميع عوامل القوة للسوق المالي متوافرة، من اقتصاد قوي ونتائج مالية جيدة متوقعة، وبالتالي ليس هناك أية مبررات لما يحدث في السوق حالياً من تراجعات كبيرة، تؤثر على المستثمرين.
ويؤكد السعدي أن السوق يحتاج حالياً إلى سيولة جديدة من المحافظ المحلية والأجنبية، وإن كان هدف الأجنبية هو الربح فقط، إلا أن وجود السيولة يدعم التعاملات، ويجذب مستثمرين جدداً إلى البورصة، في ظل أسعار الأسهم الجيدة التي تشجع على الشراء، ولكن يجب على المستثمرين الأفراد البعد عن المضاربة بدون دراسة السوق.
ويوضح أن هناك قلة خبرة لدى عدد كبير من المستثمرين، الذين يدخلون السوق، ويقومون ببيع الأسهم التي تنخفض أسعارها، رغم أن القيمة الحقيقية للسهم قد تكون أعلى من ذلك، ولكن العامل النفسي يلعب دوراً مهماً، حيث يسارع عدد كبير من المستثمرين ببيع الأسهم بمجرد تراجعها، دون إجراء التقييم الحقيقي للأسهم، الذي يركز على مسار السهم، وأداء الشركة، وتوقعات الأرباح، وكلها تؤكد أن السهم قيمته أعلى، ولكن العامل النفسي يتحكم في قرارات المستثمرين أكثر من العوامل الحقيقية في السوق.
ويؤكد أن السيولة تنعش التداولات في البورصة، وترفع من مستويات المؤشر، لأن البورصة مثل التاجر يبيع ويشتري.. والمنتج هو الأسهم، ويضيف أنه لا داعي للتخوف إطلاقاً في ظل الوضع القوي للاقتصاد القطري، واستمرار الإنفاق الحكومي، وتنفيذ مشاريع التنمية، وهو ما ينعش الاقتصاد خلال الفترة المقبلة.
أكد تحفّظ المستثمرين بسبب العوامل النفسية.. عبدالغني:
مسؤولية كبيرة على المحافظ المحلية لإنعاش البورصة
طه عبدالغني خبير الأسواق المالية ومدير شركة نماء للاستشارات المالية، يؤكد أن بورصة قطر لا تزال قوية بفضل الاقتصاد القطري القوي والمشاريع التي تنفذها الدولة، سواء البنية التحتية أو مشاريع كأس العالم، والتي تحدث حالة من الرواج في السوق لدى شركات القطاعين العام والخاص. ولكن هذا الوضع لا ينعكس علي البورصة إيجابياً، حيث تتحكم العوامل النفسية في أداء السوق طوال الفترة الماضية.
ويضيف أن ما تحتاجه البورصة خلال الفترة المقبلة هو المستثمر الذي يبحث عن الاستثمار طويل الأجل، وليس المضاربة وخطف الأرباح كما يحدث حالياً؛ فالأسعار الحالية تشجع على الاستثمار في السوق المالي، ولن يشهدها السوق بعد ذلك؛ مما يعطي دافعاً للمستثمرين لزيادة السيولة في السوق، وزيادة محافظهم الاستثمارية، ولكن أغلبية المستثمرين يترقبون الأوضاع السياسية، رغم أن قطر نجحت في إفشال الحصار المفروض عليها. بل إن الاقتصاد ينمو بمعدلاته الطبيعية، وهناك توقعات بفائض مالي في الموازنة الحالية التي تنتهي بنهاية العام.
ويضيف عبد الغني أن البورصة تحتاج حالياً إلى المحافظ المحلية التي تؤسس للاستثمار وليس لخطف الأرباح مثل المضاربين؛ فدور هذه المحافظ ليس المضاربة في السوق على مجموعة من الأسهم ارتفاعاً ونزولاً، ولكن دورها الاستثمار طويل المدى الذي يحقق أرباحاً.
ويضيف أن المستثمرين يفضلون حالياً الاحتفاظ بالسيولة وترقب الأسعار، على أمل انخفاضها قبل إعلان نتائج الربع الأخير والتوزيعات المنتظرة؛ فالمستثمر لا يفضل حالياً دخول السوق، وينتظر آخر العام للقيام بعمليات شراء، والاستفادة من الأسعار المتدنية للأسهم وتوزيعات الأرباح. وبالتالي، فإن أي مستثمر يدخل السوق حالياً سيكون رابحاً، سواء من أسعار الأسهم المتدنية أو من التوزيعات، بشرط الاحتفاظ بهذه الأسهم.
ويوضح عبدالغني أن العامل الأساسي في اتجاهات البورصة خلال الفترة المقبلة هو نتائج الربع الأخير، موضحاً أن التوقعات تشير إلى ارتفاعات مقبلة حتى نهاية السنة، في ظل العوامل الإيجابية التي تحيط بالسوق، ومنها استمرار الإنفاق العام بمعدلاته نفسها كما أعلنت الدولة في العديد من المناسبات، إضافة إلى الأرباح الجيدة للشركات. ويشير إلى أهمية دراسة الوضع المالي ودراسة السوق قبل اتخاذ قرارات الشراء أو البيع، بعد أن باعت عدد من المحافظ الاستثمارية كميات كبيرة من الأسهم، وتحاول الآن استرجاعها؛ مما يساهم في الضغط على الأسعار، ويخلق نوعاً من المضاربة السرية غير المعلنة، خاصة على الأسهم القيادية المتوسطة.
ويوضح أن الوقت الحالي هو وقت «التجميع وليس التصريف»؛ لأن الأسعار مناسبة للشراء أكثر من البيع، بدليل أن الأسعار القيادية الكبيرة ثابتة في نطاق معين، والأسهم المتحركة هي المتوسطة.
ويؤكد أن ما ينقص السوق حالياً هو السيولة، سواء من الأفراد أو المحافظ الاستثمارية المحلية. فإذا دخلت هذه المحافظ السوق، ستجر معها المستثمرين الأفراد والمحافظ الأجنبية؛ لأن الجميع يبحث عن السيولة، وإذا ما توافرت، فعلى الفور يدخل باقي الأطراف إلى السوق بقوة ودون خوف؛ لأن السيولة تدعم السوق وتعزز من قيمته.