قناة سلوى.. سيناريوهات متعددة أمام الدوحة

كيف سترد قطر على المشروع

أعلنت السعودية في أبريل/ نيسان من العام الحالي  2018 نيتها شق قناة على طول حدودها مع دولة قطر أطلقت عليها اسم قناة سلوى. ورغم أن المشروع لا يشكل ضرورة اقتصادية، إلا أن الرياض اختارت المضي فيه حتى الآن على ما يبدو لأهداف سياسية بحتة. هذا المشروع الذي ستقوم السعودية بموجبه بشق قناة بحرية ضمن أراضيها وعلى بعد كيلو متر واحد فقط من حدودها مع قطر يأتي في سياق استكمال الحملة العدائية التي تقودها المملكة بالشراكة مع البحرين والإمارات العربية المتحدة إضافة لدولة مصر ضد دولة قطر بغية وضع مزيد من الضغوط السياسية على الدوحة وإرغامها على الخضوع لإملاءات الرياض.

الدوحة من جانبها لم تعلق على موضوع قناة سلوى بشكل رسمي منذ أن بدأ الحديث عن الموضوع في وسائل الإعلام، لكن مع انتشار أخبار تفيد بأن أضخم حفار في العالم قد اجتاز خليج عدن متوجهاً إلى منطقة الخليج وتصريحات الصحف السعودية التي تفيد بأن مهلة تقديم العروض لشق القناة سوف تنتهي بحلول الـ 25 من يونيو / حزيران الحالي 2018، باتت قطر أمام أمر واقع عليها أن تتعامل معه وفق سيناريوهات مختلفة رغم أن القرار السعودي الرسمي لم يتخذ حتى الآن من أجل انطلاق عمليات الحفر.

تفاصيل المشروع الأزمة

ذكرت صحيفة “مكة” نقلاً عن مصادر سعودية مطلعة بأن فترة تقديم العروض لحفر قناة سلوى السعودية، ستنتهي 25 يونيو/حزيران الحالي، بعد أن تمت دعوة 5 شركات عالمية متخصصة في حفر القنوات الدولية لهذه المهمة وتقديم عطاءاتها. وبحسب المصادر فإنه سيعلن عن الشركة أو التحالف الفائز في حفر قناة سلوى، في فترة لا تتجاوز 90 يوما، بحيث تبدأ الشركة أو التحالف الذي سيرسو عليه المشروع بالإعلان عن خطته للعمل الفوري في حفر القناة على أن يتم الانتهاء من حفر القناة خلال أقل من عام واحد من بدء العمل.

ويأتي هذا التطور في أعقاب أقل من شهرين من إعلان تحالف استثماري من القطاع الخاص عن مشروع شق القناة على طول الحدود البرية الشرقية للمملكة مع قطر، والذي تهدف السعودية به لفرض مزيد من العزلة على قطر وتحويلها إلى جزيرة معزولة عن البر الرئيسي لشبه الجزيرة العربية.

في مارس/آذار الماضي، أظهر تقرير لصندوق النقد الدولي أن الأثر الاقتصادي والمالي المباشر على قطر نتيجة للحصار المفروض عليها من بعض الدول العربية الأخرى، آخذ في التلاشي.

وفي الإعلان الأول عن المشروع يوم 5 أبريل/نيسان  الفائت، قالت وسائل إعلام سعودية إن المشروع يتضمن شق قناة بحرية على طول الحدود السعودية القطرية، امتداداً من منطقة سلوى إلى خور العديد، غايتها الإسهام في “التنشيط السياحي” بين دول الخليج عبر الرحلات البحرية.

وتستمد القناة الجديدة اسمها من مدينة سلوى الواقعة شمال غرب مدينة الهفوف، التابعة لمحافظة الأحساء في المنطقة الشرقية السعودية، على بعد كيلومتر واحد من الحدود مع قطر. وبطريقة ساخرة زادت وتيرة تهكم السعوديين في الفترة الأخيرة بإطلاقهم مسمى “جزيرة شرق سلوى” على دولة قطر.

وحسب خطة المشروع، ينتهي حفر القناة في أقل من عام من بدء العمل، وهي بشكل ما تشبه فترة حفر ما سُمي “قناة السويس الجديدة” في مصر، التي طالتها انتقادات بعدم جدواها اقتصادية، بجانب وصفها من قبل خبراء ومهتمين بالشأن العام بـ”التفريعة”.

وتموَّل المشروع المفترض جهات استثمارية من القطاع الخاص في السعودية ودولة الإمارات بتكلفة تبلغ نحو 2.8 مليار ريال سعودي (ما يعادل نحو 746 مليون دولار)، فيما ستتولى شركات مصرية رائدة في مجال الحفر مهمات حفر القناة المائية، للاستفادة من الخبرات المصرية في حفر قناة السويس، حسب ما أوردت وكالة أنباء الأناضول.

كما سيتم الربط بحريًا بين سلوى وخور العديد بقناة عرضها 200 متر، وعمقها من 15 إلى 20 متراً، وطولها 60 كم، ما يجعلها قادرة على استقبال جميع أنواع السفن، من حاويات وسفن ركاب.

ويهدف المشروع لتحويل المنطقة لنقطة جذب سياحية، من خلال إنشاء مرافئ على جانبي القناة مخصصة لممارسة العديد من الرياضات البحرية، وإنشاء موانئ لاستقبال اليخوت والسفن السياحية، وفنادق فئة “خمس نجوم”، ومنتجعات بشواطئ خاصة.

إلى جانب إنشاء قاعدة عسكرية سعودية في جزء من الكيلومتر الفاصل بين الحدود القطرية وقناة سلوى البحرية، فيما سيتم تحويل الجزء المتبقي إلى مدفن نفايات لمفاعل نووي تجهز السعودية لإنشائه بالتعاون مع قوى كبرى.

وبحسب خبراء جيوسياسيين فإن إنشاء قاعدة عسكرية سعودية بين مشروع قناة سلوى البحرية والحدود القطرية سيمنح السعودية جزءا استراتيجيا من جزيرة سلوى التي بدورها تضم الأراضي القطرية، ما يعني أن قطر بعد هذا المشروع لن تكون جزيرة مستقلة.

ماذا يمكن أن تفعل قطر بوجه هذا العدوان؟!!

حتى الآن لم تدلي الحكومة القطرية بأي تصريح حول موضوع القناة بشكل رسمي سوى بتعليق بسيط أعلنه وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني عندما تم سؤاله عن موضوع القناة المفترضة في 12 أبريل / نيسان عندما قال: “تلك أمور لا قيمة لها ولا يمكن التعليق عليها”.

عندما يبرر البحرين “فوائد” مشروع القناة السعودية

في معرض تعليقه على المشروع، توقع من أطلق على نفسه خبيراً بالشؤون الدولية  أو الخبير القانوني البحريني بدر الحمادي أن يؤثر مشروع حفر قناة سلوى على في قطر أمنياً واقتصادياً، فضلاً عن تأثيره المرتقب على استضافة قطر لنهائيات كأس العالم ٢٠٢٢، كونها ستتحول إلى جزيرة وستفتقد الحدود البرية مع دولة أخرى.

وأضاف الحمادي أن من شروط استضافة كأس العالم أن يكون لدى الدولة المستضيفة منفذ بري على الأقل مع دول ذات علاقات سياسية واقتصادية بشكل مقبول، بحيث يكون التعاون بحدود مفتوحة، وهذا ما ستفتقده الدوحة إذا تم حفر قناة سلوى المائية، ما سيدخل ملف استضافة مونديال 2022 دائرة من النقاشات.

وأشار الحمادي إلى أن الدوحة تمر بحال اقتصادية يسيطر عليها كثير من الركود وانحسار التنمية وتذبذب المشاريع، فضلاً عن مغادرة كثير من العمالة الأجنبية التي تعيش تحت ظروف صعبة. وبالمجمل، والكلام هنا ايضاً للمحلل البحريني، هناك حالة بطء في التنمية العامة، التي كانت مرسومة لعام 2020 قبيل استضافة كأس العالم بعامين، وهذا بسبب الأزمة الحالية والخطوات التي اتخذتها الدول الداعية إلى مكافحة الإرهاب، حسب وصف الحمادي.

لكن من جانب آخر، يؤكد كثير من المحللين والأرقام والمؤسسات الدولية بأن تحليلات الحمادي ليست سوى ضرب من الجنون مقابل الحقائق التي يراها الجميع فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي في قطر والذي يتفوق بشكل واضح وحسب أرقام البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على نظيراتها من دول الحصار. كما أن حفر قناة سلوى لو تم ووفق القانون الدولي لا يمكن له أن يحرم قطر من حق استضافة كأس العالم بأي حال، حيث أنه وفق تحليلات أو “أحلام” الحمادي فإن دولة مثل استراليا مثلاً لا يمكن أن تملك حق استضافة نهائيات كاس العالم لكرة القدم. وكذلك كيف يمكن للسيد حمادي وصحيفة الحياة السعودية أن يبررا مثلاً تمكن كوريا الجنوبية من استضافة كأس العالم 2002 وهي شبه جزيرة ولا تملك حدوداً إلا مع دولة عدوة لها (كوريا الشمالية) آنذاك. إضافة لحقيقة أن اليابان التي اشتركت مع كوريا الجنوبية حينها في استضافة المونديال، ألم تكن اليابان جزيرة أم أن القانون الدولي يتغير كما تحب دول الحصار.

سيناريوهات قطرية للقناة السعودية

غرب القناة خلف ظهر الدوحة..

يمكن لدولة قطر أن تتصدى لمشروع القناة المزعومة بعدة سيناريوهات ربما يبدو أبسطها م جاء به وزير الخارجية وهو أن تتجاهل الدوحة كل الأمر لأنها بالأصل ومنذ أكثر من عام لم تلتفت ناحية الغرب بعد إغلاق الحدود مع السعودية.

في هذا السياق، يقول خبير المجلس الروسي للشؤون الدولية، يوري بارمين، لصحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية بأن “الدافع الرئيس (للقناة) سياسي، أي تدابير لعزل قطر. سياسيا، يؤوله السعوديون كدافع لجعل قطر تغير موقفها السياسي. أعتقد أنه بالكاد يكون له معنى من الناحية الاقتصادية. حتى الآن، قطر تقاوم الضغوط السياسية. عمليا الحدود (البرية) مغلقة منذ عام. قطر، لا تعتمد عليها. ليس لديها اتصالات مع المملكة العربية السعودية. فكيف يمكن للقناة تغيير الوضع الاقتصادي في قطر؟ لا يمكنها. وبطبيعة الحال، فإنها تهدف إلى تخويف القطريين، رغم أنني أشك كثيراً في أن السعوديين سينجزون هذا المشروع حتى النهاية“.

لقد تمكنت قطر من تنويع علاقاتها الاقتصادية وتعويض المنتجات التي كانت تحصل عليها قبل الحصار عبر مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وقد باتت تركيا وإيران وبلدان جنوب شرق آسيا والدول الأوروبية المصادر الرئيسة لتزويد قطر بحاجاتها.

حول ذلك، قال كبير المحاضرين في قسم العلوم السياسية بمدرسة الاقتصاد العليا، ليونيد إيساييف، لـ”نيزافيسيمايا غازيتا”: “ذلك كله يتم إيصاله ليس عبر البر، إنما عبر البحر. ولذلك، فمن الصعب عزل قطر. وبحسبي، فللخطوة السعودية بعد رمزي بحت. إضافة إلى أنه مشروع مكلف. ومن المستبعد أن يضر بمصالح جهة ما. فأولا، لن يؤثر ذلك بأي شكل على إمداد قطر بالمواد الغذائية والحاجيات الضرورية؛ وثانيا، من وجهة نظر عسكرية لن يغير شيئا. فجميع القواعد الموجودة هناك، جوية“.

قناة مقابلة

وفي سيناريو آخر، يمكن لدولة قطر أن تشق قناة مقابل القناة السعودية وتبتعد كيلو متر واحد أيضاً داخل أراضيها وتقيم على الضفة القطرية ما تشاء من منشآت سياحية أو عسكرية. لكن أي قناة في ذلك الموقع (سواء سعودية أو قطرية) لن يكون لها أي جدوى اقتصادية أو سياحية خصوصاً إذا ما عرفنا بأن المنطقة تعج بحقول النفط والغاز وما يمكن أن يسبب هذا الأمر من تلوث بيئي يستحيل معه التفكير بمشاريع سياحية في هذه المنطقة. كما أن الجدوى الاقتصادية لعبور سفن الشحن لن تكون مجدية باعتبار أنها سوف تضطر لقطع مسافات إضافية في عبور الخليج لتصل إلى الموانئ التي تستهدفها دون أي داعي أو مبرر لذلك.

لكن ما يمكن للدوحة أن تفعله حقاً في هذا الإطار هو أن تنقل جزء كبير من قواعدها العسكرية ومن ضمنها قاعدة العديد إلى منطقة الحدود مع السعودية. وربما تكون هذه الخطوة الأكثر منطقية في هذا الإطار، باعتبار أن التهديد العسكري الأكبر منطقياً يأتي من السعودية. مع وضع القواعد العسكرية في منطقة الحدود السعودية تلغي قطر أولاً أي تهديد عسكري محتمل من الجانب السعودي لسلامة أراضيها، ومن جانب آخر يمكن لهذا الأمر إن تم أن يجعل إقامة منصات سياحية سعودية بالمنطقة أمر مستبعد باعتبار أن لا أحد يمكن أن يفكر بالذهاب إلى مكان ليقضي إجازة بجانب وحدات عسكرية تنفذ مختلف أنواع التمارين بالأسلحة الحية. كما أن مرور سفن الشحن في تلك القناة المفترضة سيصبح إضافة للعبء المادي، أمراً محفوفاً بالمخاطر من أي خطأ يمكن أن يؤدي لكارثة حتى لو كانت غير مقصودة.

وهنا أيضاً، إذا اختارت الرياض التصعيد مجدداً وعلى الحدود مباشرة، عليها أن تكون بمواجهة ليس فقط الدوحة بل الدول التي تستضيف قاعدة العديد قوات منها. فهل يمكن للرياض أن تذهب إلى هذا المدى في الصدام الانتحاري؟!!

مفاعل نووي

وفي سيناريو آخر يمكن لدولة قطر أن تحول منطقة الحدود السابقة مع السعودية إلى منطقة تقيم فيها عدداً من مفاعلات توليد الطاقة النووية. فقد توجهت قطر بدورها إلى استغلال الطاقة النووية، إذ أعلنت في العام 2010  بدء إنشاء أول محطة نووية للأغراض السلمية، من خلال فريق وطني يضم ممثلين من «المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء» (كهرماء)، و«مؤسسة قطر للبترول» و«مؤسسة قطر للعلوم» و«جامعة قطر» ووزارتي الداخلية والدفاع. ويمكن للدوحة أن تتوسع في هذا الموضوع وتركز إقامة محطات توليد الطاقة النووية في المنطقة المحاذية للحدود السعودية تماماً باعتبارها منطقة قد خرجت من الخدمة فعلياً طالما استمرت دول الحصار في تعنتها ومحاولات فرض هيمنتها على الدوحة.

إذا وجد هذا السيناريو طريقه للتنفيذ، تصبح مشاريع وأحلام السعودية على الضفة الأخرى للقناة كابوس مرعب لكل من يفكر بالبقاء هناك. فكيف يمكن إقناع سائح أن يقضي إجازته بجانب مفاعل نووي أو أن تجعل شركة ملاحة ما سفنها تمر في قناة جيئة وذهاباً لا تبعد عن مفاعلات نووية سوى مئات الأمتار!!

ماذا لو انفصل شرق السعودية عنها؟!

أما السيناريو الأكثر الأسوأ للرياض، وإذا عرف ساسة السعودية كيف يقرأون التاريخ، وليس الجغرافيا فقط، ربما تنتقل اضطرابات الربيع العربي إلى السعودية نفسها وأكثر منطقة مرشحة للانفجار في المملكة هي المنطقة الشرقية التي تبدو مثل جمر تحت الرماد خصوصاً بعد أحداث العوامية وماذا يمكن أن يحدث إذا توسعت تلك الاضطرابات لتشمل المنطقة الشرقية برمتها. فحسب خريطة الشرق الأوسط الكبير التي تم تسريبها في عام 2000 لمن يريد أن يتذكر، لا تبدو المنطقة الشرقية في الخريطة المزعومة جزءاً من السعودية، أليس كذلك؟! وقد تتحول حينها قناة سلوى لمجرد معبر مائي داخل أراضي دولة أخرى غير السعودية.

تبدو قناة سلوى وكأنها جدار برلين إبان الحرب الباردة وكم كان ذلك الجدار يمثل فرقاً صارخاً بين الشرق والغرب. فالجدار الذي أقيم في 1945 ليفصل العاصمة الألمانية بين الشرق السوفييتي والغرب أرسى نموذجاً صارخاً في التناقض بين معسكرين استقطبا العالم. على الجانب الغربي للجدار كنت تشاهد برلين الحديثة التي حولها الغرب لأيقونة معمارية تعج بالحداثة والتقنية العالية والغنى الفاحش مقابل برلين الشرقية التي كانت تغوص في الفقر بأزقتها المليئة بالخوف والألم. وهذا ما سيكون عليه الحال لو ذهبت الرياض في مشروعها إلى النهاية لكن مع فارق بسيط. شرق القناة سيكون برلين الغربية!!

يمكن لآل سعود أن يحفروا ما أرادوا من القنوات  داخل أراضي المملكة لكنهم حتماً لن يكونوا قادرين على إلغاء جغرافيا وتاريخ شعوب وقبائل ودماء أبناء الجزيرة العربية حتى لو تمكنوا من حفر قناة “نسيان”.. فالتاريخ لا ينسى والقناة ومن يحفرها سيتم رميهم في مزابله!

ســـليمان حسون

السابق
MAX MARA تكرّم معطفها الأيقوني، والهندسة اليابانية حاضرة في كل تفصيل!
التالي
بيكهام يتوقع طرفي نهائي كأس العالم