قناة “سلوى” .. نعمة النسيان

بزنس كلاس – رئيس التحرير:

أعلنت السعودية بأنها تنوي شق قناة سمتها “سلوى” تفصل بموجبها دولة قطر عن البر الرئيسي لشبه الجزيرة العربية. وتبرعت الإمارات العربية المتحدة بملئ تلك القناة بحيوانات بحيرة مفترسة مثل القرش الأبيض والنمر وأنواع أخرى وحتى تحويل التماسيح جينياً كي تتمكن من العيش بالمياه المالحة حتى تضعها في تلك القناة كي لا يتجرأ القطريون على عبورها إذا فكروا بالأمر.

بدا الأمر عندما تسربت الأخبار للمرة الأولى أقرب ما يكون للمزحة السمجة خصوصاً في الشارع القطري الذي تجاوز مرحلة المفاجئة فيما يمكن أن يصدر من قرارات عن نظامي الرياض وأبوظبي الذين يريدان الذهاب بالعداوة حتى حدود الدم دون أي وازع أخلاقي لردعهما لكن ما كان “المحمدان” يعولان عليه أن يجعلا الدوحة تنفعل ويدخلالها في لعبة ردود الأفعال الانفعالية التي لا تجر على صاحبها سوى الندامة والخسارة.

تفاصيل المشروع المشبوه الذي يندفع محمد بن سلمان لتنفيذه ربما دون حساب على المدى البعيد وتحت تأثير سطوة محمد بن زايد عليه، ربما سيشكل وبالاً على السعودية نفسها أكثر مما يمكن اعتباره نوعا من “العقاب” ضد قطر وأهلها. وربما سوف يسهم إذا وجد طريقه للتنفيذ بأن يحقق نبؤة تحول قطر إلى جزيرة فعلاً لتبقى “الجزيرة” رمز انعتاق الدوحة من خناق الشقيق “حتى لو كان “كبيرا” شامخة معلنة أنها أخذت هذا الاسم الذي يصف حال قطر خصوصاً بعلاقاتها مع دول الحصار بالشكل الصحيح، كما رأى الأمر احد المعلقين المصريين الذي اشبع الرياض وأبوظبي تهكما على هذا المشروع المفترض.

كما يأتي الإعلان عن هذا المشروع المشبوه وسط مرحلة حبلى بتغيرات ضخمة على مستوى المنطقة والعالم، فالشرق الأوسط يشهد عملياً هذه الفترة مرحلة إعادة صياغة جغرافياً كما توضح الأحداث التي تجري وتلك التي في طور الانطلاق من سوريا شمالاً حتى اليمن جنوباً ومن ليبيا حتى إيران وبدون استثناءات كما يرى الأمر كثير من الخبراء والعارفين ببواطن الأمور. وإضافة إلى جغرافيا “الرمال المتحركة” التي تشهدها المنطقة، هناك تغيرات كبرى في مجال التموضع السياسي والاقتصادي أيضاً. من هذه الزاوية يمكن رؤية مشروع “سلوى” في إطار سلة متكاملة من الإجراات التي تذهب إليها السعودية والإمارات فيما يمكن تسميته “انتحار سياسي” لقطع كل أواصر العلاقة مع أشقاء كثر وليس قطر وحدها من أجل مشروع غزل طويل الأجل مع العشيقة “إسرائيل”.

إسرائيل هي، من يرمي مزيداً من الحطب في الحرائق المشتعلة إقليمياً، وهي كلمة السر في كل ما يجري الآن سواء في العلاقة الخليجية المتوترة حتى حدود الحرب في رؤوس المحمدين الحامية وما يجري من توريط لقوى الخليج من ليبيا حتى سوريا والعراق.

ولأن الأمر ليس مبنياً على استراتيجية واقعية قائمة على اساس تحقيق مصلحة الشعبين السعودي والإماراتي بل نقضيه مقابل مصلحة الحكام، نرى التخبط واضح في الهدف المعلن من مشروع سلوى. فالسعودية تريد تحويل الحدود مع قطر إلى مكب نفايات نووية لمشروع بعيد المنال على الأقل في المدى المنظور، بينما تريده الإمارات أن يتحول إلى واحة سياحية وكل يفكر ليس حسب مصلحته بمقدار حساب الضرر الذي يوقعه على دولة قطر وأهلها لأن هذا هو الأههم بالنسبة للعقول المريضة التي انتجت مثل هذا المشروع. تريد السعودية أن تؤذي القطريين بأن تجعلهم يعيشون قرب النفايات النووية ما يدمر البيئة في قطر ويجعل من الحياة عليها أو على جزء كبير منها مستحيلة  على المدى الطويل، بيما تفكر الإمارات بتحويل قناة سلوى المفترضة لمنطقة سياحية من الطراز الممتاز لتضرب قطاع السياحة القطرية الناشئ بمقتل وتدمر أحد أهم دعائم رؤية قطر الوطنية 2030.

كل ما سبق ربما يحدث وعلى الأرجح لن يجد طريقه للتنفيذ سواء المشروع أو الأمنيات والأحلام المبنية عليه، لكن ما فشلت دول الحصار بتحقيقه بوسائل أشد واسوأ من قناة سلوى لن تحصل عليه من هذا المشروع البائس. فالخطوط البحرية لا يمكن تحويلها إلى تلك النقطة الداخلية “جداً” وهي النشطة على الخط الذي يسير وسط منطقة الخليج والمواقع السياحية المفترضة في تلك المنطقة لن تتمكن حتى لو تمت من منافسة المشاريع القطرية القائمة حالياً أو تلك التي يتم العمل عليها لأسباب كثيرة ليس أقلها أن أهم الأفواج السياحية وأكبرها تأتي عن طريق السفن التي ستبحث دوماً عن المسار الأقرب والأكثر استخدماً وهذا لن يكون من نصيب قناة سلوى.

والأمر قد لا يقف عند هذا الحد، فقد تقوم قطر مثلاً وفي إطار حسابات مصالحها القومية بتحويل المنطقة الحدودية مع السعودية إذا ما تم المشروع إلى موقع أو عدة مواقع تقيم عليها محطات طاقة نووية. لما لا فليست السعودية ولا الإمارات أفضل منها حتى تحصلان على هذا النوع من الطاقة التي يسعى عدد كبير من الدول الآن للحصول عليها بعد أن بات المشهد الدولي جاهزاً لهذا الخيار.

الأهم أنه إذا ما تم هذا المشروع فإن “شعرة معاوية” بين الدوحة ودول الحصار تكون قد انقطعت فعلاً وعندها يمكن للدوحة أن تدير ظهرها نهائياً للقابعين على الضفة الغربية للجزيرة وتلتفت ببساطة ننحو الشرق.. ويمكنها كذلك، على سبيل مجارة الفكر الضحل لأصحاب  التماسيح، أن تنشر مجموعات كبيرة من “الدببة” على حدودها الغربية لتلتهم كل من تمكن من النجاة من قروش الإمارات وتماسيحها وحاول الوصول إلى قطر وليس العكس، لكن قطر لم تفكر يوماً ولن تفعل، كما يفعل “الصغار” بل تبقي يدها ممدودة وصدرها رحب بانتظار عودة العقل إلى رؤوس قد هجرها لأنها كبيرة ليس بحساب العقل فقط بل بحسابات كثيرة ينساها المحمدان!

على السعودية أن تحذر مما هي مقبلة عليه وإلى اين يريد بن زايد وغيره أن يأخذها، وعليها أن تدرك أن مكانتها “الكبيرة” لا تأتي من حجمها الجغرافي والمالي، بل من مواقفها من الثوابت الإسلامية والعربية والمصلحة العربية أولاً.. على حكام الرياض أن يدركوا هذا جيداً.

يمكن لدولة قطر أن تنسى الإساءة، وهذه فضيلة، في الأخلاق والاقتصاد وحتى السياسة، لم يتعلمها بعد على ما يبدو حكام السعودية رغم أنهم أطلقوا على القناة اسم “سلوى”.. فمتى يسلون عن الضغائن ويركزون على ما يجمع العرب وأهل الخليج لا على ما يقسم المقسم ويفتت المجزأ؟!!

السابق
النفط.. حقبة تخمة المعروض انتهت
التالي
70% من الخضار خلال عام.. القطاع الزراعي يسد الفجوة على طريق الاكتفاء الذاتي