لا بوادر جدية لحل الأزمة الخليجية ..
مرونة الدوحة أدت إلى مضاعفة دعمها على المستوى الدولي
الرياض فشلت في استخدام الدبلوماسية والحصار الاقتصادي فلجأت للتهديد العسكري
حصار قطر له تأثيرات على عملية السلام في المنطقة
الأزمة تدخِل المنطقة في صراعات غير مجدية لها عواقب كارثية
أكد فيكتور فالنتيني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أوفريني الفرنسية، أن حصار قطر أثبت مرونة مهمة للبلاد مكنتها من حشد دعم هام على المستوى الدولي. فبعد مرور عام على الأزمة الخليجية، التي بدأت في التطور، لكن لا بوادر جدية لحلها، سيما أن السعودية حاولت إخضاع الدوحة وخنقها اقتصاديا، إلى جانب سعيها لعمليات الاستحواذ على التسلح.
وقال فالنتيني في مقال له في موقع لوموند أراب أنه لا يوجد سبب مقنع لتلتزم الدوحة بقائمة الطلبات الـ 13 التي قدمتها دول المجموعة الرباعية في يونيو 2017، بما في ذلك: إغلاق شبكة تلفزيون الجزيرة، وتقييد سياستها الخارجية.
المرونة القطرية
وأكد أستاذ العلوم السياسية أنه ورغم عدم توازن القوى وصعوبة الأزمة تمكنت الدوحة من الخروج منها، رغم أن السعودية راهنت على استسلام الدوحة، حيث اعتقدت السلطة في الرياض أن فرضية مقاومة قطر للسعودية ودورها السلطوي ضئيلة. غير أن دولة قطر اعتمدت على التعبئة الوطنية التي تميز بها الموطنون والمقيمون في الدوحة، الأمر الذي أكده العديد من المراقبين، كما اعتمدت الدوحة على قدراتها الاقتصادية والمالية، خاصة من خلال تعبئة صندوق الثروة السيادي الذي سمح بامتصاص آثار الحصار وحماية السوق المحلية والبنوك القطرية.
ووفقا لأرقام صندوق النقد الدولي في عام 2018، نمو قطر سيكون أعلى من العام الماضي بنسبة (2.1٪ في عام 2017 إلى 2.6٪ هذا العام). وتقوم إستراتيجية الدوحة في المستقبل على مضاعفة الاستثمار الأجنبي والرفع من صادرات الغاز الطبيعي المسال مما يسمح برفع النمو الاقتصادي للدوحة على المدى المتوسط والطويل.
وبين التقرير أن الحصار لم يؤثر على الاستقرار الداخلي في الدوحة، بل دعم شعبية القيادة القطرية التي تحولت إلى رمز للنضال و الصمود وعزز ثقة القطريين في دولتهم وقيادتهم. بينما كان للحصار انعكاسات اجتماعية سيئة على المجتمع القطري، حيث انفصلت عدة آلاف من الأسر المشتركة بسبب إغلاق الحدود بين دول الخليج، وطرد المواطنين القطريين من الدول المجاورة، وفرض قيود اجتماعية كبيرة على القطريين الذين تعرضوا إلى مظالم عديدة بسبب الحصائر الجائر المفروض عليه.
وأوضح فيكتور فالنتيني أن مرونة الدوحة أدت إلى مضاعفة دعمها على المستوى الدولي. فمنذ بداية الحصار، وجدت قطر مجموعة من الحلفاء والشركاء الدوليين المهمين الذين أظهروا تضامنًا كبيرًا مع قطر، مما سمح لها باستيراد المنتجات الغذائية وتحقيق التوازن الاقتصادي، بالإضافة إلى دعم الدوحة في إدانة الانتهاكات المستمرة التي تعرضت لها من قبل دول الحصار، وقفت مجموعة من البلدان إلى جانب قطر، مما أفشل إستراتيجية السعودية المهيمنة في المنطقة، والتي بحثت عن إحراج وعزل قطر.
فشل استراتيجي
تحدث الكاتب عن الفشل الاستراتيجي للسعودية في حصارها على قطر، مما أدى إلى تفكير القيادة في الرياض في طريقة جديدة للسيطرة على القرار القطري، وهي التحول من استخدام القوة الدبلوماسية والحصار الاقتصادي إلى التهديد بالتدخل العسكري، مما يطرح خطورة الوضع في المنطقة، حيث تناقلت الصحف الفرنسية خبرا مفاده أن السعودية وجهت للرئيس الفرنسي برقية تعبر فيها عن “قلقها العميق” من اقتناء الدوحة لمنظومة دفاعية وواصل بها الأمر للتعبير عن استعداد الرياض لاتخاذ كل الإجراءات الضرورية للقضاء على هذا النظام الدفاعي، بما في ذلك العمل العسكري.
وهكذا أصبحت قطر التي كانت مؤيدة للتسوية السلمية للنزاعات في المنطقة وتعمل من أجل فض النزاعات، مهددة في أمنها من قبل السعودية التي تمثل قوة كبرى، ونتيجة لذلك، تقوم الدوحة بتوسيع الشراكات مع العديد من مزودي الخدمات الدفاعية وتعمل على زيادة قدراتها العسكرية والأمنية. ومع ذلك، لا يزال الوضع غير مسبوق بالنسبة للدوحة محل قلق دولي، في حين أعلنت الولايات المتحدة الحليف الأمني الرئيسي لها منذ التسعينيات مرارًا وتكرارًا و على لسان الرئيس دونالد ترامب موقفها الرافض للتدخل ضد الدوحة.
عام وماذا بعد؟
وأوضح التقرير أنه في الوقت الحالي، تفوز قطر في هذا الصراع الذي فرضه عليه جيرانها، لكن الوضع ربما يكون أكثر تعقيدا من أي وقت مضى للأشهر والسنوات القادمة، سيما في ظل عدم وجود حلول قريبة للأزمة التي تضع المنطقة بأسرها في ظل التوتر، إنه توازن إقليمي كامل يحتاج إلى إعادة تصميم، وليس هناك شك في أن الأزمة سيكون لها تداعيات كبيرة على مناطق أخرى تشهد حروبا وتوترات في المنطقة. حيث إن حصار دولة قطر، له تأثيرات على عمليات السلام في المنطقة ويرتبط بشكل وثيق مع القضايا الإيرانية والفلسطينية والسورية واليمنية وغيرها، وسيساهم في انتشار وإدامة العنف في المنطقة.
ومن الواضح أن درجة “نضج” الأزمة لا تؤدي إلا إلى التقليل التدريجي من مساحة المناورة لمبادرة خارجية محتملة. كما يخشى مراقبون من إغراءات الهيمنة ورغبات السيطرة التي أظهرها النظام السعودي الذي يستخدم كل الأساليب الممكنة وغير الممكنة لتوطيد السلطة في السعودية وخارجها، مما يدعو إلى القلق من القرارات الممكن أخذها، والتي يمكن أن تتسبب في تعميق الأزمة وإدخال المنطقة في صراعات غير مجدية لها عواقب كارثية.