لم تكن ليلة سميرة سعيد في “مهرجانات بعلبك الدولية” ليلة عادية، فالفنانة الغائبة عن لبنان قرابة العقدين بدا وكأنها لم تغب. ردّد الجمهور أغانيها من ” عالبال” إلى “روح يا زمان” التي غنتها لأول مرة على خشبة المسرح منذ العام 1982 ،كونه كان هناك إصرار من الجمهور أن تغنيها لهم.
خصّت سميرة لبنان بالكثير من الحب والكثير من الرسائل المباشرة التي وجهتها بين أغنية وأخرى، فهي تعلم أن الجمهور اللبناني يحبها وهي تبادله المحبة منذ أن قدمت للمرة الأولى إلى بيروت عندما كانت في الثامنة من عمرها إلى مساء يوم الجمعة، حيث وقفت على مدرج “معبد باخوس”ليصدح صوتها بأجمل أغانيها محاطة بمحبة جمهور لايزال يحفظ أغاني تخطى عمرها العقود الأربعة.
“قال جاني بعد يومين” اشتعل الجمهور تصفيقاً وحماسة وفي قلب الجمهور اللبناني محبة خاصة لهذه الأعنية التي شكلت هوية سميرة سعيد في بداياتها ولاتزال تحفظها الذاكرة الجماهيرية، رغم النجاحات التي حققتها سميرة بعدها. “مش حتنازل عنك أبداً” أغنية ثانية لها مكانة خاصة في قلب الجمهور اللبناني، إلا أن سميرة تدللت ولم تنزل عند رغبة الجمهور وتغنيها رغم أنها كررت بعض أغانيها أكثر من مرة بناء على طلب الجمهور خصوصاً أغنية “هوا هوا” التي أطلقتها قبل عامين ولازالت تحصد نجاحاً منقطعاً النظير.
على المسرح بدت سميرة سعيد وكأنها تلك الشابة التي حضرت إلى بيروت قبل خمسة عقود. لم تمر السنوات على صوتها الذي لازال ذهبياً صدح في أروقة القلعة الأثرية حيث تجمهر الجمهور من كافة المناطق اللبنانية، إضافة إلى عدد كبير من الفانز الذين أتوا خصيصاً من برشلونة والمغرب ومصر ليحظى الجميع بلقاء مع “الديفا”، لقاء لا يتكرر كثيراً.
سميرة سعيد لم تنس فيروز في حفلتها، فقد ألغت مسيرة نصف قرن من النجاح واعترفت أنها في حضرة فيروز لاتزال هاوية. وقالت “لا أملك الثقة لأغني لفيروز، انما شدة حبي لها وللبنان سوف أغني “عندي ثقة فيك”. الجمهور فوجىء بتواضع “الديفا” خصوصاً أن صغار النجوم والمبتدئين منهم وأصحاب المقومات الضعيفة يغنون فيروز في حفلاتهم، ويعتبر بعضهم أنه له فضل في رواج أغانيها، وأنه يقوم بتعريف الجيل بها، بينما سميرة سعيد ألغت حضورها وصوتها ومكانتها لدى الجمهور لتعتبر أنها لا تزال هاوية في حضرة فيروز، ولتقدم تحية للبنان عن طريق هذا الرمز الكبير.
كما أدت سميرة أغنية تحمل لها ذكريات كثيرة بعنوان “مناف” ادتها عندما توفي العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ولحنها بليغ حمدي، مشيرة إلى أنها تحية منها للإثنين اللذين أرسيا الفن العربي. وعادت بالذاكرة مع الجمهور إلى أغنية “بشتقلك ساعات” التي غنتها منذ حقبة التسعينات. وكانت سميرة تخاطب الجمهور وتريد منه أن يسمعها صوته، بعد أن قالت لهم “ايه الجمهور الرائع ده”، فردد معها “ما حصلش حاجة” و”عالبال”.
التخاطب بين سميرة والجمهور لم ينته طيلة فترة الحفل، فقبل أي أغنية كانت تستذكر مشوارها الفني وكيف وصلت إلى هذه المرحلة. وفاجأت الجمهور بغناء أغنية باللهجة الفرنسية لـ “Edith Piaf” أغنية “je ne regrette rien” وتعني بالعربية “مش مندم على حاجة” معلقة أنها بعمرها لم تندم على أي شيء”، وأن هذه الأغنية وقت تعلمت عليها كان عمرها 15 عاماً. وقد مازحت الجمهور بالقول”لن أقول لكم بالضبط من كم عام، كي لا تقوموا بحساب عمري”.
بالإضافة إلى الورود التي تلقتها سميرة على المسرح، كان لافتاً باقة الورود التي أرسلتها لها الفنانة نجوى كرم لدى مجيئها إلى بيروت. فقامت سعيد بدورها بنشرها عبر حسابها على “تويتر” وعلقت عليها بالقول: “رائعة انتِ بفنك وباخلاقك.. دمتِ رمزاً للبنان.. شكراً على لطفك”.
من جهتها، ردّت نجوى كرم على سميرة سعيد، فكتبت: “المغرب العربي بيستقبلنا احلى استقبال وما مننسى الورود والمحبة لفاجئتنا فيها بالمغرب بالتوفيق”.
أخيراً، حفلة ناجحة أحيتها سميرة في “بعلبك” استحقت عن جدارة أن تكون الفنانة المغربية الأولى التي تقف على مدرجات “معبد باخوس” بعد ستين سنة على انطلاقة هذا المهرجان، و تنفرد بحفل لها على هذا المسرح العريق، وطبعاً سيبقى هذا الحفل في ذاكرتها مدى الحياة.