مركز الجزيرة للدراسات: هكذا سيتم حل الأزمة الخليجية

الدوحة – بزنس كلاس:

أكد تقرير مركز الجزيرة للدراسات أن هناك ثلاثة أمور مهمة في تشكل الخطوات الدبلوماسية للإدارة الأمريكية نحو جهود حل الأزمة الخليجية، أولها قناعة الرئيس ترامب بأن تحديد الدور الأمريكي في تسوية الأزمة الخليجية يستدعي قراءة موضوعية ومتأنية لطبيعة ومسار الخلاف ومراميه المعلنة وغير المعلنة، وعدم التسرع في شيطنة أي طرف لصالح طرف، أو التخندق ضمن خطاب تصعيدي من قبل أي طرف أو أطراف حاولت جر البيت الأبيض إلى سوء تقدير إستراتيجي في بدايات الأزمة.
وبين تقرير المركز الذي كتبه الدكتور محمد الشرقاوي، باحث أول بمركز الجزيرة للدراسات وأستاذ تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج ميسن بواشنطن وعضو لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة سابقًا، بعنوان “جدلية السرديات والسرديات المضادة في أزمة الخليج” أن العامل الثاني هو رغبة دونالد ترامب في ترميم مصداقية بعض أركان إدارته أمام الخليجيين كافة وتجاوز التهم من حوله باحتمال نجاح المال الإماراتي في شراء بعض النفوذ السياسي في البيت الأبيض من خلال انفتاحه على بعض رجال الصفقات وجماعات الضغط المشبوهة ووسطاء كجورج نادر وإليوت برويدي.
إنهاء الأزمة
وأشار التقرير إلى أن التزام الرئيس الأمريكي بشكل صريح بإنهاء النزاع الخليجي ينم عن وجود مؤشرات غير معلنة في تحول مواقف بعض أطراف النزاع، مما يعزز مستوى التفاؤل لديه حاليًّا بدينامية التقارب النسبي بين عواصم الخليج بانتظار القمة الخليجية — الأميركية المؤجلة إلى نهاية الصيف.
ويبدو أن تغير هذه السرديات وتقلب الخطاب السياسي بين العواصم أسهم في بلورة معادلة جديدة تظهر في أعين ترامب الحريص على تجاوز الخلافات الخليجية على شكل مثلث ذي ثلاثة أضلاع هي موقف الدوحة الذي يعتبره “ملتزمًا بالمساهمة في استعادة وحدة المجلس وبضرورة وضع نهاية للنزاع الخليجي”، كما ورد في بيان للبيت الأبيض. ويبدو أن هذا الموقف يثير الارتياح لدى ترامب ويسهل الطريق أمام مساعيه لوضع حد للأزمة.
وثانيا موقف الرياض الذي يبدو أنه يتخلى تدريجيًّا على المستويين النفسي والسياسي وأيضًا الإعلامي عن نبرة العدائية والتصعيد. ويعوِّل ترامب أكثر فأكثر على مرونة هذا الموقف السعودي في إقناع أبوظبي بإعادة النظر في حساباتها ليس باتجاه تجاوز الأزمة وعقد القمة الخليجية الأميركية فحسب، بل وأيضًا في ضرورة توحيد الصف الخليجي وكسبه لصالح استراتيجية ترامب في المنطقة خاصة بعد التحلل من الاتفاق النووي متعدد الأطراف. أما الضلع الثالث فهو موقف أبوظبي الذي يبدو أنه دخل مرحلة استنفاد قدرته الدبلوماسية في استمالة ترامب. لكن القناعة المترسخة لدى سلطات أبوظبي بأن استثمارها السياسي طويل الأمد في واشنطن وتوافقها مع منطق الصفقات المالية والسياسية مع بعض الأركان في الإدارة الأمريكية يعززان الميول نحو الاعتداد بأن أبوظبي الطرف الأقوى. وهنا يصعب الابتعاد نفسيا عن منطق الغلبة أو إعادة قراءة الأزمة من جديد بشكل عقلاني يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات في مسار النزاع ومساعي ترامب لإنهاء الخلاف.
حوار إستراتيجي
وأفاد التقرير بان الحوار الاستراتيجي القطري — الأمريكي، الذي بدأ التحضير له منذ منتصف عام 2017، اتسم بالتركيز على مرتكزات العلاقات القطرية — الأمريكية رغم تداعيات الأزمة. ونص البيان المشترك في ختام المناقشات التي حضرها وزراء الخارجية والدفاع في كلا البلدين، في الثلاثين من يناير 2018، على عدة مجالات للتفاهم والتعاون المتبادل. ويمكن اختزال نتائج هذا الحوار الاستراتيجي من حيث دلالته باتجاه الأزمة في خمس نقاط رئيسية منها أن قطر ناقشت والولايات المتحدة أزمة الخليج وأعربت عن الحاجة إلى قرار فوري يحترم سيادة قطر.
كما أﻋﺮﺑﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺘﺎن ﻋﻦ ﻗﻠﻘﻬﻤﺎ ﻣﻦ اﻵﺛﺎر اﻟﻀﺎرة على الوضع الأمني والمضاعفات اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻟﻸزﻣﺔ. وأكدت قطر تقديرها للدور الذي تقوم به الولايات المتحدة في الوساطة في النزاع دعمًا لجهود سمو أمير الكويت. علاوة على تأكيدها هي والولايات المتحدة دعمهما لمجلس التعاون الخليجي القوي الذي يركز على مواجهة التهديدات الإقليمية وضمان مستقبل سلمي ومزدهر لجميع شعوبه. يضاف إلى ذلك أن الحكومتين حددتا طريقًا للمضي قدمًا من أجل تطوير شراكتهما.
ويبدو أن هذه الرؤية المشتركة سواء للعلاقات الثنائية بين واشنطن والدوحة أو لمصير الأزمة الخليجية تعكس منحى عمليًّا يأمل البيت الأبيض وكذلك المؤسسة السياسية الأمريكية أن تكون بمثابة قاطرة لاستعادة حركية مجلس التعاون الخليجي في المستقبل. وعلى الرغم من غياب تيلرسون عن المشهد السياسي، يبدو أن براغماتية خَلَفِه بومبيو والتزامه الحرفي بتطبيق إرادة ترامب تعزز مؤشرات الانفراج التدريجي في مسار الأزمة وابتعادها أكثر فأكثر من منطقة الجمود ومنطق التصعيد من أجل التصعيد. وبالنظر إلى تعقيداتها السياسية والاستراتيجية والنفسية، فإنها لا تخرج في الحصيلة النهائية عن مسار كل الأزمات والصراعات وهي تصعيد مستعجل جامح، ثم وساطة جادة، ثم تخفيف خطاب العدائية، فاختفاء الأعمال الانتقامية رويدًا رويدًا، مع حفظ ماء الوجه لكل الأطراف.
ملامح الحل
واختتم التقرير بالتأكيد على أن ملامح الطريق إلى سبتمبر تبدو واضحة على الأرجح ما لم تكبر كومة الجليد في المنطقة لتبتلع مساعي تسوية الأزمة الخليجية. ويبدو أن تأجيل القمة مدة أربعة أشهر ينطوي على وعي جديد لدى ترامب بمتطلبات الوساطة ومنح بعض الوقت حتى تكتمل العناصر النفسية والإستراتيجية والسياسية لكافة الأطراف للتعامل مع الأزمة بقراءة جديدة. ويبقى إرسال بومبيو إلى الرياض، في أول مهمة رسمية عقب توليه منصب وزير الخارجية، مؤشرًا واضحا على عزم البيت الأبيض طي الملف الخليجي قبل الانشغال بملفات أخرى مثل الملف الإيراني والملف الكوري الشمالي المتقلب بين عقد القمة وإلغائها. وفي تقدير واشنطن، يظل الانفتاح بين عواصم المنطقة هو المدخل الطبيعي لنواة مصالحة خليجية — خليجية ستظل متدرجة في نموها بين ما زرع في أبريل 2017، وما قد يتم حصاده في سبتمبر 2018.
السابق
سوق ميناء الرويس يستقبل دفعة جديدة من المواد المستوردة
التالي
من يحاول تخريب علاقات قطر مع جنوب أفريقيا