بزنس كلاس – خاص:
كان واضحاً منذ اندلاع الأزمة الخليجية بأن الرئيس الأمريكي “المتسرع” دونالد ترمب أشد المؤيدين والأكثر حماساً للانقضاض على قطر. وسرعان ما أظهرت تغريداته على تويتير بأنه إذا لم يكن مهندس هذه الحملة على الدوحة فهو على الأقل مؤيد كبير لها لأسباب كثيرة أهمها جبال المشاكل التي خلقها لنفسه وإدارته داخل الولايات المتحدة وخارجها بفترة قياسية لإي رئيس في العالم وليس رئيس دولة عظمى. وبعد اندلاع الأزمة باقل من 48 ساعة، بات واضحاً أيضاً لكل متابع متنبه بأن دولة مؤسسات كالولايات المتحدة لايمكن أن تذهب لاتخاذ موقف مخالف لكل أنواع التحالفات والمنطق السياسي والاقتصادي لمجرد مزاجية أو وجهة نظر محدودة لأحد أركانها. فرأينا الهوة حول التعاطي مع الأزمة الخليجية تتسع بين البيت الأبيض من جهة والبنتاغون والخارجية الأمريكية من جهة اخرى. فهل تكون الأزمة الخليجية -الترمبية المفتعلة مع قطر مدخل لصراع داخل أروقة الإدارة الأمريكية قد يؤدي بالأمور إلى مكان لا يريد أحد الوصول إليه؟!
في هذا السياق، كشف مراسل صحيفة “الجارديان” في واشنطن “جوليان بورجر” عما تعانيه السياسة الخارجية الأمريكية في المرحلة الحالية من تعدد الأصوات وتشوشها وقال في تحليل له “إن الحصار المستمر على قطر من قبل جيرانها أبرز انشقاقات واضحة في السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب”.
ويدلل “جوليان بورجر” في تحليله على هذا التشوش بقوله إنه وفي الوقت الذي عبر فيه “ترامب” عن تأييده للموقف والمطالب السعودية من قطر، فإن وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين تبدوان في تناقض واضح وصريح لذلك، وهي كما تقول الصحيفة رسالة مختلطة ومشوشة ربما تسهم في زيادة الأزمة سوءا.
ويعتبر “جوليان” أن الأزمة التي أوجدها ذلك الموعد النهائي الذي حدده التحالف الذي تقوده السعودية ضد قطر من أجل أن تحقق مطالب التحالف الأخيرة، ستزيد تعمقا على ما يبدو بفعل الرسائل المتناقضة الصادرة عن واشنطن.
ويرى “جوليان” أنه وبينما أعرب “ترامب” صراحة عن وقوفه وراء الحصار المفروض على قطر، فإن وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين انتقدتا بشدة هذا الحصار سواء على المستوى الخاص أو المستوى العلني.
ويضيف “جوليان” أن وزير الدفاع الأمريكي “جيمس ماتيس “هو من سارع لطمأنة القطريين على استمرار واشنطن في دعمهم، مدركا بطبيعة عمله لأهمية العمليات الجوية التي يجري تنسيقها من قاعدة “العيديد” الجوية الأمريكية في قطر، كما أنه وقع مع قطر صفقة عسكرية وصلت قيمتها إلى 12 مليار دولار.
أما وزارة الخارجية الأمريكية وفقا لما يقوله “جوليان” فقد أصدرت توبيخا لاذعا لتصرفات السعوديين وحلفائهم في مصر والإمارات والبحرين، حيث طالبهم وزير الخارجية الأمريكي “ريكس تيلرسون” صراحة بأن تكون مطالبهم من قطر “معقولة وقابلة للتحقيق”، ويضيف “جوليان” أنه وبعد ظهور تلك القائمة من المطالب التي قدمتها هذه الدول لقطر لتنفيذها خلال عشرة أيام، فإنه حان الوقت لمعرفة أي تلك المطالب معقولة وقابل للتحقيق.
مطالب غير قابلة للتحقيق
وينقل المراسل عن المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية “هيثر نويرت” قولها “أعتقد أنهم –الحلفاء في الخليج – يعرفون تماما ما هي الأشياء المعقولة وما هي الأشياء غير القابلة للتحقيق”.
ويرى “جوليان” أن الأطراف المختلفة للإدارة الأمريكية عادة ما يكون لها معالجات مختلفة لمشكلات السياسة الخارجية، لكنها لم تكن كما هي في المرحلة الحالية، ويضيف أنه وخلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وعلى سبيل المثال، فإن البيت الأبيض كان ميالا بصورة أكبر لتجنب المخاطر وعدم التدخل فيما يتعلق بالأزمة السورية، على عكس وزارتي الدفاع والخارجية لكن نادرا ما كانت الخلافات تطفو على السطح بصورة واضحة وبشكل يوحي بالفوضى.
ويرى مراسل “الجارديان” في واشنطن أن الأزمة الحاصلة في الخليج، يعود أساسها الأول والمباشر إلى الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي الجديد “دونالد ترامب” إلى الرياض في العشرين من مايو الماضي، والتي كانت أولى زياراته الخارجية، وحيث أمطره الجميع بالحفاوة والإطراء، وحيث أختار “ترامب” أن ينحاز إلى المعسكر السني ضد إيران، أما بعيدا عن العلن يقول “جوليان” فإنه بدا أن “ترامب” كان قد أعطى الضوء الأخضر للرياض سواء بشكل تكتيكي أو صريح، لبدء عدائها لجارتها قطر التي تعتبرها مشاكسة، وقد بدا واضحا من خلال تغريدات “ترامب” على تويتر مدى ترحيبه بالحصار الذي فرضته السعودية وحلفاؤها على قطر، وهو ما دفع وزارتي الدفاع والخارجية إلى اتخاذ خطوات مناهضة لما قاله “ترامب” تهدف لاحتواء آثار ما قام به الرئيس الأمريكي.
رؤية البنتاجون
وينقل المراسل عن مصدر في معسكر “ترامب” على صلة بشؤون السياسة الخارجية قوله “أعتقد أن التوجه العام في البيت الأبيض هو أنهم مع السعودية والإمارات العربية والحلفاء الآخرين” لكنه يضيف “لكن توقيع وزارة الدفاع لصفقتها للأسلحة مع قطر، جاء كإشارة أولى لنا بأن وزارة الدفاع ترى ما لا يراه البيت الأبيض وعكس ما كنا نعتقد”.
ويقول المصدر لمراسل “الجارديان” بدت الخلافات واسعة جدا بين موقف البيت الأبيض، وذلك البيان الصادر عن وزارة الخارجية وهو ما يوحي بأن هناك سياسة خارجية، لكن هناك على ما يبدو معارضة لتلك السياسة الخارجية، وهو ما يبدو غريبا في الحقيقة وغير متوقع”.
ويدلل المراسل على عدم وجود اتساق في السياسة الخارجية الأمريكية بحادث آخر، إذ يتحدث عن سياسة واشنطن الخارجية تجاه روسيا وأوكرانيا، فيقول إنها تثير الاستغراب أيضا، فبينما كان الرئيس الأوكراني “بيترو بوروشينكون” يزور واشنطن هذا الأسبوع كان لديه اعتقاد بأنه سيلتقي الرئيس ” ترامب” وهو ما يمثل دعما لموقفه في النزاع المستمر مع انفصاليي شرق أوكرانيا وداعميهم في موسكو.
ويشير المراسل إلى أنه وبينما كان رئيس أوكرانيا يغادر بلاده متجها لواشنطن لم يكن يعلم حتى تلك اللحظة، أنه سيلتقي ترامب في واشنطن، في وقت واصل فيه البيت الأبيض إصراره على عدم لقاء رئيس أوكرانيا بالرئيس الأمريكي، وأنه يجب أن يلتقي فقط نائب الرئيس “مايك بينس” لكن لم يتغير الموقف إلا بعد ضغط من قبل مستشار الأمن القومي “مكماستر” حيث وافق البيت الأبيض على أن يقوم رئيس أوكرانيا ونائب الرئيس الأمريكي بلقاء قصير مع “ترامب” و”مكماستر”.
وحتى خلال لقائه بالرئيس الأوكراني فإن “ترامب” لم يتفوه حتى بأي كلمة دعم للرئيس الأوكراني ولا بأي انتقاد للعدوان الروسي على بلاده، لكنه وحين لقاء رئيس أوكرانيا بوزير الدفاع خلال زيارته للبنتاجون فإن الوزير أسمعه تأييدا واضحا، حيث قال له “نحن نؤيدك في وجه التهديدات لسيادة بلاده والتهديدات للقانون والنظام الدوليين”.