«قطر الوطني»: المخاوف من ركود بأمريكا «سابقة لأوانها»

أكد بنك قطر الوطني أن المخاوف من حدوث ركود في الولايات المتحدة الأمريكية تبدو سابقة لأوانها وذلك على الرغم من طول دورة الانتعاش في هذا البلد، حيث تتسم الفترة المضيئة التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي حاليا بالنمو القوي، واعتدال التضخم، وسلاسة زيادة أسعار الفائدة وسط توقعات بأن تستمر هذه الفترة حتى عام 2020 على الأقل.

وأوضح البنك، في تحليله الأسبوعي الصادر اليوم، أن أحدث بيانات النشاط وسوق العمل في الولايات المتحدة تظهر قوة حقيقية، وتتضمن أبرز النقاط نتائج فوق المتوسط للاستطلاعات حول الأعمال التجارية، ونسبة قياسية لثقة المستهلك، وتقرير قوي عن الوظائف غير الزراعية في شهر مايو الماضي، والذي يظهر استحداث أكثر من 200 ألف فرصة عمل، وتضيف التخفيضات الضريبية للعام الماضي المزيد من الزخم إلى النمو.

ولفت البنك أيضا إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من عام 2011 كان قويا، حيث بلغ 2.2% على أساس ربع سنوي للسنة، كما تجاوز إجماع التوقعات لنمو الربع الثاني نسبة 3% على أساس سنوي، وبالنسبة للعام الجاري 2018 ككل، لا زال إجماع التوقعات يتمحور حول 2.8%.

ولوضع كل ذلك في سياق ملائم، يرى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أن النمو الممكن في المدى الطويل سيبلغ حوالي 2% سنويا.

وأفاد بنك قطر الوطني، في تحليله أنه بناء على ذلك، قد تبدو المخاوف من الركود أمرا غريبا على ضوء الأداء الحالي القوي لاقتصاد الولايات المتحدة، حتى مع وجود بعض الأسباب التي تدعو للقلق، فقد استمر الانتعاش الحالي والذي يرجع تاريخ بدايته إلى شهر أبريل من عام 2009، لحوالي 110 أشهر، ولا يزال مستمرا، وهو ثاني أطول انتعاش منذ الحرب العالمية الثانية، ومعدل البطالة الذي يبلغ الآن 3.8%، قريب من أدنى مستوياته في 20 عاما.

وأضاف التحيل أن هناك بعض الأدلة التي تثبت بأن طول المدة يقتل الانتعاش، فكلما طالت فترة الانتعاش كلما انخفض معدل البطالة وزاد احتمال حدوث ركود، وبالمثل هناك أدلة نوعية على أنه بمجرد تجاوز مدة الانتعاش حوالي 10 سنوات يتلاشى أثر “الاعتماد على المدة”، فمن المعروف أن أستراليا لم تشهد ركودا منذ عام 1992، كما نجحت اليابان أيضا في تجنب الركود خلال الفترة ما بين أعوام 1975 إلى 1992.

ونوه البنك في تحليله إلى أن السبب الرئيسي الذي يؤدي لموت الانتعاش في العادة ليس هو مجرد الشيخوخة، بل يحدث ذلك نتيجة لأخطاء في سياسات البنوك المركزية، وبفعل الاختلالات الأساسية في الاقتصاد الكلي المسببة لتلك الأخطاء، لاسيما وأن الخطأ التقليدي في السياسات النقدية هو إبقاء البنوك المركزية على سياسة نقدية متساهلة أكثر من اللازم لفترة طويلة الأمر الذي يؤدي إلى فرط النشاط الاقتصادي.

وأشار البنك إلى أن تسارع التضخم يدفع البنك المركزي إلى مجاراة هذه الوتيرة برفع أسعار الفائدة بأكثر من المستويات الاعتيادية، ما قد يصل إلى 100 200 نقطة أساس، من أجل كبح الاقتصاد وخفض التضخم، وبالنظر إلى أن أسعار الفائدة أداة “غير حادة” نسبيا بسبب تأخر وتنوع تأثير السياسة النقدية على الاقتصاد الحقيقي، فإن المعايرة الدقيقة لسعر الفائدة غير ممكن، وهو ما يترتب عليه الركود دائما.

وقال البنك إن هذا بدوره يفسر لماذا يكون منحنى العائد المعكوس (عندما تكون أسعار الفائدة للمدى القصير أعلى من أسعار الفائدة للمدى الطويل) مؤشرا تقليديا لحدوث حالة ركود، فعلى سبيل المثال، كانت آخر ثلاث حالات ركود في الولايات المتحدة مسبوقة بانعكاس منحنى العائد.

وأضاف بنك قطر الوطني، في تحليله الأسبوعي، أنه في الوقت الحالي لا تزال السياسة النقدية في الولايات المتحدة بعيدة من أن توصف بكونها مشددة، فحتى بعد جولة رفع أسعار الفائدة التي جرت هذا الأسبوع بمقدار 25 نقطة أساس والتي كانت مرتقبة بشكل كبير، فإن النطاق المستهدف لبنك الاحتياطي الفيدرالي لا يتجاوز 1.75 2%، أي أقل بحوالي 100 نقطة أساس من آخر تقدير لبنك الاحتياطي الفيدرالي لمسار التوازن على المدى الطويل أو ما يطلق عليه سعر الفائدة البالغ حوالي 2.75 3%.

وأوضح التحليل أنه رغم استقرار منحنى عائدات سندات الخزانة الأمريكية خلال العام الماضي، فهو لا يزال في وضع جيد في المنطقة الإيجابية مع عائد السندات لأجل عشر سنوات قريب من 3%، أي أعلى بحوالي 70 نقطة أساس من العائد لأجل سنة واحدة و50 نقطة أساس من العائد لأجل سنتين.

ويرى البنك أنه رغم الضيق المتزايد لسوق العمل، لا تزال مؤشرات التضخم حتى الآن معتدلة، كما أن الأسواق لا تتوقع كثيرا أن يتحول بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى سياسة نقدية مشددة بالكامل أو أن ينعكس منحنى العائد على السندات بشكل كبير، وستستقر أسعار الفائدة الضمنية للمدى القصير فوق 3% بقليل خلال حوالي سنتين، مما يشير إلى أن دورة تشديد السياسة النقدية من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي من المتوقع أن تنتهي بعد 4 أو 5 جولات من رفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في كل جولة خلال العامين القادمين، حيث سيكون حينها منحنى العائد مستقرا بشكل كبير لكن لن ينعكس اتجاهه.

ولفت التحليل الأسبوعي لبنك قطر الوطني إلى أن تغير هذا المشهد الملائم الذي يتحرك فيه سعر الفائدة إلى أعلى ، ولكن دون أن يتجاوز مستويات محايدة متصورة، لابد من حدوث صدمة، ويعتبر سوق العمل الذي يضيق على نحو متزايد العامل الرئيسي المرشح لإحداث ذلك، وتؤدي السياسة المالية المتساهلة إلى زيادة مخاطر التضخم، ولذلك فإن تضخم الأجور، الذي ينمو حاليا بوتيرة غير مقلقة نسبتها 2.8% على أساس سنوي، هو أبرز المؤشرات الأمريكية التي يجب رصدها مستقبلا.

كما أشار إلى أنه حتى إذا نما تضخم الأجور بوتيرة سريعة باتجاه 4% على أساس سنوي، يمكن لعدد من العوامل الإيجابية أن تطيل أمد دورة الانتعاش: أولا، يمكن لهوامش أرباح الشركات الأمريكية المرتفعة حاليا أن تمتص الزيادة في تكاليف العمالة في المدى القصير، لا سيما في قطاعات مثل التجزئة التي تحتدم فيها الضغوط التنافسية.

ثانيا: أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه مستعد لتحمل أي تجاوز طفيف لنسبة التضخم المستهدفة والتي تبلغ 2% للتعويض عن الفترة الطويلة التي كانت فيها معدلات التضخم أقل من 2% خلال العقد الحالي، وهو نهج منطقي من شأنه أن يساعد في تثبيت توقعات التضخم عند نسبة 2% المستهدفة في المدى الطويل، ونظرا لأنه يبلغ حاليا 1.8% على أساس سنوي، فإن معدل التضخم، الذي يعد أداة القياس المفضلة لبنك الاحتياطي الفيدرالي، لازال لديه مجال للارتفاع.

وأخيرا، يمكن أن تحدث مفاجأة إيجابية في جانب العرض من الاقتصاد، فالشركات الأمريكية تستثمر بوتيرة سريعة في استثمارات رأسمالية جديدة للمرة الأولى منذ الركود الكبير الذي حدث في عامي 2008 – 2009، وإذا استمر الازدهار الحالي في الإنفاق الرأسمالي مقرونا باستمرار التغير التكنولوجي المضطرد، يمكن للإنتاجية أن ترتفع بوتيرة سريعة بالتوازي مع نمو الأجور، وهو ما سيؤدي بدوره إلى زيادة معدل النمو المحتمل للاقتصاد على المدى القصير، وبالتالي زيادة قدرة الاقتصاد على امتصاص ارتفاع أسعار الفائدة.

السابق
ميسي يتأسف على ضياع ضربة الجزاء ويعد بتقديم الأفضل
التالي
“الاقتصاد”: ضبط وتحرير 90 مخالفة خلال رمضان