كيف تغيّر مفهوم “الترف”

 

قبل “ثورة” الإنستغرام الذي أطلق في أكتوبر من عام 2010، كانت صناعة الأناقة تعيش في حالة من الركود. فباستثناء الأخبار عن انتقال المديرين الإبداعيين بين دار وأخرى، لم نكن فعلياً نعيش تلك الحالة المستمرة من الشوق والحماسة وأحياناً “الهلع” الذي تفرضه علينا اليوم وسائل التواصل الاجتماعي. كعاملين في قطاع الإعلام، كنا ننتظر العروض الموسمية في عواصم الموضة العالمية، عروض الهوت كوتور الباريسية، وما بينها من أخبار اعتيادية تتعلق بإطلالات النجمات أو بجديد دور الأزياء على مستوى الهيكلية أو الأحداث الكبيرة التي تنظّمها بحضور المشاهير.

كل ذلك تغيّر اليوم. لقد أصبحنا نعيش حالة من الترقّب الدائم ومتابعة يومية لكل ما يُنشر في الإنستغرام، بعدما تحوّل إلى المنصّة الإعلامية الأكثر تأثيراً في الجيل الجديد.لقد أدركت الدور والعلامات الكبيرة هذه الخاصية، واستجابت لها، ومنحتها حقها من الاهتمام. لذلك أصبحت تخصّص جزءاً كبيراً من ميزانياتها السنوية للتعاون مع المؤثرات والمدونات، ولتنظيم الحملات الرقمية، ودخلت في منافسة محتدمة في ما بينها، لاستهداف أوسع شريحة ممكنة من مستخدمي الإنستغرام، فنظمت المسابقات التي تتيح لهم الفوز بجوائز قيّمة من منتجاتها، ومنحتهم أيضاً الأفضلية للاطلاع على جديدها من خلال البث المباشر لكواليس عروض الأزياء وما يدور داخلها. لقد كانت هذه الكواليس أماكن محظورة في السابق، أما اليوم، فأصبحت متاحة ومستباحة في الوقت نفسه. لم يعد هنالك أي مكان للخصوصية ولا لمبدأ الحصرية.في الواقع، فرضت السوشيال ميديا نفسها علينا، كما فرضت حضورها على العلامات الكبيرة، وجعلتها تتنازل عن الكثير من امتيازاتها.
تراجع تأثير النجمات مقابل سطوع نجم هواة الأناقة
ما الذي يعنيه ذلك؟ خلال السنوات الثماني الأخيرة ظهرت طبقة جديدة من المشاهير والنجمات. بدأت هذه الفئة تتكون مع انتشار مفهوم برامج تلفزيون الواقع، كما هي الحال بالنسبة للأخوات كارداشيان / جينر. لقد أسّست هؤلاء الفتيات لمفهوم جديد كلياً. فالموهبة والكفاءة لم تعودا مطلوبتين لتحقيق النجاح وجني الثروات. يكفي أن تكون السيدة جميلة وأن تستعرض قوامها المثير أمام الجمهور، حتى تتحوّل إلى نجمة عالمية بين ليلة وضحاها.
تفاقمت هذه الظاهرة مع انتشار استعمال الإنستغرام الذي حوّل مجموعة من الفتيات الشغوفات بالموضة والتجميل، إلى مؤثرات من الدرجة الأولى. لقد دخلنَ إلى كل بيت، وأصبح العالم كله يتابع أخبارهنّ اليومية، وأصبحت الملايين من الفتيات في العالم يقلدنهنّ ويستوحين من إطلالاتهنّ.فعلت هؤلاء المؤثرات ما لم تستطع نجمات السينما ولا وسائل الإعلام التقليدية فعله. لقد نجحنَ في الترويج للكثير من المنتجات، من الملابس إلى الحقائب والساعات والمجوهرات وبالطبع، ملايين مستحضرات التجميل والمكياج. لقد لمست العلامات الكبيرة تأثيرهنّ الكبير لمس اليد من خلال الارتفاع الملحوظ في نسبة مبيعاتها. فقد كان يكفي أن تظهر كيم كارداشيان مثلاً وهي تنتعل حذاءً من جيمي شو، حتى تتلقى العلامة الآلاف من الطلبات في اليوم التالي على الحذاء نفسه!
هكذا كانت البداية، لكن، لكل شيء وجهان. إيجابي وسلبي.
من الحصرية إلى الشعبية
من الواضح أن العلامات الكبيرة وجدت نفسها منقادة وراء المؤثرات الاجتماعيات ومدوّنات الموضة، فضلاً عن اليوتيوبرز، فتمادت في التعاون معهنّ وأغدقت عليهنّ بالمنتجات والتصاميم مقابل نشر الصور لها على حساباتهن الخاصة. أما المفارقة الكبيرة فتكمن في أن مستوى الحياة الحقيقي لهؤلاء المؤثرات لا ينسجم فعلياً مع مستوى ما يحصلن عليه من منتجات. الكثير منهن يأتين من أسر متواضعة الحال، والكثير منهن لا يستطعن تحمّل ثمن هذه المنتجات إذا أردنَ شراءها بدل الحصول عليها كهدايا.من ناحية ثانية، رواج المنتجات الفاخرة على نحو كبير و عشوائي في مواقع التواصل الاجتماعي، عاد عليها بآثار سلبية. صحيح أن هذه العلامات ضاعفت من مستوى أرباحها، لكنها في المقابل خسرت من مكانتها ومن خصوصيتها. بمعنى آخر، حتى أغلى المنتجات ثمناً، باتت في متناول الجميع، ما يعني أن هذه المنتجات لم تعد حصرية، بل أصبحت شعبية، أي واسعة الانتشار!
ماذا يقول أصحاب الاختصاص؟يُقال إن السوشيال ميديا جعلت الأناقة “أكثر ديمقراطية”. وهذا صحيح تماماً. والديمقراطية تعني أن من حق كل إنسان الحصول على كل ما يرغب فيه، حتى وإن عنى ذلك حقيبة نادرة من Hermès أو ساعة فريدة من نوعها من Patek Philippe. فماذا يقول أصحاب الاختصاص والخبراء في عالم الفخامة والمنتجات المترفة؟
طرحنا هذا السؤال على Alexandra Kindermann مديرة الاتصالات في مزاد كريستيز Christie’s  وطلبنا منها تحديد المعنى الجديد للرفاهية، فقالت: “الرفاهية تُختزل بتلك الخبرة التي نكتسبها في التعامل مع المنتجات الراقية، والمعرفة بأدق تفاصيلها، فضلاً عن المعرفة التي نراكمها من خلال علاقتنا المباشرة مع فنانين مرموقين وخبراء و أصحاب الكفاءات العالية. واليوم، لا تقتصر العلامة التجارية الفاخرة على اسم العلامة فقط، بل أيضاً على ما ترمز إليه، الطريقة التي يُستخرج بها الألماس، والجلود المستخدمة، ورؤية المصمّم وموهبته”.
يقول البعض اليوم إن الترف هو وجود وقت كافٍ لنفسك، والبعض الآخر يقول إن الفخامة هي المنتجات الحصرية، والشعارات الخفيّة في الأزياء، والعلامات التجارية غير المعروفة التي تنتج تصاميم يدوية الصنع. ما رأيك كخبيرة في العلامات التجارية الفاخرة؟
الحرفية والندرة هما ما يبحث عنه الناس. نحن نرى ذلك في مزاداتنا للمجوهرات في جنيف عندما تتاح لنا الفرصة لتقديم قطع من مصنّع المجوهرات JAR، حيث نجذب مشترين من جميع أنحاء العالم لزيارة القطع المعروضة واقتنائها. ينتج JAR أقل من 100 قطعة من المجوهرات في السنة فقط لأشخاص معيّنين. فهو ليس لديه بوتيك أو نظام توزيع، حتى إنك لن تجدي استوديو له في ميدان فاندوم في باريس.
من الناحية التجارية، أضفت وسائل الإعلام الاجتماعي طابعاً ديمقراطياً على عالم الرفاهية. أصبحنا جميعنا قادرين على الوصول إلى كل شيء، وما كان يُعدّ حصريًا من قبل ينتشر الآن في كل مكان على الإنستغرام. شخصياً، كيف ترين تأثير الإعلام الاجتماعي على مفهوم الرفاهية؟
الوصول إلى كل شيء هو وصف جيد لأنه يشمل أيضاً الوصول إلى كل أنواع المعرفة والأخبار. نحن نتأكد من أننا لا ننشر المعلومات بإفراط، ونحرص على دقّة المعلومات التي نقدّمها، ما يحافظ على الإثارة – هذه القطع تتحدّث عن نفسها ولا تحتاج إلى أيّ نوع من التحسين!
الترف اليوم يعني الوقت!
أيمن فاقوسا اسم معروف في عالم المنتجات الراقية في الإمارات. فهو الشريك المؤسِّس لوكالة The Qode للعلاقات العامة، التي تعمل مع لائحة طويلة من العلامات الراقية في مجال الموضة والجمال والمجوهرات والخدمات الفندقية. يقول أيمن إن الترف له علاقة بما هو مرغوب فيه، ويضيف: “الوقت في رأيي هو الترف! والعلامات التجارية التي لا تُعدّ مترفة في العادة، هي الآن قادرة على فرض رسوم باهظة على منتجات الـ”Must Have” التي تكون محدودة العدد – ومعظمها عبارة عن أحذية رياضية”.

وعن الفرق بين المنتجات الحصرية، والشعارات الخفيّة في الأزياء، والعلامات التجارية غير المعروفة التي تنتج تصاميم يدوية الصنع، يقول أيمن: “صحيح أن الخطوط غير واضحة، والمستهلكين يدفعون نفس الأسعار مقابل منتج صُنع في إيطاليا كما يفعلون مقابل منتجات صُنعت في الصين! الرفاهية تتطوّر بالتأكيد هذه الأيام، لكن الرفاهية أمر شخصي جداً. للأسف لم يعد هناك احترام كبير للحرف اليدوية، التي شخصياً أقدّرها كثيراً”.

أمّا عن تأثير السوشيال ميديا في جعل الأناقة والمنتجات الراقية أكثر ديمقراطية وأكثر شعبية، فيشرح أن وسائل التواصل الاجتماعي سيطرت على العلامات التجارية من حيث كيفية التعبير عن العلامة. هذا في رأيي واحد من أجمل الأمور التي ابتكرتها وسائل الإعلام الاجتماعي. كما يحثّ العلامات على إنشاء محتوى أكثر جمالاً وتشويقاً. وسائل الإعلام الاجتماعي أيضاً تغذي “الضجيج” حول عناصر معيّنة وتنتج الطلب عليها.

 

السابق
أشكال غريبة من الطعام تمت مشاركتها من مختلف أنحاء العالم
التالي
ثورة من الدنيم بعدما ارتدت ميغان ماركل هذا الفستان