تتقدم قطر نحو ربح سباق المراكز المالية الإقليمية في المنطقة في ظل التسهيلات الكبرى التي تقدمها للمستثمرين ورجال الأعمال وتطوير التشريعات الاقتصادية في الوقت الذي تتهاوى فيه الثقة الاستثمارية بدول الحصار نتيجة خلطها التجارة بالسياسة وهو ما ظهر جلياً في الحصار المفروض على قطر والذي اتخذت فيه دول الحصار قرارات تتعلق بوضع «اليد» على أملاك وعقارات واستثمارات قطاع كبير من المستثمرين القطريين الأمر الذي أدى لتزايد مخاوف المستثمرين الأجانب إلى جانب مستثمري المنطقة من السعودية والكويت بشأن إمكانية تعرض استثماراتهم هناك للخطر حال نشوب أي خلاف سياسي وفي المقابل ارتفعت درجة الثقة الاستثمارية بالاقتصاد الوطني نتيجة عدم اتخاذ قطر أي إجراءات بشأن استثمارات دول الحصار لديها فيما تواصل فيه قطر للبترول تزويد الإمارات بإمدادات الغاز الطبيعي المسال.
ويرى مراقبون أن رؤوس الأموال الإقليمية تنزح حالياً باتجاه قطر التي تبذل جهودا حثيثة للتحول لمركز مالي وإقليمي في المنطقة وتستقطب المستثمرين من خلال تطوير بيئة الأعمال في السوق المحلي وتوفير المناخ الجيد للمستثمرين عبر تسهيل إجراءات تأسيس الشركات وتيسير شروط وضوابط إصدار التراخيص لمزاولة مختلف الأعمال التجارية والتي أصبحت تستغرق ساعات فقط وغيرها من الخطوات التي من شأنها المساهمة في تعزيز استقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى السوق المحلي.
وأشاروا إلى أن قطر عززت من تطويرها لتشريعاتها الاقتصادية والاستثمارية حيث بات هناك 20 تشريعا اقتصاديا قيد المراجعة حاليا فضلا عن إعفاء مواطني 80 دولة من تأشيرة الدخول وتسهيل إجراءات استخراج الرخص التجارية الأمر الذي أفضى إلى تأسيس 24069 شركة جديدة منذ بدء الحصار وحتى الآن فيما قفزت معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر في قطر بنسبة 27 % خلال 2017.
ويرى المراقبون أنه في الوقت الذي تحقق فيه دولة قطر أعلى معدل نمو خليجياً بنسبة نمو متوقعة 3.2 % خلال 2018 وفقا لتقديرات وكالة بلومبرغ الأميركية فإن دبي فقدت سمعتها الاقتصادية بعدما تحولت إلى جنة لغاسلي أموال الحروب والمخدرات فيما تعاني كل من السعودية والبحرين من ركود شامل وظروف اقتصادية صعبة.
وفي التفاصيل يقول رجل الأعمال، محمد كاظم الأنصاري:«ساهم الحصار المفروض على دولة قطر منذ الخامس من ويونيو الماضي في تحفيز الإجراءات المتعلقة بتسهيل ممارسة أنشطة الأعمال وباتت دولة قطر الرابح الأكبر من الحصار ومركزا لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية في المنطقة خصوصا بعد رفع سقف ملكية الأجانب في البورصة لقطاع كبير من الشركات المدرجة إلى 49 %، بالإضافة إلى حزمة التسهيلات والمبادرات المحفزة للأعمال».
ومنذ بدء الحصار قامت قطر بحزمة من المبادرات التي عززت فورة تأسيس الشركات الجديدة واستقطاب الاستثمارات الأجنبية محليا عبر حزمة من المبادرات أبرزها: مشروع قانون لتنظيم استثمار رأس المال غير القطري في النشاط الاقتصادي والذي فتح المجال للاستثمار الأجنبي بنسبة تملك 100 % في جميع القطاعات، فضلا عن إقرار التعديلات على قانون المناطق الحرة وهو ما يدعم بيئة الأعمال إلى جانب مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص قيد الإنجاز حاليا ومشروع قانون بشأن تنظيم تملك غير القطريين للعقارات والانتفاع بها والذي وافق عليه مجلس الوزراء في أبريل الماضي علاوة على إطلاق العديد من المشاريع الاستراتيجية مثل مناطق التخزين وتطوير المناطق اللوجستية.
وأضاف قائلاً: تؤكد التقارير العالمية أن دول الحصار خسرت سباق المراكز المالية فيما تخطو قطر لحسم السباق والتحول إلى مركز مالي وإقليمي في المنطقة خصوصا في أعقاب تدهور ثقة المستثمرين في دول الحصار التي وضعت «يدها» على استثمارات القطريين ليجد المستثمر القطري نفسه ممنوعا من مجرد رؤية استثماراته فضلا عن إدارتها، ولهذا الكثير من رجال الأعمال إن لم يكن أغلبهم لن يعاودوا أبدا ضخ الاستثمارات في هذه الدول خاصة مع عدم وضوح قوانين الاستثمار في هذه الدول.
وأكد أن المستثمرين الأجانب تعلموا جيدا من درس الحصار ومعرفة حقيقة هذه الدول الجائرة، والتي انعدمت بها ثقة مجتمع الأعمال بها.. متابعا: ثمة مخاوف لدى المستثمرين الكويتيين والعمانيين بشأن إمكانية تكرار ما حدث مع المستثمرين القطريين.. دول الحصار تخلط بين «البيزنس» والسياسة..وهذا يضرب الثقة في أدائها.. في المقابل يحظى المستثمرون من دول الحصار بالأمان الاستثماري الكامل في قطر حتى أن الغاز القطري الذي يصل إلى الإمارات لم يتم قطعه.. رغم حالة القوة القاهرة التي تخول لقطر ذلك..الثقة في اقتصادنا تزيد..الثقة في اقتصادهم تنهار.
أزمة حقيقية
من جهته قال نائب رئيس غرفة قطر سابقا ورجل الأعمال عبدالعزيز العمادي:«باتت دول الحصار في أزمة حقيقية بعد انخفاض مستويات الثقة الاستثمارية بعد، لاسيما لدى المستثمر الأجنبي الذي أيقن عدم وجود الأمان الاستثماري في هذه الدول التي انتهكت حقوق المستثمرين القطريين بصورة واضحة لذلك ظهرت قطر أمام المستثمر الأجنبي كوجهة استثمارية آمنة وجاذبة ومركز مالي وتجاري عالمي».
وقال إن قطر تعمل على تحقيق الرؤية الوطنية قطر 2030 الرامية إلى تحويل قطر لمركز تجاري ومالي إقليمي، ولذلك تسير بصورة سريعة في طريق تطوير تشريعاتها الاقتصادية مع تعزيز آليات عمل جذب الاستثمارات المختلفة إلى السوق المحلي، خاصة أنها تمتلك بنية تحتية متطورة ومشجعة على الاستثمار وتقر حزمة من التشريعات الرامية لاستقطاب المستثمرين الأجانب.
الأمان الاستثماري
بدوره قال رجل الأعمال سعد آل تواه الهاجري: لا أمان في دول الحصار.. وكل يوم يمضي يتم التأكد من انخفاض ثقة المستثمر الأجنبي بالاستثمار بهذه الدول، والتي تتعمد تكبيد العديد من المستثمرين القطريين الخسائر بصورة مباشرة، والمستثمر الأجنبي أصبح ينظر إلى ما فعلته هذه الدول باستثمارات وعقارات القطريين من تجميد لها ومنعهم من حتى مجرد رؤية استثماراتهم أو متابعتها.. بالأمر الذي خلف خسائر فادحة متعلقة بدرجة الثقة في الاستثمار بدول الحصار.
وأشار إلى أن المستثمر الأجنبي عندما يستثمر يضع على رأس أولوياته الأمان الاستثماري..وهذا الأمان لا يتوافر بدرجة كبيرة إلا في دولة قطر التي أصبحت مركزا تجاريا إقليميا وعالميا أيضا بدعم من التسهيلات الكبرى التي أقرتها لتعزيز ممارسة أنشطة الأعمال.
وأكد الهاجري هروب رؤوس الأموال الأجنبية من دول الحصار وتسرب قطاع كبير من رؤوس الأموال الهاربة إلى قطر، خاصة أن البيئة الاستثمارية في هذه الدول باتت غير آمنة والجميع يرى أن دول الحصار هي الطرف الخاسر على جميع الأصعدة، بعدما شاهدوا العديد من المستثمرين القطريين يعانون من تضييق وحصار.
وتواصل دول الحصار خسارة سمعتها الاقتصادية فقط، فقد ذكر تقرير لمركز الدراسات الدفاعية المتقدمة في واشنطن أن دولة الإمارات، خاصة إمارة دبي، أصبحت ملاذا آمنا لغسل أموال عدد من منتهكي الحروب وممولي الإرهاب ومهربي المخدرات. وأضاف التقرير الصادر أمس الأول والذي أوردته وكالة أسوشيتد برس، أن القائمة شملت جنسيات عدة عربية وغير عربية، وأشارت الوكالة إلى أن قيمة غسل الأموال في الإمارات تقدر بنحو مليار دولار سنويا، بحسب تقارير سابقة.
وأكد التقرير أن مستفيدين من الحروب وممولي عمليات إرهابية ومهربي مخدرات فرضت عليهم واشنطن عقوبات استخدموا سوق العقارات في دبي خلال السنوات القليلة الماضية ملاذا لأصولهم.
وقال التقرير -الذي استند إلى بيانات عقارية مسربة- إن نحو 100 مليون دولار استعملت في عمليات شراء مشبوهة لشقق وفلل بدبي.
وقال التقرير إن دبي لديها «سوق للعقارات الراقية والثمينة في بيئة تنظيمية متساهلة تعلي قيمة السرية والكتمان فوق أي شيء آخر». ويأتي هذا التقرير بعدما حذرت الخارجية الأميركية هذا العام من أن المناطق الاقتصادية الحرة في دبي وتجارة الإمارة في الذهب والألماس تشكل مخاطر.
وأضاف التقرير أن هذه «البيئة المتساهلة لها تبعات على الأمن العالمي أبعد بكثير عن رمال الإمارات». وأوضح أنه «في اقتصاد عالمي متشابك تنخفض فيه الحواجز أمام حركة الأموال، يمكن لنقطة ضعف واحدة في الهيكل التنظيمي أن تفتح المجال لشتى أنواع اللاعبين الدوليين في الأنشطة الإجرامية».
وقالت صحيفة نيويورك تايمز التي أوردت التقرير أيضا – نقلا عن أسوشيتد برس- إن دبي طالما كانت وجهة مفضلة لأولئك الذين يريدون الابتعاد عن أعين القانون. وأشارت إلى أن تهريب الذهب إلى الهند كان من أهم الأنشطة المربحة للإمارة في العقود التي أعقبت انهيار تجارة اللؤلؤ.