سمو الأمير في الأمم المتحدة: ترسيخ ثقافة السلام والتسامح

الدوحة – نيويورك – قنا – بزنس كلاس:

كما كان متوقعاً، جاء خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ليؤكد على ثوابت السياسة القطرية وطنياً وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي مع تشديد سموه في كلمته على وجوب الوقف بشكل حازم أمام محاولات تصفية القضية الفلسطينية التي تعتبر القضية المركزية في الشرق الأوسط، من خلال وسائل لم تعد خافية على أحد. وحذر سموه بأن استمرار حالة الفوضى والسياسات التعسفية غير المدروسة لبعض القوى الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط لم تؤدي سوى إلى مزيد من الدمار والقتل وانخفاض فرص النمو بشكل حاد لاسيما في البلدان التي استهدفتها. ما اكد سموه في الكلمة المهمة التي ألقاها بوجوب تظافر جهود العالم لمواجهة التحديات الجديدة لاسيما في مجال الأمن السيبراني.

وفي التفاصيل، تضمن خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى أمس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ‘التأكيد على مرتكزات سياسة قطر الخارجية وثوابتها تجاه القضايا العربية والدولية ومواقف قطر حيالها‘ انطلاقا من إيمانها بضرورة ترسيخ ثقافة السلام والتسامح والحوار بين الحضارات والثقافات والأديان، حيث يحرص سموه على وضع الصورة المشرقة لقطر ومسيرتها المشرفة.
ويكتسب الخطاب هذا العام أهمية خاصة كونه يأتى للمرة الثانية التي يتحدث فيها صاحب السمو من منبر الأمم المتحدة ‘فيما تواصل البلاد بثبات وقوة تقديم فصول ملحمة الصمود الرائعة التى أذهلت العالم بفعل التلاحم والتكاتف الوطنى خلف القيادة السياسية‘ لازالة آثار مؤامرة الحصار
الظالم الذى فرضه — للأسف — بعض الذين كنا نفترض أنهم أشقاء لنا؛ ممهدين لتلك المؤامرة بمسرحية “هزلية خبيثة” روجت بالافك لاتهامات باطلة ‘ لاقت استهجان وانتقادات المجتمع الدولى‘ خاصة بعد عجز المتآمرين — وعلى مدى عامين — عن تقديم قرائن اتهاماتهم، لتهزم الدوحة بذلك لغة الإملاءات والهيمنة التى سعى المحاصرون لفرضها خلال الأزمة.
المتأمل فى خطاب صاحب السمو  يجد أنه رغم استهلاله بملف الحصار وتداعياته كأولوية وطنية قطرية تفرض نفسها اليوم بقوة‘ فانه لم يغفل هموم وآلام العرب وفى مقدمتها القضية الفلسطينية ‘التى تتعرض اليوم لمحاولة تصفية فى ظل مساع دولية واقليمية “مشبوهة” لتمرير ما يسمى بصفقة القرن‘ التى تتجاهل حق العودة وتقر بابتلاع اسرائيل لمدينة القدس بالكامل‘ كذلك كانت قضايا اليمن وسوريا وليبيا والعراق حاضرة بقوة فى الخطاب ‘مضافا اليها ملفات الارهاب وحقوق الانسان والتنمية والسلام. لقد كان الخطاب فى مجمله بمثابة خريطة طريق قطرية تٌشَخص من خلالها القيادة القطرية معاناة وآلام العالم وتطرح سبل علاجها ‘ ورؤية مستنيرة تساعد العالم على إخماد حرائقه المنتشرة شرقا وغربا؛ انطلاقا من مسؤوليتها الاخلاقية فى مشاركة الأسرة الدولية تطلعاتها وآمالها.. إن قراءة فى محتوى ومضمون خطاب صاحب السمو تجعلنا أمام عدة حقائق مهمة يمكن إيجازها فيما يلى:
* مؤامرة الحصار كشفت المزيد من الدس والافتراءات ضد قطر؛ وقد أدرك المجتمع الدولى زيف تلك المزاعم الباطلة والمختلقة التى حيكت عليها مؤامرة الحصار‘ وأن محنة الحصار كانت فرصة نجحت من خلالها قطر فى تعزيز مكانتها كشريك فاعل على الساحة الدولية؛ فضلا عن تعزيزها لايمان الشعب القطري فى قدراته على التحدى وتجاوز المحن.
* تؤكد قطر تمسكها بالحوار كسبيل لحل الأزمة التى تعصف بمجلس التعاون الخليجى وتعرضه للشلل ضمن تداعيات حصار قطر؛ وفى هذا السياق جاء انفتاح قطر وتجاوبها مع كافة المبادرات لحل الأزمة بالحوار بينما رفضه الآخرون. وانه من غير المعقول ان تظل المنطقة رهينة للخلافات واختلافات الرؤى.
* قطر وهى تكافح الحصار وتداعياته بشموخ ‘فانها لم تغفل قضايا وهموم أمتها وعالمها الاسلامى ‘وقدمت رؤيتها الوطنية بوضوح لاطفاء بعض النيران وانقاذ الانسان واحترام حقوقه وتطلعاته ‘سواء فى عالمنا العربى المتفجر بالصراعات‘ أو فى الاقاليم والمناطق الخارجية الملتهبة والمثخنة بجراح العنصرية المقيتة وانتهاكات حقوق الأقليات.
القضية الفلسطينية
* قطر تعتبر قضايا الشرق الأوسط الأكثر تهديدا لمنظومة الأمن والسلم على مستوى العالم وليس المنطقة فحسب، وفى مقدمة تلك القضايا قضية فلسطين التى مازالت تحتل أبرز أولويات سياستها الخارجية، كقضية عادلة تعكس مأساة شعب يرزح منذ أكثر من سبعين عاما تحت نير الاحتلال. وفى هذا السياق فان رؤية قطر للحل العادل لقضية فلسطين تنطلق من ان الاحتلال الى زوال‘ وأن غطرسة القوة لن تقهر المقاومة الفلسطينية كخيار تكفله القوانين الدولية، وأنه لابد وأن تقوم على أساس إنهاء الاحتلال الإسرائيلي؛ وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وأن العقود الماضية كشفت عجزا دوليا فى حل القضية الفلسطينية ودفعت بها نحو مزيد من التعقيد والتعثر، فضلا عن محاولات تصفية القضية بتصفية قضايا الحل الدائم مثل القدس واللاجئين والسيادة والحدود. وأن القضايا الوطنية العادلة لا تحل بإخضاعها لموازين القوى بين المحتل والواقع تحت الاحتلال، بل تحل بموجب مبادئ مثل حق تقرير المصير وعدم جواز ضم أراضي الغير بالقوة، والتي أصبحت جزءا من الشرعية الدولية. وانه لا حل للصراع العربى الاسرائيلى بدون حل عادل لقضية فلسطين، وهو ما ترفضه اسرائيل ‘وقطر لن تألو جهدا لدعم الشعب الفلسطينى.
اليمن وسوريا ليبيا والعراق
*في ملف أزمة اليمن تتمسك قطر بوحدة اليمن وحماية نسيجه الوطني كسبيل لتحقيق أمنه واستقراره وتجاوز محنته الانسانية، وفى هذا السياق اتفقت قطر مع الأمم المتحدة على تمويلها لبرنامج لمكافحة الكوليرا الذى يفتك بالشعب اليمنى. وتشدد على تبني الحوار وتحقيق المصالحة الوطنية ووضع حد لحالة الفوضى الاقتتال والحرب وفق قرارات مجلس الأمن الصادرة بهذا الشأن.
* أمام الأزمة السورية المتصاعدة والمتفاعلة بقوة هذه الأيام، فان قطر مازالت متمسكة بموقفها المنتصر للشعب السورى وتطلعاته؛ وأن الازمة السورية تحولت الى كارثة انسانية واخلاقية تتطلب تحركا فاعلا من المجتمع الدولى لحقن دماء السوريين؛ وتشدد قطر على ضرورة محاسبة مجرمى تلك الحرب بحق الشعب احتراما لأرواح ودماء الضحايا الأبرياء، وأن عدم ردع النظام السورى ومحاسبته عن تلك الجرائم يفرغ أحكام القانون الدولى من معانيها.
* على صعيد القضية الليبية، تؤكد قطر دعمها لاتفاق “الصخيرات” الموقع فى المغرب ‘وتدعو الليبيين بكافة اطيافهم السياسية والاجتماعية للحوار‘ وصولا الى التسوية السياسية الشاملة لتحقيق وحدة أراضيها ‘ وتدعو الى تضافر الجهود الدولية لحل القضية بما يعيد لها الاستقرار.
*في الملف العراقى تقدر القيادة القطرية جهود الحكومة العراقية في إعادة الاستقرار وتحقيق المصالحة الوطنية، وتثمن نجاحات وتضحيات الشعب العراقي في الحرب ضد الإرهاب والتطرف بأشكاله كافـة، وتؤكد حرصها على دعم العراق في عملية إعادة الإعمار والتنمية، ومساندة جهود ضمان وحدته وسيادته وتعزيز أمنه واستقـراره.
رؤية قطر لمكافحة الإرهاب
* تؤكد قطر على موقفها الثابت برفض كافة أشكال الارهاب وصوره، ومهما كانت الأسباب والذرائع. وفى هذا السياق فان مكافحة الارهاب أولوية سياسية قطرية.وقد قامت بتطوير الأنظمة التشريعية والمؤسسية والوفاء بالالتزامات الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب وتمويله.
* تتفرد قطر برؤية وجيهة وتكتسب تقدير المجتمع الدولى فى مكافحة الارهاب وتشترط عدة عوامل لكي تحقق الحرب على الإرهاب هدفها وتتمثل فيما يلى:
(1) التعاون الدولي في محاربة العنف الناجم عن التطرف والعنف الموجه ضد المدنيين لإرهابهم، والإضرار بالمرافق المدنية لأهداف سياسية، والتصدي لهذه الظواهر بحزم وصرامـة.
(2) توحيد المعايير في مكافحة الإرهاب بحيث لا يعتمد تعريفه انتقائيا على هوية الفاعل الدينية أو الإثنية.
(3) معالجة جذوره ومسبباته والبحث في الخلفيات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تسهم في توليده، وتحقيق تسويات عادلة للقضايا العالقة التي تغذي مشاعر الغضب والإحبـاط.
(4) عدم تحزيب مصطلح الإرهاب وتفصيله وفقاً للمصالح الضيقة لبعض الدول، وذلك باستخدامه لتبرير الاستبداد وقمع الخصوم السياسيين.
التنمية البشرية وحقوق الانسان
*التنمية البشرية وحماية حقوق الإنسان وتعزيزها في صدارة أولويات قطر، وهي تواصل جهودها في هذا الشأن على المستويين التشريعي والمؤسسي تنفيذاً لرؤيتها الوطنية 2030 التي تشدد على التنمية البشرية. وتعزيزا لذلك انضمت قطر هذا الشهر إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعيـة والثقافيـة، كما سنت مؤخرا قانونا ينظم موضوع اللجوء السياسي إليها أسوة بالدول المتقدمة، وقانوناً آخر يمنح بموجبه حق الإقامة الدائمة في الدولة بموجب شروط يحددها القانون.
جرائم التكنولوجيا الرقمية
* تنبه قطر لخطورة جرائم التكنولوجيا الرقمية،خاصة بعد ظهور حاجات جديدة، كحرية الاستخدام، والحاجة للدفاع عن مجال المواطنين الخاص من مخاطر اختراقه، ونبهت أيضا إلى الأمن السيبراني للدول. باعتبارها مسائل عابرة للحدود بسبب طبيعة التكنولوجيا ذاتها. وترى ضرورة تنظيم التعامل معها وضبط مخاطرها دوليا. خاصة أنها عانت وغيرها مـن الدول من آثار الـقـرصـنة والـتجـسس الرقميـين، وتقترح استضافتها لمؤتمر دولي لبحث تنظيم هذا الموضوع في القانون الدولي.

السابق
صدمة لمدرب ريال مدريد: نجم الفريق يحتاج تدخل جراحي
التالي
لمن صوّت رونالدو وميسي في جائزة أفضل لاعب؟