لوموند: الجزيرة.. “علبة الكبريت” التي هزت عروش الخليج!

باريس – وكالات:

دول الحصار ارتكبت خطأً فادحاً بالدخول في مواجهة مع الجزيرة

القناة التي لم تتراجع أمام تهديدات واشنطن لا يتوقع أن تستسلم لمؤامرات السعودية والإمارات

الجزيرة ظلت تدفع ثمن استقلالها منذ 21 سنة وهي مستعدة للاستمرار

الجزيرة دفعت قطر إلى مرتبة اللاعب الرئيسي على الساحة الدولية

قناة العربية فقدت كثيراً من مصداقيتها خلال الأزمة الحالية

من مقر متواضع يشبه المستودع، لا تزال قناة الجزيرة تحافظ، رغم ما تتعرض له من ضغوط، على بريقها وعنفوانها في العالم العربي بل وتتصدر جميع قنواته الإخبارية.

فإغلاق “سفيرة قطر” – كما وصفتها لوموند الفرنسية – هو أحد شروط السعودية ومصر والإمارات والبحرين لرفع الحصار الذي تفرضه على الدوحة منذ 5 يونيو الماضي، إذ تتهم تلك الدول الجزيرة بـ “التخريب والتحريض على الكراهية”.

بدأ المراسل الخاص للصحيفة بنيامين بارت مقاله المطول بوصف المقر المتواضع للجزيرة فـ “مركز الزلزال الذي يهز كيان دول الخليج العربي منذ خمسة أشهر.. ليس سوى مبنى من طابقين يشبه المستودع، متوار عن الأنظار في غابة ناطحات السحاب العالية الارتفاع، ذات التصاميم الصارخة، التي تهيمن على خليج الدوحة”.

وهذا هو ربما السبب الذي جعل الرئيس المصري السابق حسني مبارك يسخر من هذه القناة -التي اشتهرت منذ نشأتها بتوفير منبر لجميع معارضي الحكومات العربية- قائلا “الله.. علبة الكبريت دي هي اللي عاملة الدَوْشة (الضوضاء، الجلبة) دي كلها”؟

وذكر المراسل أن الجزيرة سلطت الضوء منذ أيامها الأولى على عدد كبير من حالات الفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان في العالم العربي، فواجهها المستبدون العرب بموجة من الاستنكار والشجب. ونقل في هذا الإطار وصف أحد المسؤولين الخليجيين الكبار لهذه القناة بعد بثها شريطا لزعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن قائلا “هذه القناة تقدم السم على طبق من فضة”.

علبة الكبريت

ويبدو بعد 18 سنة من ذلك التصريح أن الرياض وأبو ظبي والمنامة والقاهرة أخذت على نفسها قلب ذلك “الطبق” رأسا على عقب وسحق “علبة الكبريت”.

هذا هو ما استنتجه بارت من إدراج إغلاق الجزيرة ضمن الشروط الـ 13 التي وضعتها دول الحصار واعتبرتها واجبة التنفيذ وغير قابلة للنقاش لرفع الحصار المضروب على قطر، وقال أيضا إن التهمة التي توجهها هذه الدول للجزيرة هي “التخريب” و”التحريض على الكراهية” وهو ما حاولت الإمارات تجسيده في شريط فيديو من خمس دقائق، متوافر بالإنجليزية والعربية والفرنسية جمعت فيه بعض اللحظات الأكثر إثارة في مسيرة بث الجزيرة.

ولا تنكر الجزيرة – وفق بارت – وقوعها في بعض الأخطاء “لسنا ملائكة، إننا نخطئ، ولكن لم يكن ذلك أبدا سياسة متعمدة للي عنق الحقائق من أجل خلق الفوضى، إن الذي يخلق الفوضى هو الديكتاتوريات والأنظمة التي تغلق محطات التلفزيون” وفق مدير الأخبار بالجزيرة عاصف حميدي. ورغم بعض الهفوات، يؤكد مراسل لوموند أن الجزيرة ما تزال في نظر عشرات الملايين من العرب – من موريتانيا إلى العراق – مصدرا موثوقا للأخبار.

السفير الأول

ويرى بارت أن الجزيرة أصبحت سفير قطر الأول، وأنها دفعت هذه الدولة الصغيرة إلى مرتبة اللاعب الرئيسي على الساحة الدولية، وقد مكن هذا النفوذ من مضاعفة دور الدوحة وجعلها تصر على اللعب منفردة على الساحة الإقليمية وهو ما سبب إزعاجا كبيرا لجيرانها الخليجيين.

وينقل بهذا لإطار عن مدير القناة في الفترة ما بين عامي 2003 و2011 وضاح خنفر قوله “إغلاق قناة الجزيرة سيكون بمثابة تجريد السياسة الخارجية لدولة قطر من سلاحها، فهذه القناة تتيح لقطر تجاوز حدودها الجغرافية، من دولة صغيرة محصورة بين عملاقين هما إيران والسعودية، وبدون قناة الجزيرة، لا شيء يميز قطر عن البحرين..”.

وأوضح خنفر أن “الدعوة إلى إغلاق الجزيرة تدفعها الرغبة في خفض ترتيب قطر حتى تصبح مجرد دولة صغيرة عادية تابعة للسعودية، ولهذا السبب فإن قطر لن تغلق قناة الجزيرة أبدا”.

واستطرد مراسل لوموند تاريخ إنشاء الجزيرة قائلا: إن صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مكّن بلده – من خلال هذه القناة ومن خلال المدينة التعليمية التي أنشأها بالتوازي معها- من الخروج من العباءة الثقافية والسياسية للسعودية.

ولفت إلى تميز الجزيرة وانفرادها في تغطيتها لأحداث مهمة في أفغانستان والعراق وفلسطين مما جعلها تتربع على المشهد السمعي البصري في الشرق الأوسط، ولم تنزعج منها سوى النخب العربية الحاكمة التي تجلد باستمرار في برامجها الحوارية.

تلك البرامج التي يقدمها محررون وصفهم بارت بأنهم مزيج غريب من العلمانيين المعتدلين والإسلاميين إضافة إلى من يحنون للزمن الناصري، ولذلك فإن القناة ما فتئت تعترض للتهمة ونقيضها في آن واحد، فـ -وفق رغبة المتحدث – الجزيرة مؤيدة للرئيس العراقي الراحل صدام حسين وللحركة الفلسطينية الإسلامية (حماس) وللشيعة بل وحتى لـ إسرائيل.

إخراج المخالب

ويلاحظ مراسل لوموند أن الجزيرة ظلت خلال أكثر من ست سنوات تهادن بعض الدول الخليجية، لكنها أخرجت مخالبها منذ إدراج إغلاقها ضمن شروط رفع الحصار عن قطر.

وينقل في هذا الإطار عن الإعلامي السعودي جمال خاشقجي قوله “هذا أحد الأخطاء الإستراتيجية في هذه الأزمة، فقد وضع الجزيرة في مواجهة مع السعودية والإمارات، مما جعلها تقوم فعلا بما كانت تتهم بالقيام به قبل الأزمة”.

ويسخر الكاتب من وسائل الإعلام الموالية للسعودية، قائلا إنها ضاعفت من نشر “الأخبار المفبركة” الصارخة التي كانت دائما بعيدة عن الحقيقة، مما أفقدها مصداقيتها، إذ فقدت “قناة العربية” التي كانت في السابق منافسة للجزيرة كثيرا من مصداقيتها خلال الأزمة الحالية، على حد قوله.

ويبدو أن الجزيرة مستمرة في نهجها ولن تخضع للابتزاز – وهذا ما نقله بارت عن خنفر- إذ يقول “هل يتصور لمن لم يستسلم أمام تهديد الأمريكيين الذي وصل حد التلويح بقصف القناة في عامي 2004 2005 أن يستسلم أمام مؤامرات السعودية والإمارات؟ إننا ندفع ثمن استقلالنا منذ 21 سنة ونحن مستعدون للاستمرار”.

السابق
افتتاح مؤتمر المباني الخضراء
التالي
بالتفاصيل.. كيف تمت محاولة الإيقاع بالرئيس ترمب في اختراق “قنا”؟!!