طرائف أغنية فكَّروني لأم كلثوم: تلعثم وزلات لسان وكلمات منسية

 

يتعرض الفنانون في حفلاتهم إلى بعض المواقف المحرجة أو اللقطات الطريفة التي ربما يلاحظها الجمهور أحياناً، ويتفاعل معها بحب وود، وخاصةً إذا كانت من سيدة الغناء العربي أم كلثوم، التي لم تسلم من بعض هذه المواقف، كالتلعثم ونسيان بعض الكلمات وزلات اللسان.

حدث هذا عندما كانت تغنّي كوكب الشرق إحدى روائعها، أغنية “فكروني”، ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب، وكلمات عبد الوهاب محمد، على مسرح جامعة القاهرة.

سأعرض لكم بعضَ هذه اللقطات التي جاء بعضها سهواً، والبعض الآخر يبدو أنه جاء عمداً بعد تفاعل الجمهور مع الأسلوب الذي تغنَّت به أم كلثوم، ويمكنكم الاستماع إلى المقاطع من خلال الرابط المرفق مع المقال.
من المعروف عن كوكب الشرق وضوح مخارج الألفاظ والحروف، إلا أن بعض كلمات هذه الأغنية جاءت على عكس ذلك، فمن يستمع إلى مقطع “نفسي أهرب من عذابي”، يشعر بعدم وضوح كلمة “نفسي”، التي جاءت مرة، وكأنها “بدي أهرب”، ومرة أخرى بصوت رخيم غير واضح.

أما في المقطع الثاني تقول فيه: “آه يا هبيبي حياتي بعدك مستحيلة”، بدلاً من آه يا حبيبي التي أعادتها مرة أخرى بصورة واضحة وسليمة، ونجد تلعثم أم كلثوم واضحاً في مقطع “يلّا نلحق من الزمن أيام صفاه”، فجاء غير واضح أو مفهوم.
المقطع الأخير وهو الأكثر تفاعلاً مع الجمهور الذي بدأ الهتاف والتصفيق الحار عندما أخطأت الست في الغناء، وكانت تقول: “تنتهي الأيام وتطوي العمر منا.. وانت حبك.. أنت مالوش نهاية”، فبدلاً من إعادة كلمة “أنت”، قالتها “حبك”، ولكنها لم تناسب اللحن فاضطرت أم كلثوم للهمهمة والصمت، مما أشعل حماس الجمهور، فأعادت المقطع بشكل صحيح، ويبدو أنها تعمدت ترخيم صوتها واللعب به في الجملة الأخيرة، وكأنها تختم الأغنية بدلال وخفة لملاطفة الجمهور.
على الرغم من هذه الإشارات الطريفة فإنها أضافت لمسة جمال وطرب على صوت سيدة الغناء العربي، التي كانت تغني على خشبة المسرح بالساعات إرضاء لجمهورها ومحبيها من كل أنحاء الوطن العربي، فقد كانت حالة نادرة وظاهرة فريدة يشعر معها المستمع وكأنها تغنّي له، سواء الأغاني العاطفية أو الدينية أو الوطنية، ولهذا أطلق عليها صوت الشعب.

ولكن عزيزي القارئ وبالأخص محبّي فنانة الشعب، أريد أن أشاركك تجربة لعلنا نتساءل من خلالها من يمتلك صوت أم كلثوم بعد وفاتها بأكثر من أربعين عاما؟ فحين قمت برفع مقطع الفيديو الخاص بالتعليق على أغنية فكَّروني على موقع يوتيوب، فوجئت بأن المقطع تم حذفه بسبب مخالفة حقوق النشر والملكية لشركة مزيكا، وبعث ليّ الموقع رسالة تفيد بأن شركة مزيكا (ديجيتال ساوند) هي المسؤولة عن إعادة نشر أغاني أم كلثوم أو السماح لمن تشاء باستخدامها؛ ليصبح هذا الصوت المصري الأصيل حكراً على شركة إنتاج تمنعه أو تستغله حسب إرادتها.

لم تكن أم كلثوم مجرد مطربة فقط؛ بل كانت صوت مصر الذي تغنّى بأهم الأغاني الوطنية “مصر التي في خاطري، مصر تتحدث عن نفسها، أنا الشعب، طوف وشوف” وغيرها من الأغاني، وأصبحت صوت كل المصريين الذين اعتبروها معجزة فنية لن تتكرر.

كيف يصبح صوت أم كلثوم ملكاً لشركة إنتاج؟ وكيف يحتكر التراث المصري شخص أو شركة؟ ولماذا تضع شركة مزيكا أيديها على الأغاني التراثية لمعظم فناني الزمن الجميل؟ وإذا كانت حقاً تمتلك حقوق بث وإذاعة ونشر أغاني كبار المطربين ممن أثروا تراثنا الفني بأعمالهم، فإن قانون المصنفات الفنية المصري ينص على أن الأغاني التي مر عليها 50 عاماً تعتبر من أغاني التراث غير المحصنة أو الخاضعة لحقوق نشر لأي هيئة أو شركة.

بالإضافة إلى أن قانون حق المؤلف في مادته رقم 13 ينص على أنه لا يجوز للمؤلف (أو المنتج) بعد نشر المصنف حظر التحليلات والاقتباسات القصيرة إذا قصد بها النقد أو المناقشة أو الإخبار ما دامت تشير إلى المصنف واسم المؤلف إذا كان معروفاً، وهذا الفيديو المحذوف من اليوتيوب لا يتعدى الخمس دقائق وهو بقصد التعليق والتحليل، ولكنه يكشف عن ثروة قومية لم تعد ملكاً للشعب؛ بل ملك لرجل أعمال أو شركة فنية خاصة.

من المعروف أن شركة مزيكا إحدى الشركات التابعة للمنتج محسن جابر، صاحب شركة عالم الفن، كبرى شركات الإنتاج في العالم العربي، أسهمت شركات محسن جابر في إنتاج الكثير من الأعمال الفنية لكثير من المطربين، ولا ننكر أنها قدمت إبداعات لمطربين من أجيال مختلفة؛ حيث بدأ جابر في مجال الإنتاج الفني في السبعينات، وأنتج لكل من وردة وفايزة أحمد وميادة الحناوي وسميرة سعيدة وعفاف راضي وغيرهن من الأجيال التي لحقت بهن ولا تزال رائدة شركات الإنتاج في العالم العربي، لكنها إلى جانب هؤلاء تحكتر أغاني عظماء الطرب أمثال أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش.
ولا شك أن من حق الشركة الحفاظ على الأغاني التي أنتجتها، وحمايتها من القرصنة والسرقة المنتشرة عبر مواقع الإنترنت، غير أنها يجب أن تحترم أغاني التراث ورموز الغناء والفن أمثال كوكب الشرق وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، فهم أصوات مصر ورمز لكل المصريين، ولا يمكن أن يمتلك فنهم شخص أو شركة خاصة، فهم ثروة مصر الفنية التي لا تقدر بأي ثمن.

السابق
تحضرت للاغتصاب ثم القتل: كارداشيان تروي تفاصيل حادث السطو في باريس
التالي
أسرار حياة تشارلز في كتاب جديد.. ماذا فعل الأمير ليلة زفافه على ديانا؟