خلال القرن الماضي لم تتردد الولايات المتحدة الأميركية في إصدار قانون منعت من خلاله صناعة أو نقل أو تصدير أو استيراد المشروبات الكحولية، وقد جاء اعتماد هذا القانون بعد جهود استمرت لعقود عديدة حيث ناضلت العديد من الجمعيات والمنظمات المسيحية الأميركية بهدف وضع حد لتواجد المشروبات الكحولية على الأراضي الأميركية.
في أثناء ذلك ومن خلال قرار حظر المشروبات الكحولية سعت الولايات المتحدة الأميركية إلى تحقيق نتائج اجتماعية واقتصادية إيجابية، لكن بعد سنوات قليلة جاءت النتائج مخيبة للآمال ليتم على إثر ذلك إصدار قانون آخر ألغي من خلاله قرار حظر المشروبات الكحولية.
أصول قرار حظر المشروبات الكحولية
منذ ثلاثينات القرن التاسع عشر، سعت العديد من المنظمات المسيحية الأميركية إلى وضع حد لتواجد الكحول على الأراضي الأميركية حيث لم يتردد هؤلاء في مناداة الكحول بالخطيئة الكبرى لأميركا مؤكدين أن حظر هذه المشروبات سيساهم في تراجع نسبة الجريمة وزيادة التقارب بين العائلات وارتفاع نسبة الوطنية.
ومع حلول منتصف القرن التاسع عشر لم تتردد بعض الولايات الأميركية في تمرير قوانين من أجل تحديد كمية الكحول المسموح بها لكل فرد، وعلى إثر نهاية الحرب الأهلية الأميركية انتشر هذا القانون بشكل سريع عقب تبنيه من قبل العديد من الولايات الأخرى.
ومع بداية القرن العشرين نشطت العديد من الجمعيات المدنية الأميركية بهدف الضغط على الحكومة من أجل إصدار قوانين لحظر الكحول على كامل التراب الأميركي وخلال تلك الفترة لقيت هذه الفكرة استحسان نسبة كبيرة من النساء الأميركيات اللوات عبّرن عن استيائهن من تزايد العنف الزوجي وانهيار الروابط العائلية بسبب الكحول.
ومع كل ذلك ساند العديد من أصحاب المؤسسات الصناعية فكرة حظر الكحول حيث ظن هؤلاء أن غياب الكحول سيؤدي إلى تراجع الحوادث وزيادة نسبة الإنتاج.
صدور قرار حظر المشروبات الكحولية
وفي سنة 1917 وعلى إثر دخول الولايات المتحدة الأميركية الحرب العالمية الأولى، أصدر الرئيس الأميركي وودرو ويلسون بعد موافقة الكونغرس قراراً مؤقتاً بوقف إنتاج الكحول، ومن خلال هذا القرار سعت الإدارة الأميركية إلى تجميع أكبر نسبة ممكنة من الحبوب بهدف استغلالها لدعم جهود الحرب.
خلال شهر كانون الأول/ديسمبر سنة 1917 اقترح أعضاء الكونغرس الأميركي وضع قانون يهدف لحظر المشروبات الكحولية على التراب الأميركي، وفي الأثناء لقي مشروع هذا القرار استحسان العديد من كبار السياسيين.
ومع حلول منتصف شهر يناير سنة 1919 وافقت 36 ولاية أميركية على القانون رقم 18 والذي يقضي بحظر المشروبات الكحولية ليتم عقب ذلك تمرير هذا القانون والذي تقرر أن يدخل حيز التنفيذ بعد سنة، فضلاً عن ذلك ومع حلول شهر تشرين الأول/أكتوبر من نفس السنة مرر الكونغرس الأميركي مجموعة من القوانين الأخرى لدعم قانون حظر الكحول.
النتائج المخيبة لقانون حظر المشروبات الكحوليةحال دخوله حيز التنفيذ تسبب القانون رقم 18 في نتائج كارثية على الاقتصاد الأميركي، حيث أجبرت مصانع المشروبات الكحولية على إتلاف منتوجاتها وإغلاق أبوابها وقد أسفر ذلك عن تسريح العديد من العمّال مما تسبب في تزايد نسبة البطالة.
وبسبب غياب المشروبات الكحولية أفلست العديد من المطاعم الأميركية وأغلقت أبوابها. طيلة فترة العمل بالقانون رقم 18 خسرت الولايات المتحدة الأميركية حوالي 11 مليار دولار على شكل ضرائب ورسوم جمركية فرضت سابقاً على المنتجات الكحولية، فضلاً عن ذلك أُجبرت الإدارة الأميركية على إنفاق ما يقارب 300 مليون دولار من أجل تدعيم قرار حظر المنتوجات الكحولية.
في أثناء ذلك وتزامنا مع بداية العمل بقانون حظر الكحول، شهدت الأنشطة الإجرامية ارتفاعاً مذهلاً حيث تزايد نفوذ رجال العصابات والذين عمدوا إلى تصنيع الكحول وبيعها بطريقة غير قانونية محققين أرباحاً خيالية. ولعل أبرز هؤلاء الخارجين عن القانون “آل كابوني” والذي كان يحقق بمفرده أرباحاً سنوية بلغت قيمتها 60 مليون دولار.
إضافة إلى كل هذا ارتفعت نسبة الفساد بين رجال الشرطة الأميركية الذين لم يمانعوا من أخذ الرشوة مقابل غض النظر عن الأنشطة غير القانونية لرجال العصابات.
وخلال إقدامهم على صناعة الكحول وترويجها بشكل غير قانوني، لم يتردد رجال العصابات في استخدام مواد سامة ومضرة بالصحة، وبسبب ذلك سجلت نسبة الوفيات بسبب التسمم عن طريق الكحول ارتفاعاً واضحاً خلال فترة العمل بالقانون رقم 18 حيث تم الحديث حينها عن وفاة ما لا يقل عن 1000 أميركي سنوياً بسبب الكحول السامة.
نهاية العمل بقانون حظر المشروبات الكحولية
مطلع الثلاثينات، ضاق الأميركيون ذرعاً من قانون حظر المنتجات الكحولية حيث تسبب الأخير في نتائج كارثية على الاقتصاد والمجتمع لترتفع تدريجياً أصوات نادت بضرورة إلغاء القانون رقم 18.
سنة 1932 ومع احتدام أزمة الكساد العظيم أصبح إلغاء قرار حظر المنتجات الكحولية أمراً لا مفر منه، حيث كان ذلك ضرورياً من أجل خلق المزيد من مواطن الشغل، في أثناء ذلك استغل المرشح للرئاسة الأميركية فرانكلن روزفلت هذا العامل خلال حملته الانتخابية واعداً الجماهير بإلغاء القانون رقم 18 في حال فوزه.
وبفضل هذا الوعد حقق فرانكلن روزفلت النصر خلال السباق الرئاسي ليعين رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وعلى إثر ذلك لم يتردد الأخير في عرض قرار من أجل إلغاء حظر الكحول سنة 1933 وافق عليه الكونغرس وقد حمل هذا القرار الجديد اسم القانون رقم 21.
وخلال الفترة التالية عرض القرار على مختلف الولايات الأميركية ليلقى ترحيباً واسعاً وفي الأثناء واصلت بعض الولايات العمل بقانون حظر الكحول إلى حدود سنة 1966 حيث كانت ولاية ميسيسيبي آخر ولاية ألغت القانون رقم 18 على أراضيها لتسمح بعودة الكحول.