غرفة نوم وحمام في أنبوب مساحته 9 أمتار فقط.. “شقق النانو” من أجل حل أزمة الإسكان في هونغ كونغ

تقول واي لي، العاملة في مجال المالية والبالغة من العمر 39 عاماً، والتي تستأجر شقة “نانو” مساحتها 19 متراً مربعاً وحدها في حي شيونغ وان بهونغ كونغ: “يمكن للحياة في هونغ كونغ أن تكون خانقةً في بعض الأحيان، سواء داخل البيت أو خارجه”.تقول واي لي، العاملة في مجال المالية والبالغة من العمر 39 عاماً، والتي تستأجر شقة “نانو” مساحتها 19 متراً مربعاً وحدها في حي شيونغ وان بهونغ كونغ: “يمكن للحياة في هونغ كونغ أن تكون خانقةً في بعض الأحيان، سواء داخل البيت أو خارجه”.
يبلغ حجم المساحة المخصَّصة للمعيشة في شقة “لي” أكثر بقليل من حجم المساحة الكافية لوقوف سيارتين في هونغ كونغ. هذه هي الشقق التي يطلَق عليها لقب “النانو”؛ بسبب حجمها متناهي الصغر.
وتقول “لي”: “لقد تعلَّمت التعامل مع المساحة الضيقة بالحفاظ على الأشياء مُرتبةً والاحتفاظ فقط بالأشياء التي أحتاج إليها حقاً. سريري هو أكبر قطعة أثاث هنا؛ لهذا فهو المكان الذي أميل إلى قضاء وقتي فيه. لا توجد مساحة لوضع شيءٍ إضافي”.

لا حاجة لكثير من الأشياء

وحسبما ذكرت لصحيفة The Guardian البريطانية، كانت “لي” تستأجر الشقة مقابل 2930 دولاراً أميركياً في الشهر طوال العامين الماضيين، “في الوقت الحالي، هذا هو أقصى ما يمكنني تحمُّله؛ لذا أحاول اعتياد الأمر. أي شقة أكبر حجماً في هذه المنطقة باهظةُ التكلفة، وللحصول على مكان أرخص سأضطر إلى التحرك مسافةً بعيدة عن هنا”.

تتقبل “لي” أنَّ المعيشة في مساحةٍ متواضعة أمرٌ عادي في هونغ كونغ؛ لذا اعتادت ذلك، وأضافت: “أدركتُ أنَّ بإمكاني تدبُّر أمري دون أن أملك كثيراً من الأشياء، مما يبعث على الراحة”. الشيء الوحيد الذي ينقص الشقة هو مطبخ مناسب، هي تضطر إلى تناول طعامها بالخارج كثيراً، وهي ليست عادةً صحية. “لكن بخلاف ذلك، فالشقة تلبي معظم احتياجاتي”.

الحل: تصاميم إبداعية

يعتقد وليام ليم أنَّ التصميم الإبداعي يمكن أن يكون حلاً للنقص الحاد الذي تعانيه المدينة في المساحات السكنية. وبصفته مؤسس شركة CL3 Architects، صمَّم ليم في الآونة الأخيرة أصغر “شقة نانو” مجهَّزة تجهيزاً كاملاً في العالم، فهي تحتوي على غرفتي نوم وحمام ومطبخ مجهزين، كل ذلك في مساحة 18 متراً مربعاً، وهو متوسط حجم مقصورات السفن.

يقول ليم: “نظرتُ إلى المنطقة ليس باعتبارها سطحاً مستوياً، وإنَّما باعتبارها مساحة فضاء ثلاثية الأبعاد”.

أصبح العيش في شقق النانو (التي تُصنَّف مناطق قابلة للبيع يصل حجمها إلى نحو 18 متراً مربعاً) هو الرائج في هونغ كونغ. وتقدِّر الحكومة أنَّ ما لا يقل عن 200 ألف من أفقر سكان المدينة يعيشون في شققٍ مُقسَّمة. بعضها (المعروفة باسم منازل التابوت) هي زنازين تصل مساحتها إلى قرابة 1.5 متر مربع، وهي مساحة لا تبلغ حتى نصف حجم المساحة المخصصة لوقوف سيارةٍ واحدة. توفر هذه الشقق مساحةً أقل بكثير من الحد الأدنى الذي حدَّدته هيئة الإسكان لكل شخص يعيش في مسكن عام (7 أمتار مربعة). ويعيش السجناء أنفسهم في سجون الحراسة المشددة بالمدينة في مساحة معيشة أكبر.

بكم التكلفة؟

بخلاف مدنٍ أميركية مثل لندن ونيويورك وسيدني، لا يوجد في هونغ كونغ حالياً حد أدنى قانوني للوحدات السكنية الخاصة؛ ما أدى إلى استمرار تقلُّص أحجام المنازل وزيادة أسعارها. في عام 2016، وضع أحد المطورين خططاً مع إدارة المباني في هونغ كونغ لتحويل مبنى تجاري إلى 68 شقة، بعضها صغير وتبلغ مساحته 5.7 متر مربع، أي أقل من مساحة السجن المعتادة.

وفي مارس/آذار من هذا العام (2018)، بيعت وحدة مساحتها 19.5 متر مربع بمنطقة بوك فو لام في هونغ كونغ مقابل نحو مليون دولار أميركي (أي 4802 دولار للمتر المربع الواحد)، وهو سعر قياسي للشقق الصغيرة في المدينة.

وبغض النظر عن مدى إبداع تصميمها، يصفها النقاد بأنَّها حيلة لجعل المطورين أكثر ثراءً. وعلى الرغم من النداءات المتكررة من المشرعين المحليين لتقنين حجم الشقق الخاصة، رفض رئيس الإسكان في المدينة نداءاتهم، بحجة أنَّ تقنين الحجم سيؤثر سلباً في القدرة على تحمل التكاليف.

الشقق الأصغر في العالم

ووفقاً لمجموعة الأبحاث المستقلة Shrink That Footprint، تعد الشقق بهونغ كونغ في المتوسط ​​هي الأصغر حجماً بالعالم (45 متراً مربعاً)؛ إذ يبلغ متوسط ​​حجم الشقة الفردية في مدينة مانهاتن بولاية نيويورك الأميركية 66.5 متر مربع، وفي لندن 51 متراً مربّعاً.

ومن المتوقع الآن أن يتقلص حجم الشقق في هونغ كونغ أكثر؛ إذ تتوقع شركة JLL لإدارة العقارات أنَّ هونغ كونغ ستنتهي من بناء 2100 شقة نانو أخرى على الأقل بحلول عام 2020. ما هي المعايير إذن التي تحدد أنَّ حجم الشقة أصغر من اللازم؟ وما هي الآثار المترتبة على العيش في مساحةٍ ضيقة كهذه على الصحة العقلية؟

لكن.. هناك نتائج سلبية

 

في العام الماضي (2017)، تعاون مركز Lady MacLehose، وهي منظمة غير حكومية محلية، مع معهد Hong Kong Jockey Club Disaster Preparedness and Response، لإجراء استطلاع رأي على 104 أُسر تعيش في شقق مقسمة بالمدينة، ووجد أنَّ 80% من السكان يعانون اضطراباتٍ نفسية. وفي دراسة متابَعة أُجريت في أكتوبر/تشرين الأول 2017، قابلت اللجنة المسؤولة عن الاستطلاع 10 أُسر، ولاحظت ظهور مؤشرات على الإصابة بالاكتئاب و/أو القلق على سبعٍ منها، بينما شُخِّصت إصابة عدد من أفراد أسرتين منهم باضطرابٍ عقلي.في العام الماضي (2017)، تعاون مركز Lady MacLehose، وهي منظمة غير حكومية محلية، مع معهد Hong Kong Jockey Club Disaster Preparedness and Response، لإجراء استطلاع رأي على 104 أُسر تعيش في شقق مقسمة بالمدينة، ووجد أنَّ 80% من السكان يعانون اضطراباتٍ نفسية. وفي دراسة متابَعة أُجريت في أكتوبر/تشرين الأول 2017، قابلت اللجنة المسؤولة عن الاستطلاع 10 أُسر، ولاحظت ظهور مؤشرات على الإصابة بالاكتئاب و/أو القلق على سبعٍ منها، بينما شُخِّصت إصابة عدد من أفراد أسرتين منهم باضطرابٍ عقلي.
سلَّطت الأبحاث الضوء أيضاً على كيفية تأثير العيش بالمساكن المزدحمة سلباً في رفاهيتنا؛ مما يؤدي إلى التدهور ومواجهة صعوبات في التركيز، لا سيما بين الأطفال. ووفقاً لعالِم النفس البيئي داك كوبيك، الأستاذ المساعد في جامعة نيفادا الأميركية، هناك أيضاً أبحاث تُظهر أنَّ الضغط المرتبط بالاكتظاظ، الناجم عن العيش في شققٍ صغيرة، يمكن أن يؤدي إلى زيادة معدلات العنف المنزلي وإدمان المخدرات.
ويقول كوبيك إنَّ “الشخص الذي يعيش بمفرده في مساحةٍ ضيقة يبدأ تدريجياً في الشعور بالحصار والرغبة في الفرار، تماماً كرهاب الاحتجاز. وهناك سبب وراء بناء زنازين السجون بهذا الحجم، فهي معدَّة للعقاب”. ويضيف أنَّنا جميعاً بحاجة إلى مساحةٍ كافية للعيش من أجل معالجة الإجهاد وتجديد قدراتنا على التأقلم، ويعتقد أنَّه يجب تطبيق قوانين على القائمين ببناء شققٍ جديدة؛ لضمان أنَّهم لا يزالون يراعون الجوانب الإنسانية.

“يجب عليهم تحمُّل المسؤولية”

 

وتقول ليلى ماكاي، الطبيبة النفسية والمديرة بمركز التصميم الحضري والصحة العقلية: “إذا سُمِحَ بإنشاء مثل هذه الشقق الصغيرة، فأنا أعتقد أنَّ المطورين، بالشراكة مع مخططي المدن، بحاجة إلى تحمُّل المسؤولية الرسمية عن الاستثمار في عوامل وقاية؛ لتخفيف مخاطر الإصابة بمشاكل عقلية. على سبيل المثال، بناء مساحاتٍ مجتمعية متاحة، ومرحبة، وجذابة، وآمنة، سواء كانت مغلقة أو مفتوحة، تتيح للأشخاص من جميع الأعمار الاسترخاء، والتواصل الاجتماعي، وتناول الطعام، واللعب، والدراسة”.وتقول ليلى ماكاي، الطبيبة النفسية والمديرة بمركز التصميم الحضري والصحة العقلية: “إذا سُمِحَ بإنشاء مثل هذه الشقق الصغيرة، فأنا أعتقد أنَّ المطورين، بالشراكة مع مخططي المدن، بحاجة إلى تحمُّل المسؤولية الرسمية عن الاستثمار في عوامل وقاية؛ لتخفيف مخاطر الإصابة بمشاكل عقلية. على سبيل المثال، بناء مساحاتٍ مجتمعية متاحة، ومرحبة، وجذابة، وآمنة، سواء كانت مغلقة أو مفتوحة، تتيح للأشخاص من جميع الأعمار الاسترخاء، والتواصل الاجتماعي، وتناول الطعام، واللعب، والدراسة”.
لكنَّ الأزمة الإسكانية الحالية في هونغ كونغ لا تقتصر على الافتقار إلى المساحات الكافية؛ بل القدرة على تحمُّل التكاليف أيضاً. فوفقاً لمسح الديموغرافيا الدولية لتحديد القدرة على تحمُّل تكاليف السكن، اتضح أنَّ هونغ كونغ حافظت على كونها أغلى مدينة في سوق العقارات بالعالم على مدار السنوات السبع الماضية.

منازل أنبوبية

إلا أنَّ جيمس لاو، المهندس المعماري المحلي، لديه حلٌ جذري. ابتكر “لاو” نموذجاً أولياً لما يسمونه OPod Tube House، وهو أنبوب مياه خرساني جرى تحويله، ويوفر منطقة معيشة تبلغ مساحتها 9 أمتار مربعة، صُمِّمت لتكون بيتاً منخفض التكلفة مخصصاً للشباب في هونغ كونغ. جُهِّزت هذه الشقة الصغيرة بجميع وسائل الراحة، وضمن ذلك مقعد يتحول إلى سرير، وثلاجة صغيرة، ومساحات للتخزين، وحمام صغير به دش ومرحاض. يمكن لهذه الشقق الصغيرة أن تُوضع بعضها فوق بعض، أو داخل الفجوات بين مباني المدينة بدقة.

يخطط “لاو” لفرض نحو 380 دولاراً أميركياً على الإيجار شهرياً. ويقول: “سيغطي نحو 127 دولاراً أميركياً من هذا المبلغ تكاليف الإدارة، أما المبلغ المتبقي فسوف ندخره نيابةً عن الشباب، وسيُستثمر بعناية. وفي نهاية فترة الإيجار، سنعيد المال إليهم؛ لمساعدتهم على بدء المرحلة التالية من حياتهم”.

ويقول “لاو” إنَّ إنشاء مبنى OPOD متعدد الطوابق قيد التنفيذ بالفعل في شنجن الواقعة بالبر الرئيسي للصين، وسيكون جاهزاً للتأجير بحلول شهر سبتمبر/أيلول 2018، وذكر أنَّه يُجري محادثاتٍ مع الحكومة للعثور على مواقع محتملة مناسبة في هونغ كونغ.

ويضيف: “بعض الشباب أخبرونا بأنَّهم على استعداد للعيش بالتأكيد في الـOPod. قال بعضهم إنَّها أكبر من غرفتهم في منازلهم، أو حتى أكبر من المساحات المخصصة للعائلة بأكملها في المنزل”.

التفكير الإبداعي

ليس الجميع مقتنعين بأنَّ العيش في أنبوبة تصريف مُحوَّلة يعتبر الحل الأفضل. ويقول بول ماكاي، وهو شريك بشركة الهندسة المعمارية والتصميم “PMDL” في هونغ كونغ: “أنا قلِق بعض الشيء؛ لأنَّ بعض التصميمات الحديثة تفتقر إلى السمات المميزة للمنزل، مثل الكرامة. هل يمكنك أن تتخيل أن تكون طفلاً معروفاً في مدرسته بأنَّه يعيش في أنبوبة تصريف محولة؟!”.

في الوقت الحالي، مستلهِمةً تلك الفكرة من مشاريع مماثلة بلندن وأمستردام، يبدو أنَّ حكومة هونغ كونغ ستمضي قدماً في المنازل المصنوع هيكلها مسبقاً؛ للمساعدة في تخفيف أزمة السكن بالمدينة. وأعلن وزير التنمية بالمدينة، في العام الماضي (2017)، خطةً لإطلاق منازل الحاويات التي تبلغ مساحتها 18 متراً مربعاً في مشروعين تجريبيين بجامعات المدينة خصيصاً للموظفين والطلاب. ومن المتوقع أن تتراوح الإيجارات الشهرية بين 1020 دولاراً أميركياً ونحو 1270 دولاراً.

ويقول ماكاي: “يكمن أحد أفضل الحلول في استخدام المباني القائمة بطريقةٍ أكثر إبداعاً. يمكن تنفيذ ذلك إما بمشاركة السكن -وهو حل لا يناسب الجميع- وإما بإعادة المباني غير المستخدمة أو غير المستغلة إلى التداول، وتكييفها للاستخدام السكني”. ويضيف ماكاي أنَّ هذا سيتطلب تصميماً دقيقاً وتناولاً تنظيمياً مرناً، لكن من المحتمل أن يوفر مساكن دائمة جديدة للعائلات دون تطوير المزيد من الأراضي.

في هذه الأثناء، أطلقت حكومة هونغ كونغ مؤخراً مشاورةً عامة حول تعزيز إمدادات الأراضي لتوفير مساكن جديدة. وخلال هذه العملية التي ستستغرق 5 أشهر، سيُطلَب من الأفراد الاختيار من بين 18 خياراً لمعالجة مشكلة نقص الأراضي في السكن على مدار العقود الثلاثة القادمة. بالإضافة إلى ذلك، تعهدت الحكومة بإنفاق نحو 70 مليون دولار أميركي من أموال دافعي الضرائب طوال العقدين المقبلين؛ لإعادة تأهيل وتعويض المقيمين بمنطقة الأقاليم الجديدة في المدينة المجبَرين على النزوح، وإفساح المجال للتطورات الجديدة.

ويقول ماكاي: “قضيتُ بعض الوقت بمساكن الحاويات في هونغ كونغ، ولم يلهمني الأمر لتأجير واحد لنفسي. البيت عبارة عن هيكلٍ خالٍ من النوافذ، يعتمد كلياً على الضوء الاصطناعي والتهوية الميكانيكية. كان شديد الحرارة في الصيف وقارس البرودة بالشتاء. لم يستوفِ أياً من المعايير التي اتبعها لبناء منزل”.

السابق
إعلانات الطعام تستخدم هذه المواد والحيل لتصوير البرغر والآيس كريم والدجاج المشوي
التالي
تشكيلة ريزورت من روبرتو كافالي 2019 تحملك في رحلة سفاري ممتعة