صندوق بندورا.. فورين بوليسي: تغيير النظام ليس سوى بداية الكابوس

وكالات – بزنس كلاس:

في تقرير سابق لـ «ستيفن والت»، جادل بأن قرار الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بخرق الاتفاق النووي الإيراني هي الخطوة الأولى في جولة جديدة من تغيير النظام في الشرق الأوسط.

وإذا كان هدفه هو وقف إيران من صنع قنبلة نووية ومنع سباق تسلح إقليمي، فإن الاتفاق الحالي كان يعمل على ما يرام، وكان ينبغي عليه أن يحاول جعله دائما بدلا من الإطاحة به.

وإذا كان هدفه هو وقف «الأنشطة الإقليمية» لإيران، لكانت الإستراتيجية الذكية هي إبقاء أنشطة البلاد في حدود الاستفادة من الطاقة النووية، في الوقت الذي تعمل فيه الإدارة مع الآخرين من أجل الضغط على إيران عبر الجهود الدبلوماسية.

وبدلا من ذلك، يأمل «ترامب»، ومستشار الأمن القومي «جون بولتون»، ووزير الخارجية «مايك بومبيو»، في أن يؤدي الانسحاب من الاتفاق الإيراني إلى إعادة فرض العقوبات على إيران.

وهم يأملون أن يؤدي هذا الضغط إلى إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية، أو قيادة المتشددين الإيرانيين لاستئناف برنامج التخصيب النووي لتقديم ذريعة للحرب الوقائية التي طالما دافع عنها «بولتون».

وربما كان على الخبراء الاستراتيجيين الأكثر عقلانية دراسة أولا ما إذا كان هذا الهدف منطقيا، وماذا يعلمنا التاريخ؟ وهل أدت الجهود السابقة لتغيير النظام (من قبل الولايات المتحدة وآخرين) إلى تحقيق الفوائد المتوقعة، أم أنها أدت في النهاية إلى جعل الأمور أسوأ؟ وهل ينتج عن تغيير النظام فوائد حقيقية بتكلفة منخفضة نسبيا، أم أن السعر عادة يكون أعلى من المتوقع، في حين تميل الفوائد إلى أن تكون مخيبة للآمال؟

وفي الواقع، الأجوبة واضحة تماما، كما يتضح من التاريخ القصير التالي لتغيير النظام.

الانقلاب الإيراني عام 1953:

في الشرق الأوسط، كان أخطر تغيير لنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية هي عملية «أياكس»، وهي الجهود الأمريكية والبريطانية المشتركة للإطاحة برئيس الوزراء الإيراني المنتخب «محمد مسعد» عام 1953، وإعادة الشاه «محمد رضا بهلوي» إلى العرش.

وكانت المؤامرة بمثابة نجاح تكتيكي باهر، وقد يجادل المرء بأن الشاه كان حليفا قيما للولايات المتحدة حتى عام 1979، لكن الشاه كان عبارة عن حليف مختلط (من بين أمور أخرى هو من بدأ برنامج الأسلحة النووية الإيراني)، وكان دور الولايات المتحدة في وضعه على العرش ودعمه هي الأسباب الرئيسية التي جعلت «الخميني» والسياسيين الموالين له معادين للولايات المتحدة.

والدرس المستنتج هنا هو، حتى النجاح في المدى القصير والمتوسط ​​يؤدي أحيانا إلى مشاكل أكبر بكثير لاحقا على المدى الأطول.

كارثة السويس عام 1956:

بعد أن قامت الحكومة المصرية بتأميم شركة قناة السويس عام 1956 (وهي مناورة قانونية تماما، بالمناسبة)، تواطأ قادة كل من بريطانيا وفرنسا و(إسرائيل) في مخطط هجومي للإطاحة بالزعيم المصري «جمال عبدالناصر».

وقد وافقت (إسرائيل) على غزو شبه جزيرة سيناء، متذرعة بتدخل بريطانيا وفرنسا «لحماية القناة»، وافترض المهاجمون أن الهزيمة ستؤثر على هيبة «عبدالناصر» وتؤدي إلى الإطاحة به.

وكانت النتيجة فشلا مهينا؛ حيث إنه على الرغم من أن الهجوم الإسرائيلي كان على ما يرام، لكن المخطط لم ينفذ بالضبط، وقد أجبرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بريطانيا وفرنسا و(إسرائيل) على الانسحاب من الأراضي التي احتلتها.

ولم يمسك «ناصر» بزمام السلطة فحسب، بل إن تحديه للقوتين الاستعماريتين السابقتين و(إسرائيل) قد أدى أيضا إلى ارتفاع مكانته وشعبيته في البلاد، وفي النهاية، نجحت حرب السويس في إثبات أن بريطانيا وفرنسا لم تعودا قوى عظمى حقيقية.

مغامرة مصر في اليمن:

لسوء حظ مصر، ذهبت هيبة «ناصر» لنفس السبب، وفي أوائل الستينات، قرر أن يتدخل إلى جانب القوى التي يفترض أنها تقدمية في الحرب الأهلية اليمنية، وفي نهاية المطاف، أرسلت مصر أكثر من 50 ألف جندي هناك، وأنفقت أموالا لم تكن تملكها، وانتهى بها الأمر إلى الانسحاب بعد أعوام بعد أن خسرت كل شيء.

مخطط «آرييل شارون» الكبير:

في عام 1982، اجتاحت (إسرائيل) لبنان، وكان ذلك ظاهريا للرد على محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، ولكن في الواقع، كان جزءا من مخطط كبير خطط له وزير الدفاع آنذاك «أرييل شارون».

وفي محاولة لتدمير منظمة التحرير الفلسطينية، وتثبيت حكومة موالية لـ(إسرائيل) في لبنان، غزت القوات الإسرائيلية جارتها، وأسقطت مجموعة من الطائرات السورية، وطاردت «ياسر عرفات» ومنظمة التحرير الفلسطينية وصولا إلى بيروت.

لكن الخطة برمتها سرعان ما تكشفت، وانتهى الأمر بـ(إسرائيل) باحتلال جنوب لبنان حتى عام 2000، وكانت النتيجة النهائية هي إنشاء «حزب الله»، وبهذا نستطيع أن نقول: «أحسنت يا آرييل!»

صدام حسين ضد العالم:

في حين كان غارقا في الديون في أعقاب الحرب العراقية الإيرانية، في عام 1990، غزا الرئيس العراقي «صدام حسين» الكويت وحاول ضمها إلى بلاده.

وفي هذه المحاولة الفاضحة لحل مشاكله الاقتصادية والداخلية العديدة، فشل بالكامل، لأن ائتلافا غير محتمل من القوى الغربية والعربية بقيادة الولايات المتحدة سرعان ما تجمع لإبعاد العراق عن الكويت، ودمر الكثير من قوته العسكرية، ثم تسبب في تفكيك أسلحته المختلفة من برامج الدمار الشامل.

ونجح «صدام» في التشبث بالسلطة، لكن جهوده لـ«تغيير النظام» في الكويت شهدت فشلا ذريعا.

الإطاحة بـ«طالبان»:

عندما رفض نظام «طالبان» في أفغانستان تسليم «أسامة بن لادن» إلى الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر/أيلول، انضمت الولايات المتحدة إلى تحالف الشمال الأفغاني، وتدخلت لطرد «طالبان» من السلطة، وبعد ذلك، ساعدت واشنطن في تنسيق تشكيل حكومة أفغانية جديدة تحت قيادة «حامد كرزاي».

لكن كم كانت التكلفة؟ استغرق ذلك أكثر من 15 عاما وأكثر من تريليون دولار، واليوم لا تزال الولايات المتحدة غارقة في حرب لا يمكن أن تفوز بها، ولا يبدو أنها ستخرج منها قريبا.

ومن الواضح أن إسقاط الحكومات أمر سهل، لكن خلق أخرى جديدة صعب حقا، ولا تنسوا أن الاتحاد السوفييتي كان لديه تجربة مماثلة عندما حاول هندسة تغيير النظام في كابول، وانتهى به الأمر في حرب طويلة الأمد لم يستطع كسبها.

الولايات المتحدة ضد «صدام حسين»، عام 2003:

في أعقاب 11 سبتمبر/أيلول، تبنت إدارة «جورج دبليو بوش» خطة المحافظين الجدد «للتحول الإقليمي» في الشرق الأوسط، بدءا بغزو العراق والإطاحة بـ«صدام حسين».

ولقد سقط الرئيس «بوش» ونائبه «ديك تشيني» في مخطط «كوكامي»، وقد شارك القادة الإسرائيليون مثل «شمعون بيريز»، و«بنيامين نتنياهو»، و«إيهود باراك» في بيع تلك الفكرة إلى الشعب الأمريكي، واشترى الكثير من الصقور الليبراليين الفكرة كذلك.

ومع الإدراك المتأخر، ظهر أن الفكرة كانت كلها وهمية بشكل فاضح، وقد واجهت الولايات المتحدة صعوبة كبيرة في هزيمة جيش من الدرجة الرابعة في عهد «صدام»، لكن النتيجة النهائية كانت تمردا مريعا، وتوسيعا كبيرا للنفوذ الإيراني، وفي نهاية المطاف ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية».

كما أودت الحرب بحياة أكثر من 7000 جندي أمريكي، وخلفت أكثر من 50 ألف جريح، وتسببت في تكبد دافع الضرائب الأمريكي عدة تريليونات من الدولارات، ومن المحافظين الجدد، بمن فيهم «جون بولتون»، من يدافعون عن القرار حتى يومنا هذا، لكن لا الثمن ولا النتيجة تلك هي ما تنبأوا به بثقة عندما كانوا يقودون البلاد إلى الحرب.

إزاحة «القذافي»:

كان الزعيم الليبي «معمر القذافي» شوكة في خصر أمريكا منذ أن استولى على السلطة لأول مرة عام 1969، لكن حملة موسعة متعددة العقوبات أقنعته في نهاية المطاف بالتخلي عن برامج أسلحة الدمار الشامل الليبية، التي لم تكن متقدمة بطبيعة الحال.

وفي المقابل، وافقت إدارة «جورج دبليو بوش» على تركه في السلطة والامتناع عن تغيير النظام.

وعندما بدأت انتفاضة ضد «القذافي» كجزء من الربيع العربي، قام الرئيس «باراك أوباما» على الفور بالتراجع عن تعهدات «بوش»، ووحد القوى مع بريطانيا وفرنسا وعُمان وبعض الدول العربية الأخرى للتخلص من المزعج المصاب بجنون العظمة.

ولم تكن النتيجة النهائية هي ليبيا جديدة مزدهرة وهادئة، وبدلا من ذلك، سرعان ما انحدرت البلاد إلى الفوضى، وخلقت فرصة جديدة لتنظيم «الدولة الإسلامية»، وسمحت بتدفق الكثير من الأسلحة غير المؤمنة إلى مناطق حرب أخرى.

ويمكن إلقاء الضوء على مساعي أمريكا الفاشلة لإدارة التحولات السياسية في أماكن مثل سوريا أو اليمن أو الصومال أيضا، لكن ما نريد قوله قد اتضح.

وبعيدا عن هذه الأمثلة، أظهرت الدراسات الأكثر شمولا عن «تغييرات النظام المفروضة من الخارج» أنه نادرا ما ينتج عنها النتائج المفيدة التي يتوقعها الدعاة لها.

وبالنظر إلى السجل المؤسف هذا، على القوى الخارجية أن تفهم أن «تغيير النظام» عبارة عن «صندوق بندورا» يُفضل أن يترك مغلقا.

والأسباب ليست صعبة الفهم:

أولا، يؤدي إسقاط نظام أجنبي إلى استفزاز أنظمة أخرى، وتبدأ هذه الأنظمة في اتخاذ إجراء لتجنب مصير مماثل.

وليس من المستغرب أن تتدخل كل من إيران وسوريا لإحباط الجهود الأمريكية في العراق، على سبيل المثال، لأنهما عرفا أنهما كانتا التاليتين في قائمة الولايات المتحدة إذا نجحت مغامرة العراق.

ومن غير المستغرب أيضا أن تضحي كوريا الشمالية بالكثير للحصول على أسلحة نووية، أو أن تكون إيران قد فكرت جديا في القيام بذلك، نظرا لأن الولايات المتحدة دعت مرارا وتكرارا إلى زوالها. فكلما جعلت الولايات المتحدة من تغيير النظام أداة أساسية في سياستها الخارجية، زادت المقاومة التي قد تواجهها.

وثانيا، إن إسقاط حكومة أجنبية ليس نهاية المهمة، فعندها يبدأ العمل الجاد، وتخلق إزالة نظام قائم رابحين وخاسرين، وعادة ما يكون هؤلاء المستعدون راغبين في حمل السلاح أو القيام بأشياء أخرى غير سارة لمحاولة استعادة مواقعهم السابقة.

فبدلا من ديمقراطية مزدهرة ومستقرة، مع وجود منافسة سياسية تنظمها مؤسسات ومعايير راسخة ومشروعة، تكون النتيجة الأكثر احتمالا هي دولة فاشلة وحرب أهلية.

وثالثا، بمجرد تنصيبها في السلطة، نادرا ما تكون الحكومة الجديدة هي الأداة المتوافقة التي يتوقعها مغيرو النظام.

وقد تم الترحيب بـ«حامد كرزاي» كزعيم مثالي لأفغانستان بعد طالبان، لكنه أثبت أنه سياسي متمرد وغير متعاون، رفض اتخاذ إجراءات صارمة ضد الفساد، أو الأخذ بنصيحة الأمريكيين الذين تعتمد حكومته عليهم.

ولم يكن قادة العراق في فترة ما بعد «صدام» من حلفاء الولايات المتحدة الموثوق بهم، وبعضهم، مثل رئيس الوزراء السابق «نوري المالكي»، كانوا أكثر تعاطفا مع إيران منذ البداية.

حتى عندما تساعد في جلب شخص ما إلى السلطة، فإنهم يحكمون وفق مصالحهم الخاصة والرغبة في البقاء السياسي، وغالبا ما يعني هذا القيام بأشياء لا يحبها الأمريكيون، وهذا صحيح بشكل خاص في الشرق الأوسط، حيث غالبا ما تكون الولايات المتحدة مكروهة على نطاق واسع، وليس هذا بدون سبب.

ومما يضاعف من هذه المشكلة هو الجهل: ونادرا ما تعرف القوى الأجنبية، التي تتدخل للإطاحة بحكومة محلية، ما يكفي عن المجتمع الذي تتدخل فيه لاتخاذ قرارات ذكية بشأن النظام الجديد الذي يجب إنشاؤه.

فهم لا يعرفون أي القادة المحليون يمكن الوثوق بهم، ولا يكون لديهم الفهم الثقافي الكافي لوضع المؤسسات التي يعتبرها السكان المحليون شرعية.

ومهما كانت الأمور سيئة قبل الإطاحة بالنظام القديم، فمن المرجح أن يزداد الوضع سوءا بعد انهيار النظام القديم، وينتظر مغيرو النظام دائما استقبالهم كمحررين من قبل السكان المحليين، لكن النتيجة الأكثر ترجيحا تكون خيبة أمل سريعة للسكان، الذين يصبحون ساخطين وعنيفين بشكل كبير.

وأخيرا، لا يحب أي سكان محليين تلقي الأوامر من محتلين أجانب مدججين بالسلاح، مهما كانت نواياهم خيرة، وقد تؤدي الإجراءات المتشددة للتعامل مع جيوب المقاومة إلى إثارة المشاعر القومية وتوليد مصادر جديدة للمعارضة.

وقد حدثت هذه القصة في كل مكان تقريبا تدخلت فيه الولايات المتحدة في الأعوام الأخيرة، وكانت تجربة الولايات المتحدة بعيدة كل البعد عن كونها فريدة من نوعها.

واللغز الحقيقي، بالطبع، هو لماذا تبدو الولايات المتحدة عاجزة عن تعلم هذا الدرس الواضح، وأحد النتائج التي لا تتعلمها هي أن الدول التي تتدخل فيها تتحمل معظم تكاليف حماقاتها الإمبريالية، في حين أن الأمريكيين الذين يموتون أو الجرحى هم من الذين تطوعوا للخدمة العسكرية.

ولأن الولايات المتحدة تمول الحروب الآن عن طريق الاقتراض، فإن الأجيال القادمة ستتحمل التكاليف الاقتصادية، وليس من يتخذ القرارات اليوم.

أضف إلى هذا المزيج مجموعة من صناديق الفكر ذات الانحيازات والتمويلات الخارجية، ومجموعات الضغط الأجنبية، والمساهمين في الحملات الانتخابية الذين يشترون الساسة ويزودون «بولتون» وأمثاله بظروف عمل مريحة يمكن العمل من خلالها، لتتمكن من البدء في فهم سبب قيام رئيس، اعتاد الدعوة إلى أن تنأى الولايات المتحدة بنفسها عن «أعمال بناء الدول»، باتخاذ خطوات الآن لا تفعل سوى المزيد من نفس الشيء الذي نادى بالتخلي عنه.

نقلاً عن فورين بوليسي

السابق
لماذا دعا الأمير هاري حبيبتيه السابقتين لحضور زفافه؟
التالي
فيديو.. فزع في السعودية بسبب هذا الحادث