وكالات – بزنس كلاس:
لاشك أن ما حدث فجر اليوم حبس أنفاس العالم خوفاً من اندلاع حرباً عالمية لا أحد يمكن أن يتكهن بما ستؤول إليه وماذا ستكون عواقبها على الجميع دون استثناء كباراً وصغار. إن الخوف من تطور الهجمات الغربية ضد اهداف سورية إلأى حملة مستمرة أو رد روسي أو إيراني أو سوري ضد اهداف أمريكية أو إسرائيلية، كلها خيارات قد تؤدي إلى اندلاع حرب ما أن تبدأ لن يكون بمقدور أحد معرفة متى ستنتهي أو كيف سيكون شكلها ومن سيدفع ثمناً باهضاً للدخول في هكذا نفق.
أسئلة بالجملة تلاحقت بعد تنفيذ الضربة العسكرية الثلاثية الأميركية-الفرنسية-البريطانية على سوريا: هل تمّ ابلاغ الروس مسبقاً عن أهداف الضرية؟ هل ناورت واشنطن لأيام لخداع موسكو قبل تنفيذ الضربة؟ لماذا لم تشارك أنظمة الدفاع الجوي الروسي المتواجدة في سوريا بصد الصواريخ، وهي قادرة؟ هل تبدأ المفاوضات حول سوريا الآن؟ ما هي الاهداف الأميركية الفعلية؟.
ثمة سيناريوهات مطروحة، لا حسم لتفضيل أحدها على الآخر حتى الساعة.
أتت الضربة العسكرية الغربية بعد أيام من التردد الأميركي، وتسريب واشنطن معلومات متناقضة، بدا خلالها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكأنه يتلاعب بأعصاب السوريين والروس وحلفائهم. تغريدة تحسم أمر الضربة، تتبعها بعد دقائق تغريدة مناقضة تستبعد الحسم. كان الهدف الترامبي متعدد الوجوه: محاكاة الرأي العام الأميركي تحديداً الذي قاده عبر تغريدات منذ حملته الانتخابية، لتأكيد قيادته للولايات المتحدة، وتجاهل وجود مؤسسة عميقة تحرص على دراسة خياراتها الاستراتيجية بصمت. التلاعب الترامبي هدف لدفع الروس الى التفاوض بالتنازل عن ثوابتهم تجاه دمشق. كان الفرنسيون والبريطانيون مجرد متلقّين لتغريدات ترامب. لدرجة أن الاعلام الاوروبي صار ينتظر مواقف حكوماته، بناء على مزاج الرئيس الأميركي، الذي يرصده عبر تويتر. في هذه الاثناء، أبلغ الفرنسيون الروس أنهم سيشاركون في الضربة المرتقبة ضد مواقع سورية. الابلاغ جاء بمثابة التبرير المسبق. لم يقتصر الابلاغ للروس على الفرنسيين، هذا ما فعله البريطانيون والأميركيون. لكن إرجاء موعد الضربة في ظل الاعلان عن تردد أميركي، وتباينات داخل البيت الأبيض، أوحت بأن هناك مناورات احتيالية للتلاعب والايحاء بأن التهويل اعلامي لفرض التفاوض، في زمن تحصيل الأميركيين والأوروبيين مكاسب مالية من دول خليجية عربية. كانت دمشق أيقنت ان واشنطن تسعى فعلاً لتوجيه ضربة عسكرية، فأخلى السوريون مواقع عسكرية ووزارية وادارية، وتحسّبوا لاستهدافات صاروخية موجّهة. التنسيق السوري-الروسي قائم، لكنه اقتصر على مد دمشق بالمعلومات، والتوجيه، ولم يصل الى حد استخدام الروس أي دفاع جوي لمنع الصواريخ الغربية من الوصول الى أهدافها في سوريا. كان بمقدرة الدفاعات الروسية اسقاط كل الصواريخ الموجّهة الى المواقع السورية. لم تفعل القيادة الروسية. هذا ما يعزز من وجود تواصل أميركي-روسي، قاد الى تحييد الروس عن المواجهة المباشرة. امام تلك الوقائع والاستنتاجات، هناك سيناريوهات محتملة:
أولا”: عدم الرد الروسي يخفي موافقة ضمنية روسية على مخرج قضى بإستهداف الغرب لتلك المواقع السورية، مقابل استمرار دمشق في سياسة الحسم الميداني.
ثانياً: عدم الردع الروسي يوحي بعجز موسكو عن الرد والدخول في مواجهة مباشرة مع الأميركيين، وبالتالي الفرض على روسيا الدخول في مفاوضات سياسية حول طبيعة النظام في سوريا، ودور الإيرانيين، وتواجد “حزب الله”، وتقاسم الثروات الطبيعية، ومستقبل الجنوب السوري، وفرض اتفاق غير مباشر بين دمشق وتل ابيب.
ثالثاً: اي رد روسي على المواقع او السفن الاميركية او البريطانية او الفرنسية، يعني ادخال حلف شمال الاطلسي بصراع مع محور تقوده موسكو، يقود الى حرب عالمية.
رابعاَ: عدم موافقة سوريا ولا روسيا ولا ايران على تلبية المطالب الاميركية، قد يقود الى حملات وضربات عسكرية مماثلة، بإستخدام حجج اخرى. ما يعرقل التمدد العسكري السوري، ويعزز من معنويات المسلحين المتهالكين في عدد من المناطق السورية، وبالتالي يحبط الجهود الروسية في سوريا.
كل المؤكد، ان روسيا لن تتنازل عن دورها في سوريا، لكن عدم تدخلها الردعي المباشر، لا يعني تراجعها ولا هزيمتها. انها جولة في حرب مفتوحة، عسكريا وسياسيا، لن تقتصر على المساحة السورية. قد تكون اللعبة الدولية بدأت الآن وعلى نار حامية بعد أن كانت تُطبخ بهدوء. في هذا الشوط، حقق الاميركيون هدفهم في تنفيذ الضربة. نجحت دمشق في صد جزء من الصواريخ، رغم كثافتها، فأثبتت قدرة السوريين على الدفاع بعد سنين قاسية من الحرب. قللت دمشق من حجم الخسائر بفعل الاستعداد والتنسيق مع الروس. لكن المستهدف اعلاميا ومعنويا هي موسكو. فماذا ستفعل روسيا الآن؟ لكن يبقى السؤال الأهم.. إلى أين تريد أن تذهب واشنطن في سيناريو التصعيد وهل هو جزء من استراتيجية ستفضي بنهاية المطاف إلى إعادة فرض السيطرة الأمريكية على الشرق الأوسط واستعادته كما كان بالنسبة لها قبل 2015؟