كيف وضع أدولف هتلر حداً للبطالة بألمانيا؟

يوم الثلاثين من شهر يناير/كانون الثاني من سنة 1933، حصل القائد النازي أدولف هتلر على منصب المستشار الألماني، وقد جاء تعيينه خلفاً للمستشار السابق كورت فون شلايشر (Kurt von Schleicher) والذي استقال من منصبه يوم 28 من نفس الشهر.

وتزامنت الفترة التي حصل خلالها أدولف هتلر على السلطة مع فترة الأزمة الاقتصادية العالمية والتي عرفت بالكساد العظيم.

صورة للقائد النازي أدولف هتلر

فعلى إثر إنهيار سوق الأسهم الأميركية يوم 29 من شهر أكتوبر/تشرين الأول من سنة 1929 (الثلاثاء الأسود)، عاشت أغلب اقتصادات العالم على وقع أزمة حقيقية امتدت طيلة فترة الثلاثينيات حيث تراجعت التجارة العالمية وانخفض متوسط الدخل الفردي وعائدات الضرائب والأسعار والأرباح، فضلاً عن ذلك بلغت نسبة البطالة مستويات قياسية في مختلف الدول.

وفي ألمانيا، تسببت الأزمة الاقتصادية العالمية في نتائج كارثية، ففي حدود عام 1933 بلغت نسبة البطالة في ألمانيا 30% حيث قدّر عدد العاطلين عن العمل بأكثر من 6 ملايين شخص. وفي الأثناء، واجه الحزب النازي، عقب حصول قائده أدولف هتلر على منصب المستشار، تحدياً كبيراً، فطيلة الأشهر السابقة اتخذ النازيون من تفشي البطالة عاملاً أساسياً للترويج لحزبهم مؤكدين على قدرتهم على وضع حد لهذه الأزمة.

صورة للمستشار الألماني كورت فون شلايشر

وعقب تعيينه ليالمار شاخت (Hjalmar Schacht )كرئيس للبنك المركزي الألماني سنة 1933 ومن ثم كوزير للاقتصاد سنة 1934، اتجه أدولف هتلر نحو تشجيع وتمويل برنامج الأشغال العمومية، حيث وضعت ألمانيا خطة لبناء آلاف الكيلومترات من الطرق لتحفيز الاقتصاد والحد من نسبة البطالة وبناء على عدد من الإحصائيات وفرت عملية بناء ما عرف بالطريق السيار (Autobahn) فرص عمل لأكثر من 80 ألف ألماني دفعة واحدة ما بين سنتي 1933 و1934، فضلاً عن ذلك ارتفع هذا العدد بشكل مذهل خلال السنوات التالية ليقدر بمئات الآلاف.

صورة من داخل أحد مصانع الأسلحة الألمانية

وفي غضون ذلك، وجه النازيون كل طاقاتهم نحو مشاريع إعادة تسليح ألمانيا وهيكلة الجيش ولهذا السبب تخطت الإنفاقات العسكرية منذ سنة 1933 الميزانية المخصصة للمشاريع العمومية.

ومع حلول شهر يونيو/حزيران سنة 1933، حدد يالمار شاخت ميزانية عسكرية بلغت 35 مليار رايخ مارك للسنوات القادمة، وهو ما مثّل مبلغاً مذهلاً مقارنة بالإنفاق العسكري الألماني خلال عشرينيات القرن الماضي. ولتجاوز أزمة الضغوط الدولية التي حدّت من تسلح بلاده، لم يتردد أدولف هتلر في إعلان إنسحاب ألمانيا من منظمة عصبة الأمم (The League of Nations) سنة 1933 وتخليها عن معاهدات جنيف.

صورة لقائد سلاح الجو الألماني هرمان غورينغ

واستعداداً لمجابهة حرب محتملة، اتجه جيش البر وجيش البحر الألماني نحو توسيع قدراته العسكرية عن طريق زيادة غير مسبوقة في عدد الجنود والإمكانيات، وبناء على ذلك بلغ تعداد جيش البر الألماني سنة 1936 حوالي 300 ألف جندي وهو ما مثّل خرقاً واضحاً لاتفاقية “فرساي”، كما اتجه جيش البحر الألماني نحو تحفيز مشاريع ضخمة لبناء العديد من السفن الحربية والغواصات.

وتزامن كل ذلك مع مشروع سري آخر لإعادة هيكلة وبناء سلاح الجو الألماني والذي حرمت منه ألمانيا عقب نهاية الحرب العالمية الأولى. وبفضل تطور قطاع الصناعة العسكرية، تزايد إقبال ألمانيا على النفط والحديد حيث تضاعف الاعتماد الألماني على هذه المواد 3 مرات مقارنة بالفترات السابقة.

وعلى إثر إقرار برنامج الأربع سنوات والذي تزعمه الرجل الثاني في الحزب النازي هرمان غورينغ (Hermann Göring)، تزايد الإنفاق العسكري الألماني بشكل كبير بداية من سنة 1936 وبفضل ذلك تطورت العديد من المصانع الألمانية لتوفر المزيد من مواطن الشغل.

صورة من داخل أحد مصانع الدبابات الألمانية

قضت مشاريع التسلح العملاقة على نسبة هامة من البطالة، وفي مقابل ذلك سجّل الدين العام الألماني ارتفاعاً مذهلاً. ولتجاوز هذه الأزمة الاقتصادية راهن الخبراء الألمان على توسع بلادهم الجغرافي خلال السنوات التالية وحصولها على المزيد من الموارد الطبيعية واليد العاملة من البلدان المحتلة.

ووضعت ألمانيا نظاماً بيروقراطياً سعت من خلاله للحد من الواردات حيث عمد أدولف هتلر عن طريق هذا النظام إلى إنهاء المنافسة الأجنبية بالأسواق الألمانية وتعزيز المقدرة الشرائية للمواطن الألماني.

صورة لرئيس البنك المركزي الألماني ووزير الإقتصاد يالمار شاخت

ومن أجل تأهيل الألمان للعمل، أمر أدولف هتلر بداية من سنة 1933 باعتماد برنامج لجنة العمل الوطنية، ومن خلالها أجبر كل مواطن ألماني تراوح عمره بين 18 و25 سنة على قضاء 6 أشهر بأحد معسكرات العمل، مرتدياً الزي العسكري ليعمل هنالك في مجالات عديدة وخاصة الأعمال الفلاحية، فضلاً عن ذلك خضع كل من بداخل هذا المعسكر إلى تدريبات رياضية لزيادة لياقتهم البدنية.

وخلال نفس تلك الفترة، عمدت ألمانيا إلى خفض عدد النساء العاملات بهدف توفير مواطن شغل إضافية للرجال ليتم على إثر ذلك منح راتب لكل امرأة توافق على البقاء بالمنزل. ولم يتردد الحزب النازي في دعم سياسة الإنجاب، وبناء على ذلك مُنح كل زوجين جديدين مبلغاً مالياً من خزينة الدولة لدعمهما على الاستقرار.

رسم بياني حول تذبذب نسبة البطالة بألمانيا ما بين عامي 1921 و1939

لم يتمكن برنامج إقصاء النساء من العمل من تحقيق أهدافه، فمع تطور الاقتصاد أتيحت المزيد من مواطن الشغل لتجبر الدولة الألمانية عقب ذلك على الرضوخ للأمر الواقع والقبول بتواجد العنصر النسائي بالمصانع.

وبحلول عام 1939، أعلنت ألمانيا أن نسبة البطالة قد بلغت صفراً بالمائة، فلم يتواجد بالبلاد أي عاطل عن العمل.

ومن جهة أخرى، عانى النظام العمّالي الألماني من نقائص عديدة، حيث كانت حقوق العمال شبه غائبة وانحازت كفة الدولة غالباً لأرباب المؤسسات، فضلاً عن ذلك أُجبر اليهود، عقب تجريدهم من الجنسية الألمانية، على التخلي عن أعمالهم لصالح المواطنين الألمان.

السابق
صور لبحيرة رمى فيها موسوليني كنوزه وعلى ضفافها أعدم
التالي
أول نادٍ للضحك بمصر.. هذا ما يقدمه لرواده