يبدو أن العمل لست ساعات يومياً بأجر كامل حلم يحلم به معظم الناس، ولكن بالنسبة لمجموعة تتكون من 70 ممرضاً وممرضةً سويدية كان هذا واقعاً يعيشونه على مدار العامين الماضيين، بحسب صحيفة The Independent البريطانية.
إذ كانوا ضمن تجربة تهدف إلى اختبار مزايا العمل لوقت أقل، الأمر الذي جذب انتباهاً كبيراً حول العالم، إذ شعر المشاركون بصحة أفضل وكانوا أكثر سعادة، كما كان لديهم المزيد من الطاقة وكانوا أكثر إنتاجية.
كما أخذ الممرضون والممرضات الذين يعملون ساعات أقل إجازات مرضية أقل، وكانوا بصحة أفضل وأكثر إنتاجية.
فيما قالوا أنهم كانوا يشعرون بسعادة أكثر بنسبة 20% في المتوسط، كما كانوا يتمتعون بالمزيد من الطاقة في العمل وفي أوقات فراغهم. وتوصلت الدراسة إلى أن ذلك سمح لهم بالقيام بالأنشطة البدنية مع النزلاء المُسنين، بنسبة أكبر تصل إلى 85% .
هذا، وأخبرت الممرضة المساعدة إيميلي تيلاندر، والتي عادت في الوقت الحالي إلى العمل بنظام 8 ساعات، وكالة BBC: “أشعر بالمزيد من التعب أكثر مما كنت قبل ذلك”، مضيفةً: “أثناء التجربة كان العاملون جميعاً يشعرون بطاقة أكثر. كما أستطيع أن أقول بأن الجميع كانوا يشعرون بالسعادة”.
التكلفة الكبيرة عائق أمام تعميم التجربة
على الرغم من النتائج الإيجابية فقد كانت هناك مشكلة كبيرة، وهي التكلفة، إذ أنفقت مدينة جوتنبرج 12 مليون كرونة (1.1 مليون جنيه إسترليني) على هذه التجربة، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى تشغيل 17 ممرضاً وممرضةً إضافيين لتغطية الساعات المتبقية.
فحتى في السويد، المشهورة بحالة الرفاهية العالية، يبدو وبشكل واضح أن هذه التكلفة كبيرة جداً كي تتحملها.
هذا، وصرح دانيال برنمار، عضو مجلس الحزب اليساري والذي أيّد خطة جوتنبرج التجريبية بالقول: “هل يمكننا تعميم هذا على البلدية بأكملها؟ الإجابة هي لا، فستكون التكلفة عالية جداً”.
وتابع قوله: “لقد وُضِعت خطة تقليص يوم العمل على الأجندة بالنسبة لكل من السويد وأوروبا، وهو أمر رائع”.
ففي حين أن هذه الخطة ربما كانت محط أنظار العديد من عناوين الأخبار بالإضافة إلى أنها جذبت انتباه هؤلاء الذين يعملون لساعات طويلة حول العالم، إلا أن خطة العمل لست ساعات يومياً ناضلت جاهدةً كي تربح تأييداً سياسياً واسعاً في السويد.
جدير بالذكر، أن الحزب اليساري، يعتبر هو الحزب الوحيد في الدولة الذي يؤيد ساعات العمل الأقل، وفاز الحزب بـ 6% من الأصوات فقط في الانتخابات العامة الأخيرة.
النتائج ليست حاسمة
ومما يعيق تطبيق هذه التجربة على أرض الواقع، أن نتائج المحاولات لإثبات الكفاءة الاقتصادية لساعات العمل الأقل، لم تكن قاطعة حتى الآن.
فقد جرى التخلي عن مجموعة من المحاولات المشابهة في التسعينيات من القرن العشرين وأوائل القرن العشرين بسبب نقص البيانات القاطعة.
إذ توصلت تجربة سويدية أُخرى أُجريت مؤخراً في دار للمتقاعدين بمدينة أوميو إلى أن معدل الإجازة المرضية -على العكس- ارتفع من 8% ليصل إلى 9.3%.
بينما جاءت إحدى النجاحات في مركز خدمة تويوتا في السويد، إذ تم تقليص نوبات العمل عام 2003 مما حقق دفعة فورية في الإنتاج وزيادة الأرباح، ومن حينها، حافظت الشركة على نظام ساعات العمل الأقل.
إذاً، لم يحظ نظام العمل لست ساعات يومياً بالقبول في السويد في ظل نظامها المشهور بالرفاهية الكبيرة والتأكيد على التوازن بين العمل والحياة، لذا يبدو أن هناك أملاً ضئيلاً للعاملين في الاقتصادات الأنجلو ساكسونية مثل المملكة المتحدة في تقليص عدد ساعات العمل.
شركات نفذت الفكرة: النجاح مرهون..
فيما قامت بعض الشركات باقتباس الفكرة، إذ حاولت شركة التسويق Agent Marketing ومقرها بمدينة ليفربول البريطانية، تجربة ساعات العمل الأقل يومياً لمدة شهرين مطلع عام 2016.
إذ صرح بول كوركوران، مدير عام الشركة في حديث لصحيفة The Independent: “كان هناك الكثير من المزايا الرائعة، شعر الناس بالانتعاش وكانوا أكثر إبداعاً، كما كان ذلك في صالح الفعالية والكفاءة”.
وأضاف كوركوران قائلاً إن العملاء لاحظوا أيضاً السعادة التي يشعر بها الموظفون مما ساعدنا على الفوز بالأعمال.
وقد تمسكت شركة Agent بقوة بنظام العمل لست ساعات في بادئ الأمر، مما أدى إلى بعض التغييرات المثيرة.
كما أعلن كوركوران عن تقليص مدة الاجتماعات التي تمتد لساعة إلى خمس عشرة دقيقة بسبب الحاجة إلى ادخار الوقت.
ولكن أردف كوركوران قائلاً: “كانت هناك تحديات تحيط بهذه العملية، ففي بعض الأحيان تسبب ذلك في إحداث المزيد من الضغط نظراً لأنهم يتوجب عليهم إنجاز عملهم بشكل أسرع، حتى يتمكنوا من المغادرة مبكراً”.
كما قال كوركوران أنه في النهاية توصلت الشركة إلى حل وسط ينص على أن العمل يوم الجمعة يكون ست ساعات ويمكن لكل موظف على حِدة أن يختار يوماً آخر من كل أسبوع تكون ساعات العمل فيه أقل، ولكن المزايا بقيت كما هي بالإضافة إلى سعادة وإنتاجية أكبر للموظفين.
كما قامت الشركة بتوفير أنشطة التأمل والتمارين الرياضية والتدليك الشهري لجميع الموظفين، ولكن حتى مكان العمل الذي يبدو مثالياً لا يمكنه تفادي الحقائق التجارية.
فكما صرح كوركوران: “في النهاية، يكون الهدف الأهم هو إنجاز العمل لعملائنا، وإلا ستكون ساعات العمل اليومية بمعدل صفر في اليوم لأنه لن يكون لدينا عملاء”.