مخطئ من يقول إن المعجزات انتهت بانتهاء عصور النبوة، فحنجرة أم كلثوم وصوتها الذي يجمع أصالة مصر وعراقة تاريخها وطين أرضها، معجزة حقيقية حلت بأرض مصر في القرن العشرين.
تدق الساعة الرابعة عصر يوم الإثنين يوم 3 فبراير/شباط عام 1975، لتعلن وفاة أم كلثوم، ويذاع النبأ كالصاعقة في السادسة مساء من اليوم نفسه على لسان يوسف السباعي.
وجوم يخيم على الجميع، تشعر في كل البيوت المصرية والعربية بأن أحد أفراد العائلة قد رحل عنهم، عويل ودموع وصمت يملأ الأرجاء، فيتعجب من لا يعرف الخبر، ما الغريب في هذا اليوم؟! لقد ماتت الست!
وفي حب الست تجمّع من عاصروا بريقها، سكارى ذابوا عشقاً وتيماً بصوتٍ سقاهم الألحان خمراً لذة للسامعين، وكلمات أشجنت ليل العاشقين.
وقفت أم كلثوم ليلة الرابع من يناير/كانون الثاني عام 1973 على مسرح دار سينما قصر النيل تؤدي حفلتها الأخيرة، كان يشتد عليها المرض ويبلغ منها مبلغاً، ولكن بريق صوتها لم ينطفئ، امرأة بلغت من العمر 74 عاماً وصوتها كالذهب الخالص لا يصدأ، إنه صوت أم كلثوم!
بين بدايات أم كلثوم في العشرينات وهذا الحفل الأخير، رحلة صنعت جزءاً ضخماً من تاريخ مصر ودخلت ضمن جينات المجتمع وراثياً بأغنياتها.
تنتهي فترة السبعينات ثم الثمانينات وبعدها التسعينات، ثم ينتهي العقد الأول من الألفية الجديدة وتغيب أجيال وتولد أجيال، يظهر بعدها مطربون ويرحل آخرون وتبقى أم كلثوم رفيقة كل جيل فيعاد اكتشافها من جديد مع كل أذن تسمعها.
كأن صوتها نوع من الخمر معجون بماء السحر يصيب كل من سمعه، وإن لم يفهم العربية أو يعاصرها! نعم ماتت أم كلثوم، ولكن جمهورها يزيد، لتكتمل المعجزة التي تجسدت في فن أم كلثوم، فحضورها لا يغيب، يردد الجميع أغانيها ويحفظونها أكثر من النشيد الوطني، ويعد أداء أي أغنية ﻷم كلثوم بإتقان وتمكّن بمثابة مفتاح العبور لأي مطرب أو مطربة لدخول عالم الغناء أو الفوز ببرامج اكتشاف المواهب الغنائية.
في 2017 وأنا بمكان عملي، يتراوح أعمار البعض بين 18 و23 عاماً، اعتاد أحد الزملاء سماع أغاني أم كلثوم ويطلب منه الحاضرون أن يرفع صوت اللاب، فأينما حلت روح أم كلثوم بأغنياتها تجد جواً من السلطنة قد خيم على المكان بكل من فيه.
بعد لحظات، جاءني من يلفت انتباهي إلى وقوع خطأ مني في أثناء عملي لغياب التركيز، فقلت في نفسي إنه صوت أم كلثوم قد أصابني ففعل بي فعل الخمر بشاربيه، وفي حب الست الكل سكارى، والحب لا يموت!