في الصين .. كيف تجني 100 ألف دولار شهرياً عبر البث المباشر لحياتك!

يو لي جاهزٌ لتصوير لقطته القريبة. شعره مصفف، ووجهه مغطى بالمساحيق. وخلال أي دقيقةٍ من الآن سيكون في بثٍ حي يجني منه الأموال، حسب ما ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية.

يقضي يو، المشهور باسم الأخ لي، الساعات كل يومٍ في الأستوديو الواقع شمالي مدينة شينيانغ في بثٍ على موقع “واي واي” للتواصل الاجتماعي. وحين يُلقي دعابةً أو يصرخ يرسل له معجبوه “هدايا افتراضية”، تمثِّل أموالاً حقيقيةً.

ويُعد برنامجه خليطاً من الأحاديث العامة، والموسيقى، والفُكاهة، تنضح كلها بثقافة “دونغباي” أو ثقافة الشمال الشرقي. كما أنَّه أسس ويدير وكالةً للمواهب، وكالة “وودي ميديا”، تُدرِّب وتروِّج لمن يريدون أن يصيروا نجوماً على الإنترنت.

وعلى الجانب الآخر من الشاشة يوجد أُناسٌ يغسلون أسنانهم أو يقضون الدقائق الأخيرة من وردية عملٍ طويلة. بعضهم طامحون للشهرة يأملون في استثمار أصواتهم، أو أشكالهم، أو براعتهم في إلقاء الدعابات الساذجة، من أجل تحقيق الشهرة على الإنترنت. ويو سيساعدهم في تحقيق ذلك، مقابل حصةٍ من أرباحهم.

ويرى عشرات آلاف المتابعين لبرنامج يو كل ليلةٍ في الحياة التي يعيشها التجسيد الدقيق لذلك الشيء الأسطوري الذي يعتبر شعار الرئيس شي جين بينغ المفضل: الحلم الصيني.

وعلى الرغم من أنَّ البث المباشر شائعٌ جداً في أماكن أخرى، من بينها الولايات المتحدة، فإنَّ الإقبال على البث المباشر في الصين، كحال الكثير من الأشياء هنا، أكبر بكثير. فقرابة نصف مستخدمي الإنترنت في الصين البالغ عددهم 700 مليون مستخدم قد جرّبوا تطبيقات البث المباشر، هذا أكثر من تعداد سكان الولايات المتحدة.

يجني نجوم الشبكات الاجتماعية في أميركا أرباحهم من الإعلانات والرعاية، كذلك يفعل بعض النجوم الصينيون، لكنَّ أغلب الأموال تأتي من المتابعين مباشرةً في صورة هدايا أشبه بصندوق بقشيشٍ افتراضي. ووفقاً لما ذكره موقع آي ريسيرش، فقد بلغت قيمة سوق البث الحي في الصين في عام 2016 ما لا يقل عن 3 مليارات دولار، متنامياً بأكثر من 180% كل عام. بل ويتوقع المحللون أن يجني القطاع قريباً أكثر مما تجنيه صناعة السينما في الصين.

وترجع وتيرة التغيير إلى النمو الهائل في الفضاء التكنولوجي في البلاد، كجزءٍ من سعي الحكومة للانتقال من اقتصادٍ قائمٍ على التصنيع واستخراج الموارد، إلى اقتصادٍ خدَميٍّ يعتمد جزئياً على الإنترنت.

وفيما تظل شركاتٌ أميركية مثل فيسبوك وجوجل محظورةً في الصين، تزدهر شركاتٌ مثل “تنسنت” للإنترنت والألعاب وشركاتٌ محلية أخرى.

يُذكر أنَّ شبكة واي واي كانت قد بدأت كبوابة ألعاب، لكنَّها نمت لتصبح شبكةً اجتماعية رائدة في مجال البث المباشر.

أكثر ما يلفت النظر أثناء مشاهدة البث المسائي اليومي الذي يقوم به يو ليس سرعة البث، وإنَّما كيف تبدو الأمور مشابهةً للوضع الراهن في الصين، من تهميش النساء، إلى الشد والجذب بين الرقابة وصانعي المحتوى، إلى صعوبة توزيع الفائدة من تلك الصناعة على الشعب الصيني.

يأتي يو من المنطقة القاحلة الممتدة في سهل شمال الصين، المنطقة التي كانت تسمى يوماً منشوريا. وحين كان في السادسة عشرة كان يعمل ميكانيكياً في مدينةٍ صغيرةٍ. وفي أوقات فراغه كان يزور مقاهي الإنترنت، هذا كل ما كان متاحاً له فعله.

وفيما كان يلعب ألعاب الفيديو بدأ يُجرِي التجارب على نوعٍ من الأداءات الصوتية اسمه “هانماي”، أو ما يعني “الصراخ في الميكروفون”، وحين بدأت تقنية البث المباشر، أسس برنامجه الخاص.

ثم أسس في عام 2014 شركة وودي. وفيما بين برنامجه وشركته، يقول إنَّه يجني الآن أكثر من 100 ألف دولار شهرياً.

ويحتاج يو لموردٍ ثابتٍ من المبتدئين ليستمر عمله في النمو، لذا يولي يو اهتمامه بتلاميذه. اقض يوماً معه وستقابل 6 منهم، لكلٍ منهم بدوره تلاميذه، مشكِّلين ما يشبه هرماً من التلاميذ، بحسب ما ذكرت واشنطن بوست.

من بين هؤلاء شابٌ يُدعَى لو يونغزي، يبلغ من العمر 26 عاماً، كان تاجر ماشية وتحول إلى أحد مقدمي برامج البث المباشر، ولا يشاهد زوج أمه المزارع برنامجه، لأنَّه لا يملك حاسوباً، ولا يعرف كيف يستخدم هاتفاً ذكياً.

ويقول زوج والدته لو غوفو: “قلتُ لأهل القرية إنَّ ابني يجني المال من فعل ذلك، ولكنَّهم لم يصدقونني”.

 

الآن هم يصدقون. حين بدأ لو الصغير عمله كان ينام على أرض منزل أحد أصدقائه، ويبث 8 ساعاتٍ يومياً، لا يجني مقابلها عادةً أكثر من مصروف جيبه. والآن يقول إنَّه بعد سنتين من العمل مع يو، ها هو يتناول إفطاره مرتدياً ثياباً باهظة الثمن، ويجني الآلاف شهرياً.

وهذا ما يجعل المبتدئين يستمرون في المجيء. ففتح حساب بثٍ حي أمرٌ مجاني، لكنَّ الحصول على متابعين أمرٌ صعب. ويخصص أصحاب البرامج مثل لو أجزاءً من برامجهم لمنحها للطامحين من تلاميذهم، ويكلف هذا الظهور عادةً سعراً محدداً.

قدَّم يو في عرضٍ حديثٍ له فتاتين شابتين مرشحتين. إحداهما في أوائل العشرينيات، وكانت متوترةً إلى حد أنَّها لم تستطع غناء أغنيتها، التي كانت أنشودةً عن الرغبة في “الأكل، والأكل، والأكل” دون الوصول إلى السِمنة.

أما الثانية فقد غنت بثقة، واستمعت بانتباهٍ فيما كان يو يعطيها النصائح.

كان صعود نجومٍ مثل يو سبباً في تحول صناعة البث المباشر المزدهرة إلى ما يشبه حُمَّى ذهب رقمية؛ يترك المراهقون مدارسهم من أجل تحقيق الثراء، ويترك المزارعون أراضيهم ليجربوا حظوظهم.

ويُبرز هذا الإغراء بثروةٍ سريعة وسهلة كل ما هو غريب ومتطرف: إذ صنعت امرأةٌ تعرف باسم الأخت فينغ الذواقة شهرتها عبر أكل الأسماك الذهبية، والزجاج، وأشياءٍ أُخرى.

وعادةً ما يُطلَب من يو أن يروِّج للجراحات التجميلية. وهو يقول: “من الطبيعي أن يرغب المرء في أن يكون جميلاً، وما دمتَ تبتعد عن الجراحات التجميلية الضخمة، فإنَّ البوتوكس، والحقن، والحشو، وتبييض الجلد أمورٌ مقبولة”.

ويخشى بعض أصحاب برامج البث من أنَّ القواعد المتغيرة باستمرارٍ ستجعل جني الأموال صعباً، لكنَّ المشكلة الحقيقية فيما يبدو هي منظومة الدفع.

فمقابل كل 1000 دولارٍ تتلقاها من الهدايا الافتراضية لا يصل إليك إلا بضع مئات من الدولارات كما يقول أصحاب البرامج، فشبكة “واي واي” تأخذ 50% من الأرباح، والوكالة أو المدير الذي تتبعه يحصل على ما بين 20 إلى 30%.

كما أنَّ نمط الحياة يمكن أن يكون مرهقاً للغاية.

إذ تقضي المبتدئة لو مينغمينغ ابنة الخمسة والعشرين عاماً أربع ساعاتٍ وحدها يومياً في الأستوديو المكتظ بأفخم اللعب. وتقول إنَّ أصعب ما في عملها الجديد هو حشد الطاقة اللازمة لتظهر لطيفةً وسعيدةً لساعاتٍ طويلة، لسبعة أيامٍ في الأسبوع.

كما يقول العديد من أصحاب البرامج إنَّه يصعب إيجاد مواضيع جديدة بينما يقضون أغلب أوقات يقظتهم وحيدين داخل الأستوديو. ويصف لو يونغزي تاجر الماشية السابق ذو الخُفين الفخمين حياته الجديدة بأنَّها “مملةٌ للغاية”.

وحتى يو، الذي يعيش في منزلٍ تُثقله الثريات، ويحيا حُلم كل صاحب برنامج بث، بدا مُرتاباً في كلامه. فحين بدأ بالبث كان ذلك إبان عصر انفتاح الإنترنت في الصين، فكان يستطيع قول ما يريد، لذا كان يستمتع.

أما الآن فقد صارت لديه سُمعة، وعمله أصبح على المحك، والرقابة تتابع ما يحدث. وفي الشهور الأخيرة أغلقت السلطات الصينية عدداً من منصات البث والحسابات الشخصية.

ويقول: “في الماضي، رغم أنِّي لم أكن أملك المال، إلا أنَّني كنتُ أفعل ما يحلو لي، أما الآن فعلي أن أنتبه لكل كلمةٍ أقولها”.

ويُنصح القادمون الجُدد بالتركيز على تطوير مواهبهم بدلاً من الحرص على تحقيق الشهرة سريعاً بعمل شيء مثير ما على الشاشة. ويقول لهم: “لا تضعوا الألعاب النارية في سراويلكم مثلاً”.

 

السابق
بوحي من أفلام هوليوود.. لصان إيطاليان ينفذان سرقاتهما بقناعين لترامب
التالي
ما لا تعرفه عن “الطاعون”.. حصد أرواح 100 مليون شخص لكن له إيجابيات