فشل النموذج الريعي الخليجي بتحقيق النمو

الدوحة – بزنس كلاس:

أكد المشاركون فى ندوة “التنويع الاقتصادى فى مجلس التعاون الخليجي: دروس الماضى وتحديات المستقبل” التى نظمها مركز بروكنجز الدوحة فشل مسارات التنويع الاقتصاد فى دول التعاون الخليجي.

وقال الدكتور خالد الخاطر، الباحث فى معهد الفكر الاقتصادى المستجد بجامعة كمبردج فى مداخلته: إن دول مجلس التعاون فشلت فى تنويع اقتصاداتها لعاملين أولهما أنها تطبق نموذجا اقتصاديا خاطئا، وهذا النموذج ليس فشل فقط فى تحقيق التنويع الاقتصادي، بل فشل أيضاً فى تحقيق الاستقرار الاقتصادى (الأسعار والدخل واستدامة النمو وتوفير الوظائف للمواطنين) لعقود متعاقبة، فالنمو لا يزال مرتبطا بدورة أسعار النفط ومنكشفا على تقلبات أسعار الطاقة ودورات الرواج والانهيار النفطية ومفاجآت التكنولوجيا (النفط الصخري) وأخيراً وليس بآخر علل الاقتصاد الريعى الكثيرة.

وقال: إن العنصر الثانى هو استمرار دول مجلس التعاون فى تطبيق نموذج رغم فشله العقود الماضية، موضحا:” وهذا يقودنا للحديث عن الاقتصاد السياسى للدولة الريعية ولفرضية أن التنويع ضد طبيعة الدولة الريعية المتغولة، لأنه يجردها من أهم مقومات بقائها وهى آلية توزيع الريع.”

ولفت إلى إن دول التعاون تتبع نموذج النمو الريعى التوزيعى الخليجي، وهو نمو لا يزال مرتبطا بدورة أسعار النفط من خلال آلية الانفاق الحكومى التى تعمل على إعادة توزيع مداخيل النفط فى الاقتصاد بشقيها، الانفاق الجارى الموجه للقطاع العام، والانفاق الرأسمالى الموجه للقطاع الخاص)، مشيرا إلى أن القطاع العام يقدم الخدمات العامة بما فيها توظيف المواطنين الذى يعد فى حد ذاته هدفاً للقطاع العام بغض النظر عن مدى الحاجة لهذه الوظائف. فبموجب العقد الاجتماعى الخليجي، الدول ملزمة بتوفير الوظائف وسبل العيش الكريم للمواطنين كحق مكتسب لهم فى دخل النفط مقابل عدم المحاسبة السياسية. ولكن بعد عقود من هذه العملية بلغ القطاع العام حد التشبع، ولم يعد باستطاعته استيعاب أفواج الخريجين المتزايدة سنوياً، وتدهورت كفاءته ومخرجاته. وتشير بعض المصادر إلى نحو 300،000 ممن هم فى سن العمل سنوياً فى السعودية وإلى معدل بطالة يفوق 20 % فى مجتمع يمثل الشباب فيه نحو الثلثين.

أما القطاع الخاص فيسعى لاستغلال الطفرات النطفية لتعظيم الأرباح السريعة من تضافر عاملين: أولهما الانفاق الحكومى السخى مع الطفرات النفطية، وثانيهما التوظيف المكثف لعمالة أجنبية قليلة المهارة والتكلفة لاستقطاع الريع فى قطاع السلع غير المتاجرة بها (العقار والخدمات) وتجارة الاستيراد (من خلال نظام الوكالة التجارية الاحتكارى على وجه الخصوص)، وهذا بدوره يلغى الحاجة لتوظيف المواطنين والتكنولوجيا وتحسين الإنتاجية (إذ يتجنب القطاع الخاص توظيف المواطنين لأنه أعلى تكلفة ويصعب التخلص منهم)، وبالتالي؛ تبقى الاقتصادات حبيسة مستوى منخفض من التكنولوجيا والإنتاجية فى قطاع السلع غير المتاجر بها من جهة، ومن جهة أخرى؛ ويؤدى النمو الكبير فى حجم القوة العاملة المستوردة إلى نمو كبير فى عدد السكان وتسربات فى رؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج من خلال تحويلات العاملين، وتحورات كبيرة فى التركيبة السكانية للمجتمع، وضغوطات كبيرة على قطاع الإسكان والخدمات العامة والبنى التحتية وتدهور جودتها، وإلى تغذية تضخم أسعار الأصول والمستهلك، وعادة ما ينتهى الأمر بفقاعة فى أسواق الأصول مع نهاية الدورة النفطية يتبخر معها الكثير من قيم الأصول ومدخرات الأفراد، ويدخل بعدها الاقتصاد فى حالة انكماش قد تطول، حتى تعاود أسعار النفط ارتفاعها من جديد، فى دورة رواج نفطية جديدة تتبعها دورة انهيار أخرى. ويتكرر هذا النمط منذ صدمة النفط الأولى عام 1973 حتى يومنا هذا.

وقال: إن الإصلاح المطلوب لهذا النموذج يجب أن يستهدف تغيير هيكل الحوافز فى الاقتصاد لتشجيع التحول من نمو يرتكز على كثافة عوامل الإنتاج إلى نمو يعتمد على زيادة إنتاجية عوامل الإنتاج الموجودة (من قوة عمل موجودة وليس زيادة عددها)، وذلك من خلال تركيم رأس المال البشرى وتوظيف التكنولوجيا والابتكار والأبحاث والتطوير فى قطاع صناعات موجه للتصدير.

وأكد الخاطر على ضرورة القيام بإصلاحات جذرية للنموذج الاقتصادى القائم من خلال بناء رأس المال البشرى وإصلاح القطاع العام وإصلاح القطاع الخاص.

من جهتها قالت سامانثا جروس الزميلة فى مبادرة بروكنجز الشاملة حول الطاقة والمناخ فى معهد بروكنجز: إن انهيار أسعار النفط في العالم هى الدافع الأساسى لدول الخليج فى التوجه نحو التنويع الاقتصادي. وأضافت بأن هناك غموضا في تحديد ذروة الطلب على النفط والغاز، لذلك على دول الخليج أن تقوم بإصلاحات عميقة تساهم فى تحقيق التوازن ما بين الانفاق والموارد فى موازناتها.

وأشارت الى أن النفط فى 2002 شهد عرضاً كبيراً ومبعث القلق بأن يكون هناك نقص أو عدم وجود للنفط فيما بعد، والمشككون يعتقدون بأن التكنولوجيات ستؤدى الى إنجازات عظيمة، وتم تغيير مسار هذه الآراء فيما يخص أمن الطاقة خاصة فى دول مثل أمريكا. مذكرة فى هذا السياق بأن أمريكا بدأت فى 2005 برفع انتاجها من النفط وكان هناك عدد من المبادرات تبعتها زيادة بالثلثين فى 2015 والآن تخطت السعودية فى إنتاج النفط وهى الآن تنافس روسيا التى تعد أكبر منتج للنفط.

وركزت الدكتورة جروس على أهمية التطورات التى شهدتها اقتصادات المنطقة، وقالت إن الثروة فى المنطقة مبنية على موارد النفط والغاز، وتساءلت عن كيفية تغيير هذه الموارد فى العصر الحالي؟ مشيرة الى أن توقعات أسعار النفط فى المدى القصير أصبحت مستحيلة. والأنماط والتوجهات على المدى البعيد يمكن توقعها وتفهمها، وتشير الى أسعار أدنى مما كنا نتوقعه قبل 15 سنة.

وشددت الدكتورة جروس على أن التغييرات الاقتصادية فى دول الخليج تتطلب تغيييراً فى العقد الاجتماعى والهياكل الاقتصادية فى المنطقة والتى ربما تكون ذات صلة بالحكومة وتشجيع على النمو والمشاريع.

وبدوره أوضح د. حاتم الشنفرى أستاذ الاقتصاد والمالية بجامعة السلطان قابوس فى مداخلته ضرورة استفادة دول مجلس التعاون من ميزتها التفاضلية التى تتمتع بها خاصة فى صناعة النفط والغاز من خلال إيجاد آليات للتنويع انطلاقاً من هذه القطاعات.

واستشهد الشنفرى فى هذا الإطار بما حدث فى هيوستن الأمريكية التى ارتكزت فى وقت ما على مواردها من صناعة اعتبرتها ثروة موروثة لتنطلق فى وقت لاحق لتطوير هذه الصناعة وخلق قطاعات مالية وتكنولوجية مرتبطة بها.

قائلاً، تمكن هيوستن من التحول من ثروة تمت وارثتها الى ثروة متحولة يقودها القطاع الخاص وهى ثروة مستمرة لفترة طويلة، حيث قامت واعتمدت على الإنتاجية العالية والحلول التكنولوجية والتأمين والصيرفة ولا تتعلق فقط بإنتاج النفط والغاز.

وقال إن صناعة النفط والغاز مع مرور الوقت فى دول الخليج خلقت مهارات كبيرة وخبرات تراكمية على امتداد الفترة الماضية يمكن الاستفادة منها لتعزيز مسارات التنويع الاقتصادي، قائلاً إن دول الخليج تحصل تقريباً على كل شيء من الخارج.

ودعا الشنفرى دول الخليج الى من الاستفادة من تجارب الدول الناجحة مثلما حدث فى النرويج وتجنب تجارب الدول الفاشلة فى هذا المجال على غرار ما حدث فى فنزويلا.

على صعيد آخر أشار د. نادر قبانى — زميل أول ومدير الأبحاث فى مركز بروكنجز الدوحة الى أن قطاع الطاقة مقبل على تغييرات هيكلية عميقة خلال العشرين عاماً المقبلة قوامها الطاقة المتجددة، مشيراً فى هذا السياق لانخفاض تكلفة الطاقة الشمسية مقارنة بالطاقة النفطية بالإضافة للوعى العالمى لضرورة ترشيد استهلاك الطاقة. كما ان هناك المزيد من الوعى من ربات المنازل حول أساليب الإنتاج ربما تؤثر على القطاع الخاص وتقنيات خزن الطاقة وله تأثير على قطاع النقل.

وركز على القضايا الأساسية فى التنويع الاقتصادية بالنظر لحالة قطر بشكل خاص، لأن النموذج القطرى يختلف عن غيره فى دول الخليج. مشيراً الى أن انخفاض الأسعار من شأنه ان يجعل من قضية التنويع الاقتصادى أكثر إلحاحاً لاقتصادات المنطقة.

السابق
قطر تصدر أول بطاقة إدخال مؤقت للبضائع “ATA Carnet”
التالي
قطر تزود الهند بالنافتا الخفيفة