“سبيتار” نموذج حيّ وشاهد عيان على أهمية استكمال التجربة
السياحة العلاجية في قطر مصدر ثروة متكاملة الأركان تنتظر قرارات التطبيق
قطر تمتلك جميع المقومات ومبررات الإهمال غير متوفرة
مئات الآلاف من الزوار رهن تطوير هذا القطاع
مطالب بإنشاء مستشفيات ومنتجعات علاجية على أعلى مستوى
بزنس كلاس ـ أنس سليمان
تحولت الكثير من الدول لوجهة سياحية مثالية بسبب ما تقدمه من مستشفيات، أو طرق طبيعية للاستشفاء، فالكثير من المرضى يحرصون على التوجه لدول بعينها لما توفره من سبل للعلاج، سواء من خلال أفضل المستشفيات حول العالم، كما هو الحال في بريطانيا وكوريا الجنوبية، أو الجانب الاستشفائي الذي يعتمد بصورة أساسية على الأعشاب، ودول جنوب شرق آسيا تٌبرع في هذا الجانب، إضافة إلى ما توفره من مناطق طبيعية للاستجمام.
ويمكننا أن تتخيل ما يمكن أن تحققه السياحة العلاجية للقطاع السياحي القطري إن طالعت الاحصائيات المتعلقة بهذا النوع من السياحة في دولة كالمكسيك، فقد زارها خلال عام نحو مليون سائح طلباً للعلاجات الطبية في مجالات عدة من بينها البدانة وتجميل الأسنان التي تشتهر بهما.
والدول العربية أيضاً من بينها بلدان برعت في استقطاب الراغبين في السياحة العلاجية، وفي مقدمتها الأردن وفلسطين، حيث تعتمد السياحة العلاجية في الأردن وفلسطين على وجود الأملاح والبحر الميت الذي يعالج الصدفيات وأمراض الجلد، ووجود المنتجعات الطبية الخاصة، وهما من أعرق الدول في العلاج بالطمي المالح في العالم.
إقليم سياحي غائب
وعلى الرغم مما تتمتع به قطر من إمكانيات، والتي يمكن أن تضعها ضمن الدول الأكثر استقطاباً للسياح الراغبين في العلاج، ولكن هذا النوع ما زال غائباً عن خارطة السياحة القطرية، الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات عن أسباب عدم إنشاء مستشفيات ومنتجعات علاجية على أعلى مستوى، على الرغم من كونه مطلب الكثيرين من أبناء قطر، توفيراً للأموال الطائلة التي ينفقونها على العلاج بالخارج.
ولعل ما يبرز حرص القطريين على العلاج والاستشفاء في الخارج، انطلاق أحد الشركات في الدوحة، والتي تعمل على تنظيم رحلات لدول العالم من بين سكان قطر من أجل العلاج والاستشفاء، ما يظهر مدى أهمية الدوحة بالنسبة للشركات المتخصصة في هذا المجال، فقد أعلنت شركة “غيت تو ويلنيس” المتخصّصة في السياحة الصحية، وهي الجهة الوحيدة المتخصصة في هذا المجال، أنها على أتم الاستعداد للانطلاق بقوة خلال العام الحالي، خصوصاً مع وجود طلب كبير من قبل أفراد المجتمع على السياحة العلاجية في الخارج.
منابع ثروة مهملة
والمراجع لحركة السياحة القطرية في السنوات القليلة الماضية، يجد آلاف القطريين يلجؤون للعلاج في لندن وتركيا ودول جنوب شرق آسيا، في حين إن بلادهم قادرة على طرح الكثير من المستشفيات المماثلة، ناهيك عن أن هذا المجال لا تنافس فيه دول الخليج بقوة، ما يمكن أن يجعل من قطر نقطة ارتكاز يتجمع فيها عشرات الآلاف من شتى البلدان العربية.
وعلى الرغم مما عانته الاقتصاديات الخليجية بصورة عامة بتراجع القطاع السياحي، الذي ضُرب بقوة بعد تهاوي أسعار النفط، إلا أنه يمكن الجزم بأن السياحة العلاجية ستظل على قوتها في مختلف دول العالم، كونها متعلقة بمراكز عالمية في علاج أمراض بعينها، وتظل هذه الدول في استقبالها للسياح ما دامت متفوقة في هذا المجال.
بقاء مراكز العلاج حول العالم قبلة للراغبين في البحث عن دواء لأمراضهم يضاعف من تهم الإهمال الموجهة للمؤسسات المعنية في قطر، بأنها لم تقدم على هذه الخطوة حتى الآن، فالدولة لديها من الموارد ما إن وجهته ربما تتحول لوجهة أساسية لمئات الآلاف سنوياً من الراغبين في العلاج، وعليها دراسة الأمر بصورة جدية.
تجربة نموذجية
ومن التجارب الناجحة التي أقدمت عليها قطر حتى الآن، والتي تمثل خطوة قوية على طريق السياحة العلاجية، مستشفى سبيتار، وهي أوّل مستشفى متخصّص في جراحة العظام والطبّ الرياضي في المنطقة، وتقدم أفضّل علاج طبي وخدمات لجميع الرياضيين واللاعبين في مستشفى من الفئة الأولى، ما جعلها وجهة للكثير من الرياضيين حول العالم.
وتتضمّن سبيتار مراكز امتياز في مجال الطبّ الرياضي، العلوم الرياضية، جراحة العظام وإعادة التأهيل، ويفي المشفى القطري بالمعايير الدولية في علاج إصابات كرة القدم ومشاكل العظام، وتستخدم أفضل الأساليب وآخر التقنيات لتوجيه المرضى عبر إعادة التأهيل نحو التعافي الكامل، وقد اعتُمدت سبيتار عام 2008 رسمياً من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA كمركز تميّز طبي.
وحرصت الكثير من الفرق الرياضية على إجراء فحوصات لاعبيها في سبيتار لما يتمتع به من إمكانيات عالية، تضاهي كبرى المستشفيات حول العالم، وتضمّ المستشفى 50 سريراً، وتهدف إلى وضع معايير جديدة في مجالات التشخيص ومعالجة الإصابات الرياضية والبحوث. تشمل مرافق سبيتار أيضاً غرفة بيئية، و24 غرفة لنقص الأكسجين يُمكنها استيعاب 48 شخصاً.
ولعل نجاح تجربة الطب الرياضي في قطر يطرح الكثير من التساؤلات حول غياب التوسع في هذا النوع من السياحة، خاصةً مع الإمكانيات التي تتمتع بها قطر، والاستحقاقات العالمية تقبل عليها الدولة.
مصدر جديد للدخل
تجدر الإشارة إلى أن السياحة العلاجية باتت مصدر دخل اقتصادي كبير، وحسب أرقام منظمة الصحة العالمية فإن حوالي 108 ملايين شخص يسافرون للبحث عن السياحة العلاجية وينفقون أكثر من 45 مليار دولار، ومن بين الدول المتميزة في هذا المجال: كندا وكوستاريكا والفلبين والمكسيك وكولومبيا والهند والدومينيكان وجامايكا والبرازيل وتايلاند وكوريا وبريطانيا وسنغافورة وإيطاليا وعربياً نجد الأردن وفلسطين ودبي على رأس القائمة.